طالبت “هيومن رايتس ووتش” سلطات السجون في مصر بتقديم الرعاية الطبية المُلحّة فورا إلى عائشة الشاطر، والسماح لعائلتها بزيارتها، والإفراج عنها إذا لم يكن هناك دليل على ارتكابها لمخالفات جنائية. وقالت المنظمة، في تقرير صدر عنها اليوم الخميس، إن سلطات النظام الانقلابي في مصر تحتجز الشاطر (39 عاما)، في ظروف احتجاز تعسفية منذ أكثر من عام، بما في ذلك الحبس الانفرادي الممتد لشهور، والحرمان من الزيارات العائلية لما يناهز العام. وأضاف التقرير الذى رصد بعضًا من الانتهاكات الخطيرة التى تنتهجها سلطات النظام الانقلابى بحق السيدة عاىًشة خيرت الشاطر، والتى تصل إلى تصفيتها الجسدية مع سبق الإصرار والترصد، أن سلطات الانقلاب سمحت لها بزيارتين قصيرتين إلى المستشفى في أكتوبر 2019، لكن أعادتها لاحقا إلى الحبس الانفرادي. وتابع التقرير: يعتقد الأطباء أنها مصابة بفقر الدم اللاتنسجي وفشل نخاع العظم، وكلاهما حالتان طبيتان خطيرتان مهددتان للحياة وتتطلبان رعاية طبية متخصصة. وما يُقلق بشكل خاص زيادة خطر الإصابة بالعدوى بسبب انخفاض تعداد خلايا الدم البيضاء. وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “كما لو أن الاعتقال التعسفي لم يكن كافيا، تعاني عائشة الشاطر من ظروف سجن غير إنسانية، وتعيش أسرتها في محنة بسبب عدم معرفتها أي شيء عن وضعها الصحي. الآن، وفي ظل أزمتها الطبية، ينبغي لسلطات السجن ضمان تلقيها رعاية كافية من أطباء مستقلين”. وأشار إلى اعتقال ضباط الشرطة وجهاز الأمن الوطني، في نوفمبر 2018، حوالي 40 محاميا وناشطا ومتطوعا، من بينهم الشاطر وزوجها المحامي محمد أبو هريرة. وكان أحد الأقارب قد أخبر “هيومن رايتس ووتش” بأن أحد أسباب اعتقالها أن والدها خيرت الشاطر، المسجون بدوره منذ 2013، كان نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين . واستكمل أن مصادر مقربة من عائلة الشاطر قالت إن سلطات السجن نقلتها في أكتوبر 2019 إلى مستشفى قصر العيني، التابع لجامعة القاهرة، مرتين لتلقي العلاج الطبي. وفي 8 أكتوبر 2019، أُدخِلت الشاطر المستشفى ليومين، ثم لأسبوع في 31 أكتوبر 2019، اتضح أنها عانت من نوبات إرهاق شديدة ونزيف حاد قبل نقلها إلى قصر العيني. وفى 25 نوفمبر 2019، وبعد ارتفاع الصوت بالاحتجاج، أمر النائب العام للانقلاب حمادة الصاوي “نيابة أمن الدولة” بفتح تحقيق في شكاوى الشاطر بشأن عدم تلقيها الرعاية الطبية المناسبة. وقالت العائلة إنهم علموا بنقلها إلى مستشفى السجن من بعض السجينات بعد عدة أيام من ذلك، لكنهم لم يتمكنوا من الاتصال بها. وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إن على السلطات نقل الشاطر فورا إلى مرفق طبي مجهز بالكامل، والسماح لأطباء مستقلين بفحصها، وتقديم معلومات مفصلة عن وضعها الصحي لعائلتها ومحاميها. ووجدت “هيومن رايتس ووتش” وجماعات حقوقية أخرى، أن مستشفيات السجون في مصر تفتقر غالبا إلى المعدات الطبية اللازمة والأدوية والأطباء المتخصصين، ويتبع الأطباء الذين يعملون في السجون أو مستشفيات السجون أوامر ضباط وزارة الداخلية، وغالبا ما يتعذّر عليهم اتخاذ قرارات طبية مهمة باستقلالية. ووفقًا لقانون السجون المصري لعام 1961، عندما يقرر الطبيب أن مستشفى السجن غير قادرة على معالجة حالةٍ، يعود قرار نقل السجين إلى مستشفى خارجية أو الاتصال بطبيب اختصاصي إلى تقدير سلطات السجن. وقالت عزة توفيق، والدة الشاطر، على فيسبوك: إن العائلة عرضت دفع تكاليف علاجها في مستشفى خاصة لكن سلطات السجن رفضت ذلك. وفي 21 نوفمبر 2018، مثلت الشاطر التي “اختفت” 20 يوما بعد اعتقالها، أمام نيابة أمن الانقلاب التي أمرت باحتجازها احتياطيا بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية”. واحتجزتها سلطات الانقلاب حتى يناير 2019 في مكان لم يُكشَف عنه، على