واصلت الاستثمارات الأجنبية هروبها من مصر بسبب السياسات الفاشلة التي تفرضها دولة العسكر، ما أدى إلى صدور تحذيرات دولية من انهيار الاقتصاد المصري وإفلاس دولة العسكر. كان البنك المركزي قد كشف عن تراجع استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية بنحو 10.4 مليارات دولار، خلال مارس الماضي . وقال البنك المركزي، فى تقرير له، إن أرصدة الأجانب في أذون الخزانة سجلت 9.450 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، مقابل 19.834 مليار دولار بنهاية فبراير الماضي. وزعم التقرير أن هذا التراجع يعود إلى تداعيات أزمة "كورونا"، التي دفعت المستثمرين لسحب أموالهم من الأسواق الناشئة وبينها مصر. من جانبهم توقع خبراء اقتصاد أن تشهد الاستثمارات الأجنبية تراجعا كبيرا خلال مايو الجاري، في ظل حالة الخوف التي تنتاب مستثمري أدوات الدخل الثابت، مشيرين إلى أن قرار البنك المركزي بخفض الفائدة بنحو 3% دفعة واحدة يعد أحد أسباب تراجع الاستثمارات. واعتبر الخبراء أن تراجع الاستثمارات الأجنبية يعكس حالة عدم الثقة في إجراءات نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي، مؤكدين أن الأوضاع السياسية الملتهبة تمثل سببًا رئيسًا في عدم ثقة الاقتصاد الدولي في اقتصاد العسكر . وقالوا إن هناك 3 عوامل تقف وراء هروب الاستثمارات الأجنبية، هي عدم الاستقرار السياسي، وخفض معدلات الفائدة، إضافة إلى انتشار وباء كورونا المستجد . وأشار الخبراء إلى أن عدم ثقة المستثمرين الأجانب في استقرار الوضع السياسي يجعلهم يهربون بأموالهم ويرفضون ضخ أموال جديدة في السوق المصرية . وأوضحوا أن سيطرة العسكر على الاقتصاد المصري تمثل سببًا إضافيًا لتخوف رأس المال الأجنبي، خاصة أن تجارب الحكومات العسكرية على مستوى العالم لم تقدم نموذجًا إيجابيا يمكن الارتكان إليه عند رسم سياسة اقتصادية . وأكد الخبراء أن حكومة الانقلاب فشلت في رسم سياسة اقتصادية قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، موضحين أنها تتعامل مع الاستثمار الأجنبي على أنه غاية في حد ذاته، بينما يجب اعتباره وسيلة لتعزيز نمو الاقتصاد المصري مثل التصنيع وغيره من القطاعات المهمة . مناخ الاستثمار حول أسباب هروب المستثمرين وتراجع الاستثمارات، قالت الدكتورة عالية المهدي، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن الغلاء الناتج عما سمّته حكومة الانقلاب إصلاحا اقتصاديا أسهم في تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر مع انخفاض الطلب على السلع والخدمات في السوق المصرية، وهو ما أسهم في ضعف القوة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقتين الوسطى والأقل دخلا، وهما الطبقتان الأكثر استهلاكًا. وتوقعت عالية، فى تصريحات صحفية، أن يسهم تراجع الطلب في تأجيل توسعات الشركات الأجنبية الموجودة بالفعل في مصر، وتفضيل الشركات التي تفكر في دخول السوق أن تنتظر لحين عودة الطلب إلى قوته، خاصة في ظل توافر أسواق أخرى مستقرة وتشهد طلبا جيدا. وأشارت إلى أن تغير الظروف المتعلقة بمناخ الاستثمار ومخاوف المستثمرين في الأسواق الناشئة بشكل عام مع احتمالية حدوث ضعف في العملة من أبرز العوامل التي أسهمت في تراجع الاستثمار الأجنبي. وأكدت عالية أنّ خفض سعر الفائدة فى مصر مقابل رفعها في بعض الدول مثل الأرجنتين وتركيا، قد يجذب أصحاب الاستثمارات المباشرة إلى الاستثمار في أدوات الدين الحكومية في هذه الدول، وتجميد خططهم للاستثمار المباشر لحين انتهاء فترة ارتفاع العوائد فيها. وتوقعت استمرار الظروف الحالية المتعلقة