منذ أنشأ السيسي منصب وزير الإعلام في التلفيق الوزاري الأخير، وتعيين أسامة هيكل وزيرًا للإعلام، بدأت مرحلة الاستغناء عن عراب الانقلاب العسكري والمدافع عن استبداد السيسي “مكرم محمد أحمد”، وهو ما تجلى بوضوح في الاجتماع الأخير الخاص بهيكلة المؤسسات الصحفية القومية، بحضور وزير المالية ورئيس الوزراء وممثلي المؤسسات الصحفية، مع غياب مكرم. أمس، وبعد خمسة أسابيع من استحداث منصب وزير الدولة للإعلام، وإسناده لرئيس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان الانقلابي ووزير الإعلام الأسبق، أسامة هيكل، حدد مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء الانقلابي، 11 اختصاصًا مستحدثًا للوزير، أبرزها اقتراح السياسة الإعلامية للدولة بالتنسيق مع السيسي ورئيس الوزراء من جانب، وبين المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام من جانب آخر، ما اعتبره مراقبون تمهيدًا للإطاحة بمكرم محمد أحمد من رئاسة «الأعلى للإعلام»، واستبداله بآخر يوافق على اقتسام صلاحية المجلس مع الوزارة. وشملت اختصاصات وزير الدولة للإعلام؛ بحسب بيان مجلس الوزراء الذي نقلته الصحف عن وكالة أنباء «الشرق الأوسط»، كذلك، مراجعة جميع البيانات الصادرة من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء في «حالات الأزمات» دون تحديد لماهية تلك الأزمات، والتأكد من عدم خروجها عن السياسة الإعلامية للدولة، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية. بالإضافة إلى المشاركة في تنظيم المؤتمرات الصحفية للسيسي محليًا ودوليًا، والإعداد للتغطية الإعلامية لزيارات القيادة السياسية الخارجية واللقاءات التليفزيونية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات وغيرها من الجهات المعنية. من بين اختصاصات الوزير أيضًا، إعداد خطط التعامل الإعلامي مع المواقف السياسية المختلفة محليًا ودوليًا بالتعاون مع الوزارات والأجهزة المختلفة، كذلك إعداد الدورات التدريبية اللازمة للمتحدثين الإعلاميين بمختلف الجهات والوزارات وتقيمهم دوريًا. وتمثيل الدولة بالمؤتمرات والمحافل الدولية التي تتطلب وجود ممثل عن الدولة في الإعلام. والتنسيق مع مختلف الوزارات لطرح وإبراز مجهودات الدولة ومشروعاتها القومية. وحدد قرار مجلس الوزراء اختصاصات هيكل فيما يخص وسائل الإعلام المرئي في الإشراف على خطة تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة دون الإخلال باختصاص الهيئة الوطنية للإعلام. وفيما يخص المواقع الإلكترونية، تضمن القرار تكليف هيكل بالتعاون مع الجهات المختصة بتدعيم وسائل الإعلام الإلكترونية بشكل مهني، بما يتماشى مع التطور العالمي في مجال الإعلام. كما كلف رئيس الوزراء هيكل بالتعاون مع الجهات المختصة لتدعيم الإعلام الرسمي للدولة وإعادته للمنافسة، وكذلك تدعيم حرية الإعلام الخاص، إلى جانب الإشراف على مراكز التدريب والدراسات الإعلامية للأفارقة، بدلًا من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. محاولة لاختراع اختصاصات ورأى خبراء ونواب ببرلمان الانقلاب قرار تحديد الاختصاصات بأنه محاولة لاختراع اختصاصات، حيث سبق أن حدد دستور الانقلاب صلاحيات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام على سبيل الحصر، ولهذا لم يجد رئيس الوزراء مخرجًا سوى باستقطاع صلاحيات من المجلس والهيئتين، إلى جانب الهيئة العامة للاستعلامات ووزارة الخارجية وجهات أخرى لصالح الوزارة. غير أن تلك الصلاحيات، بحسب خبراء، تظل حبرًا على ورق ما لم تقرر تلك الجهات والهيئات التعاون والتنسيق مع الوزارة، خصوصًا أن اختصاصات الوزارة صادرة بقرار وزاري، أما باقي الجهات فاختصاصاتها منصوص عليها في الدستور وفي القوانين، وهو ما يتوقع معه إعادة تشكيل مجالس إدارة «الأعلى للإعلام» والهيئتين في القريب العاجل والإطاحة بأي شخص يعارض وجود وزارة الإعلام، وعلى رأسهم رئيس المجلس مكرم محمد أحمد، الذي سبق وعارض وجود الوزارة. بينما قال الدكتور ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، إن ذلك التحديد انطوى على تدخلات وتقاطعات سلبية مع أدوار الهيئات الإعلامية والقطاع الإعلامي الخاص، من جانب آخر. كما أن ثمة اختصاصات منحت للوزير، يمكن أن تسبب ارتباكًا وتعارضًا مع بعض الاستحقاقات الدستورية، ومن ذلك “الإشراف على خطط تطوير أداء وسائل الإعلام العامة والخاصة”، متابعا في تصريحات إعلامية “وهي صلاحية منوطة بالهيئات الإعلامية الثلاث حصرا، ويحظر الدستور والقانون الافتئات عليها”، بحسب تعبيره. وقال الخبير الإعلامي: “أما حرية الإعلام فهي إحدى صلاحيات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الحصرية، وفق الدستور والقانون، اللذين يمنحان المجلس وحده حق تقييم أداء الممارسات الإعلامية، واتخاذ التدابير اللازمة إزاء انتهاكاتها”. بينما قال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إنه مهما كانت الاختصاصات التي خصصها رئيس مجلس الوزراء لوزير الدولة لشئون الإعلام فهي “كلام إجرائي”، موضحًا أن الأهم من تلك الاختصاصات وما سيحدد جدوى اختصاصات وزير الإعلام، هو رؤية النظام للإعلام. وأضاف العالم، أن بعض النظم في العالم يمكن أن تعطي اختصاصات فضفاضة للإعلام تدعو للتفاؤل، ولكن السياسات والمنهج الذي يراه ويتبعه النظام السياسي بالنسبة للأداء الإعلامي يجعله مقيدا ومكبلا، ويفتقر إلى الحرية الكافية، وتعدد الآراء وتنوعها، وتناول الرأي والرأي الآخر، متابعًا: “الأمر ليس مجرد تحديد اختصاصات الوزير المعني بشئون الإعلام، ولكن الأهم هو علاقة النظام السياسي بالإعلام كوظيفة ورسالة ورؤية”. وشهد الملف الإعلامي منذ الانقلاب العسكري عصفًا غير مسبوق بالحريات، وتم تجريم استخدام السوشيال وفرض رقابة كبيرة وواسعة على الصفحات الشخصية، وأغلقت نحو 600 نافذة إعلامية وصحفية، واعتقل مئات الإعلاميين وحوكموا كأنهم إرهابيون.