تمثل العمالة غير المنتظمة في مصر أكثر من 40% من العاملين في البلاد، البالغ عددهم 30 مليونًا، بحسب أحدث إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري. ويعرف العامل غير المنتظم بأنه من يعمل خارج أي مظلة تأمينية أو اجتماعية، ويعتمد على تحصيل أجره بشكل يومي. وتزايدت شكاوى الملايين من عمال اليومية بعد تمديد الحكومة إجراءاتها الاحترازية ضد فيروس كورونا، بفرض حظر التجوال، وغلق منشآت تجارية وحرفية، علاوة على غلق المقاهي التي تقدر بنحو 2 مليون مقهى. وقررت الحكومة اتخاذ عدة خطوات لمحاولة دعمها، أبرزها قرار بصرف منحة قدرها 500 جنيه، لكن تطبيق ذلك يقابله مشكلة عدم وجود قاعدة بيانات لهؤلاء العمال. وأصبح على العمال تسجيل أنفسهم، ثم تأتي مرحلة التثبت من استحقاقهم للدعم الحكومي، لكن هذا كله يستغرق وقتا ليس بالقصير، بحسب مسئولين بوزارة القوى العاملة. وقال مسئولون بالوزارة: إن “المنحة ستصرف من مكاتب البريد تيسيرا على العمال في ضوء الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد”، دون إيضاح المدى الزمني الذي سيستغرقه ذلك. وأكد وزير القوى العاملة محمد سعفان، أن نصف مليون عامل غير منتظم سجلوا بياناتهم بالفعل ويجري تدقيق بياناتهم تمهيدا للنظر في ملفاتهم. ويقول عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية، في القاهرة: إنه “من الصعب قياس عمق تأثير الأزمة على العمالة غير المنتظمة على المدى القصير؛ لعدم وضوح أوان انتهاء الأزمة، وإذا ما كان هذا الوباء موسمياً أم مؤقتا”. وأضاف “لكن بالطبع سيكون هناك تأثير سلبي”. وأوضح عدلي ل”بي بي س”، أن التأثير سيكون سلبيا على المدى القصير؛ بسبب تداعياته على القطاعات المختلفة من المقاولات والسياحة والتجارة، فيما تعمل عدة منظمات غير حكومية على مبادرات لتوفير دعم نقدي للعمالة غير المنتظمة أيضا. على جانب آخر، لا يعبأ عمال بتحذيرات الحكومة من عدم الاختلاط أو الوجود في تجمعات، والتزام المنزل حرصًا على عدم الإصابة بالفيروس. ولسان حالهم، كما ورد بأحاديث صحفية، قائلا: “هتفرق إيه إذا أصبت بالكورونا من عدمه؟ أنا الآن بلا دخل منذ أكثر من أسبوعين ولا أجد قوت يومي، وإذا استمر الحال على كده هموت من الجوع أنا والسبع عيال، وإذا أصبت بالكورونا هموت.. النتيجة واحدة”. وتوقف معظم المقاولين وأصحاب الأعمال في مصر عن اصطحاب العمال إلى مواقع العمل خوفا من العدوى، وأوقفت بعض الشركات العمل في مواقع كبرى كانت تستوعب آلاف العمال. وأطلقت جمعيات أهلية جهودا لرعاية أسر العمالة المؤقتة عن طريق تقديم دعم عيني في شكل مواد تموينية أو دعم نقدي. وانتشرت دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين فنانين ورياضيين وبعض الشخصيات العامة للمشاركة، فيما سموه “تحدي الخير” لتقديم المساعدة للأسر التي تضررت جراء التداعيات الاقتصادية للإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي الفيروس. بينما قرر قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي تخصيص 100 مليار جنيه مصري لتمويل خطة الدولة “الشاملة” للتعامل مع الوباء، بينما أسند جميع تلك الأنشطة للشركات التابعة للجيش، في ابتلاع جديد لأموال الشعب المصري من قبل المؤسسة العسكرية التي يتوسع اقتصادها في ظل الأزمات، كما تقول دراسة لمركز كارنيجي للأبحاث. وبحسب إحصاءات رسمية، يرزح نحو ثلث المصريين تحت خط الفقر. وعانى ملايين المصريين خلال السنوات الخمس الأخيرة من تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته مصر بداية نوفمبر 2016، رغم محاولات حكومية لبسط مظلة تقديم دعم اجتماعي للفئات المتضررة من البرنامج. فيما دعت حركة “الاشتراكيون الثوريون”، عبر منشور لها على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، جميع المتضررين من تعسف أصحاب شركات القطاع الخاص مع العمال والعاملات، فيما يتعلق بإجراءات مواجهة وباء كورونا بتسجيل بلاغاتهم. وأكدت الحركة، المعنية بحقوق وأوضاع العمال المصريين، قيام بعض شركات القطاع الخاص بتشريد العمال مباشرة، وإجبار البعض الآخر على أخذ إجازات غير مدفوعة، أو التبرع الإجباري بجزء من الراتب. ودعت الدولة إلى “التدخل لوضع حد لكارثة تشريد عمال القطاع الخاص. فالعمال الذين أنتجوا أرباح الرأسماليين في فترات الرخاء يتم التضحية بهم اليوم بحجة الأزمة، ودعم المهمشين وعمال اليومية وإلزام القطاع الخاص بإعطاء إجازات مدفوعة الأجر وإجبارهم على عدم تسريح العمالة”. وجاءت أوضاع العاملين في القطاع الخاص في ذيل قائمة توافر الحقوق الأساسية للعاملين، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في كتابه الدوري بمناسبة البوم العالمي للعمل اللائق. وقال عضو حركة الاشتراكيين الثوريين سابقا والناشط العمالي محمد شعبان: إن “رئيس اتحاد مستثمري المنطقة الحرة ببورسعيد، رئيس مجموعة اللوتس للملابس الجاهزة، ثاني أكبر مجموعة ضمن اتفاقية الكويز الخاصة بالشراكة مع الصهاينة، بعد صاحب المجموعة السويسرية علاء عرفة، منح العمال إجازة بنصف الراتب فقط”. واستبعد قيام الحكومة بالضغط على أصحاب الشركات، قائلا: “لن تضغط الحكومة على رجال الأعمال- شركائها– من أجل العمال، على الرغم من أن الدولة صرفت لهم دعما وفق تصريحات الحكومة، لكن الدولة هي راعية استغلال العمال”. وقال مدير فرع بإحدى شركات الإثاث المكتبي بمنطقة الجيزة، يوسف سليمان، إن “بعض العمال اختاروا عدم العمل والبقاء في منازلهم بسبب كورونا، ونتيجة لذلك تأخر تسليم العديد من الطلبيات، ولا نملك إجبار أحد على الحضور والعمل، لكن في الوقت نفسه لا نملك منحهم أجورا وهم في منازلهم”.