بتراجع الطلب خلال الفترة المقبلة مع ارتفاع التضخم المتوقع، وبالتالي التأثير بالسلب على جاذبية الاستثمار بشكل عام. الضرائب وقال الدكتور مهدي عفيفي، عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، إن منظومة الضرائب فى دولة العسكر تحتاج إلى إصلاحات فورية وسريعة، لأنها سبب رئيس في هروب المستثمرين الأجانب والمحليين. وطالب "عفيفي"، فى تصريحات صحفية، بتنفيذ إصلاحات حقيقية في المنظومة الضريبة الفاشلة، القائمة على وضع ضرائب جزافية، تؤدي إلى إغلاق الشركات الناشئة وهروب المستثمرين المحليين والأجانب. وأشار إلى أن هناك وسائل تساعد على ضبط المنظومة الضريبية ومنع الضرائب الجزافية، مثل التعاملات البنكية، مطالبا بإعفاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الضرائب لمدة 5 سنوات. وشدد "عفيفي" على ضرورة إجراء إصلاح حقيقي للمنظومة الضريبية إذا أردنا جذب الاستثمارات والحفاظ على الموجود بالفعل، لافتًا إلى ضرورة إصلاح الواقع المصري المتضرر بسبب الفساد؛ إذ لابد من مواجهة الفساد بكل أشكاله. وكشف "عفيفي" عن تجربة خاصة بأحد الأشخاص الذي أسس شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا ونظم المعلومات، ولكن بسبب الضرائب الجزافية تم إغلاق الشركة. وأوضح أن أي مستثمر يحتك بمنظومة الضرائب في دولة العسكر، لن يقوم بفتح استثمارات جديدة فيها؛ لأن منظومة الضرائب تعد أكبر عائق أمام المستثمرين الناشئين والكبار في كل المجالات. تغول الجيش وكشف الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، عن أن أقصى تصاعد لخروج الاستثمارات تم خلال هذه الفترة، مشيرا إلى أن هذا الخروج الكبير بجانب وباء كورونا يرجع إلى تأكد بعض الشركات الأجنبية من أن البلاد مقدمة على فترة من عدم الاستقرار؛ نتيجة إغلاق أية أبواب للتغيير الديمقراطي لسنوات طويلة . وأشار الولي، فى تصريحات صحفية، إلى ارتباط الاستقرار السياسي والأمني باستمرار الاستثمار الأجنبي بأية دولة، معربا عن توقعاته بأن تشهد الشهور المقبلة استمرار ظاهرة خروج الاستثمارات الأجنبية المباشرة نتيجة الأجواء غير المستقرة والاعتقالات، وانتهاكات حقوق الإنسان . وقال إن هناك أسبابا أخرى لخروج الاستثمارات، أبرزها استمرار العديد من المعوقات بالبيئة الاستثمارية، وتغول الجيش بالنشاط الاقتصادي على حساب القطاع الخاص، وتراجع القدرة الشرائية لغالبية المواطنين مما خفض من المبيعات وأدى لحالة من الركود بالأسواق، إلى جانب البيروقراطية والفساد، وارتفاع فائدة التمويل بالبنوك مما يزيد من تكلفة المنتجات، الأمر الذي يضعف من تنافسيتها سواء بالأسواق المحلية أو الخارجية. الصورة الذهنية وأوضح محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، أن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر سببه ضعف جهود الترويج الخارجي لجذب الاستثمار إلى مصر. وشدد البهي، فى تصريحات صحفية، على أهمية مثل هذه الحملات لتغيير الصورة الذهنية السيئة التي لا تزال عالقة في أذهان بعض المستثمرين عن مصر بسبب بعض الإجراءات التي تم اتخاذها ضد مستثمرين عرب بعد ثورة يناير، وأيضا العوائق التي كان تم وضعها أمام خروج عوائد استثمارات الأجانب من مصر قبل تعويم الجنيه. وقال إن اضطرابات الأسواق الناشئة كان من المفترض أن تنعكس بالإيجاب على مصر التي تتمتع باستقرار الأوضاع مقارنة بهذه الدول، وتوافر مزايا جاذبة لديها ومنها الأمن الداخلي وتحسن البنية التحتية سواء من حيث الطرق أو الطاقة، بالإضافة إلى مزايا قانون الاستثمار للمستثمر الأجنبي لكن ذلك لم يحدث للأسف.