بعد إعلان وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب عن فشل الجولات الأربع لمفاوضات سد النهضة التي جرت مؤخرًا، برعاية من الإدارة الأمريكية والبنك الدولي، تترقب حكومة الانقلاب الاجتماع المقرر أن يُعقد في واشنطن، في 13 يناير الجاري، لوزراء الخارجية والري المعنية للدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)؛ أملًا في إنقاذ المفاوضات من التعثر والتلكؤ والمماطلة الإثيوبية. وفي أعقاب الإعلان عن فشل المفاوضات وقع تراشق عبر البيانات الرسمية بين القاهرةوأديس أبابا، وراح كل طرف يحمّل الطرف الآخر المسئولية عن فشل مسار التفاوض؛ الأمر الذي وضع الجميع أمام أزمة حقيقية. في الوقت الذي أعلنت فيه أديس أبابا عن الانتهاء من 80% من بناء السد، وأنها سوف تبدأ منتصف 2021 ملء خزانه. واستنادًا إلى اتفاق المبادئ الذي وقّعه السيسي، في مارس 2015م، فإن المادة (10) منه تعطي الحق للأطراف المعنية “مجتمعين” في طلب الوساطة، وهو مطلب مصري متكرر، أو إحالة الأمر إلى الرؤساء لبحث أي خلاف. لكنَّ إثيوبيا ترفض الوساطة الدولية من الأساس ما يحول دون اللجوء إليه، وحتى عندما تدخلت أمريكا، في نوفمبر 2019، وتم وضع خريطة طريق لإنقاذ المفاوضات عبر عقد 4 اجتماعات، ثم عقد اجتماع بواشنطن في 13 يناير 2020 لتقييم الجولات، فإن أديس أبابا رفضت اعتبار أمريكا والبنك الدولي وسطاء، وقبلت بهم كمراقبين. وبعد إعلان الفشل في الجولات الأربع، يترقب الجميع لقاء واشنطن لإنقاذ مسار التفاوض من الفشل، وسط توقعات بممارسة واشنطن ضغوطا كبيرة على جميع الأطراف؛ من أجل مواصلة المفاوضات وعدم اللجوء إلى لغة القوة أو التهديد. كما يشير مراقبون آخرون إلى إمكانية أن تدفع واشنطن باتجاه اللجوء إلى مؤسسات تحكيم دولية، من أجل التوصل لحل سلمي أخير للأزمة، في حالة عدم التوافق على قضايا ملء وتشغيل السد، وتلافي الأضرار والمخاطر التي قد تنجم عن بنائه بالنسبة لدولتي المصب، لكن ذلك من شأنه أن يستغرق وقتًا طويلًا يمتد إلى سنوات ستكون أديس أبابا قد أنهت السد وقامت بتشغيله بالفعل. ووفقا لوزير الري الأسبق خبير المياه الدولي، محمود أبو زيد، فإن خطوات مصر القانونية لحل قضية سد النهضة “محددة وواضحة”، تبدأ بمباحثات، وإذا ما تعثرت يتم اللجوء لوسيط. وإذا ما فشلت هذه الخطوة يتم اللجوء إلى الهيئات الدولية، وأخيرا الذهاب إلى محكمة العدل الدولية، وفق قوله. لكنَّ بعض المراقبين يرون أنه كان لا بد من وجود اتفاق مسبق بين الأطراف الثلاثة حول “آلية” التحكيم الدولي، ومتى يتم اللجوء إليها. ويشير خبير الشئون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية “عطية عيسوي”، إلى ضرورة إبرام اتفاق جديد حول فكرة اللجوء للتحكيم الدولي، “إذ لم ينص اتفاق الخرطوم الإطاري على التحكيم الدولي” من الأساس. لكن مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات أماني الطويل، تشير إلى أن القانون الدولي “يحتم الاتفاق مع إثيوبيا والسودان أولا”، قبل اللجوء إلى أي هيئات دولية للتحكيم. ومن بين الخيارات المتاحة سحب التوقيع على اتفاق المبادئ لإعادة القضية إلى المربع صفر من جديد، وبناء القضية على أسس مختلفة بعيدًا عن اتفاق المبادئ الذي صيغ بطريقة تضمن مصالح إثيوبيا، وتهدر مصالح مصر، وهو الفخ الذي أوقع فيه الطاغية عبد الفتاح السيسي مصر بتوقيعه المشئوم الذي شرعن السد وأهدر حقوق مصر المائية. يمكن لمصر أيضًا التقدم بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي، على اعتبار أن إثيوبيا “تتعدى” على الحقوق المائية، وهو ما “يهدد الأمن والسلم الدوليين”. غير أن مصر تتخوف من موسم الجفاف المتصل، الذي يقلل من موارد نهر النيل من المياه من رافد “النيل الأزرق”، الذي يمد النيل بأكثر من 80%، أغلبها خلال فترة الصيف من هطول الأمطار على هضبة الحبشة. وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان على 18.5 مليار. وتقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، والهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء في الأساس.