الأرجح في مبنى تابع ل”جهاز الأمن الوطني” في القاهرة، قبل أن تُنقل إلى سجن القناطر للنساء. وأخبر أحد الأقارب “هيومن رايتس ووتش” أن الشاطر قضت 9 أشهر على الأقل في الحبس الانفرادي، وقال أيضا إن سلطات السجن منعت محاميها وعائلتها من زيارتها، ولم يتمكن أحد من رؤيتها منذ اعتقالها رغم حصول الأسرة، مرة واحدة على الأقل، على إذن من القاضي بزيارتها. وفى يونيو 2019، بثت قناة “مكملين” التلفزيونية تسجيلًا صوتيًّا مُسرّبا لحديث الشاطر أمام قاضٍ يراجع احتجازها بحسب القناة، وقالت في التسجيل إنها محتجزة في الحبس الانفرادي في زنزانة أصغر من 2×2 متر بدون مرحاض. وذكرت في المقطع المُسرّب أنها كانت تستخدم جردلا (دلو) كمرحاض، وأنها مُنعت من زيارة أسرتها أو رؤية أطفالها منذ اعتقالها. وقال قريب الشاطر، إن سلطات السجن لم تسمح لعائلتها بالحصول رسميا على سجلاتها الطبية أو معلومات عن وضعها. وأضاف أن المعلومات الشحيحة التي لديهم جاءت من حديث الشاطر مع محاميها لفترة وجيزة، خلال جلسة لتجديد الاحتجاز في 7 نوفمبر 2019، والتي نقلت فيها بسيارة إسعاف إلى محكمة جنايات في القاهرة لتنظر في احتجازها. وعند انتهاء الجلسة “أُخرجت من باب خلفي” لمنعها من رؤية أسرتها أو التحدث إليهم، حسبما قالت شقيقتها لصحفيين. وفي 17 ديسمبر2019، جددت المحكمة احتجاز الشاطر ل45 يوما إضافيا. نُقِلت مجددا إلى المحكمة في سيارة إسعاف. ووفقًا لتقرير طبي من صفحة واحدة من مستشفى قصر العيني، في أوائل نوفمبر 2019، والذي قدمه مصدر ل”هيومن رايتس ووتش” بشكل غير رسمي، كان يُشتبه أن الشاطر تعاني من النقص الشامل في الكريات (انخفاض في خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية) مما سبّبّ فقر الدم اللاتنسجي، ربما جرّاء متلازمة خلل التنسج النخاعي، وهو مرض خطير في نخاع العظام. وقال التقرير، إن ظهور أعراض مرض الشاطر كان “حادا”، وإن الحالة كانت تطور للأسوأ، كما ذكر أيضا أنها تعرّضت لنزيف حيضي حاد وخضعت لسحب نخاع العظام و3 عمليات نقل دم، وأعطيت 36 وحدة صفائح دموية، وأعطيت أيضا “فيلغراستيم”، وهو دواء يحفز إنتاج خلايا الدم البيضاء. وقال أحد أقارب الشاطر إنهم عرضوا التقرير على أطباء مستقلين الذين قالوا إنه ينبغي نقلها إلى “معهد ناصر للبحوث والعلاج”، وهو مستشفى حكومي في القاهرة يضم طاقمه أطباء متخصصين في أمراض نخاع العظام. وأكدت “هيومن رايتس ووتش” أنه لا يمكن للسلطات تقييد الحق في الصحة كعقاب، وينبغي أن يتلقى السجناء الرعاية الطبية دونما تمييز حسب وضعهم القانوني، وينبغي أن تكون الرعاية مساوية على الأقل للرعاية المتاحة لبقية المجتمع، حيث تنص “قواعد مانديلا” الصادرة عن “الأمم المتحدة”، والتي توفر توجيهات جازمة بشأن ممارسات الاحتجاز، على أن للسجناء الحق في الرعاية الطبية، بما في ذلك التشخيص والعلاج، يقدّمها أطباء ذوو كفاءة عالية يعملون باستقلال سريري. كما لا بد وأن يتمتع السجناء أيضا بالحق في مساحة معيشة كافية، وتهوية وإضاءة وحرارة وصرف صحي ومياه نقية مناسبة، وغذاء كافٍ ومغذٍ. كما حددت قواعد مانديلا 15 يوما كحد أقصى في الحبس الانفرادي. وفي 2017، أدخلت حكومة السيسي تعديلات على قوانين السجون تزيد الحد الأقصى للحبس الانفرادي إلى 6 أشهر، ويمكن لمثل هذا الحبس الانفرادي الطويل أن يرقى إلى حد التعذيب. وفي نوفمبر 2019، قال خبيران أمميان إن ظروف الاحتجاز التعسفية في مصر “تعرض صحة وحياة الآلاف من السجناء لخطر شديد”، وإن مثل هذه الانتهاكات، ومنها الافتقار إلى الرعاية الطبية الكافية، “تسببت بشكل مباشر” في وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي. وقال ستورك: “لا معنى لأمر النائب العام بالتحقيق في شكاوى الشاطر من دون التأكد من قدرتها على تلقي رعاية طبية مناسبة وكافية، وقدرة أسرتها ومحاميها على التواصل معها”.