يبدو أن الحراك الطلابي القوي الذي اشتعل في النصف الأول من العام الدراسي الجاري، قد أقضّ مضاجع الانقلاب وبات يمثل له هاجسا مخيفا؛ فلم تكتف قوات الانقلاب بتأجيل الدراسة وتقليل الأوقات المفترضة للفصل الدراسي الثاني، بل زادوا على ذلك بإصدار مادة ألحقوها بقانون تنظيم الجامعات -19 فبراير الجاري- تخول لرئيس الجامعة سلطة الفصل للطلاب. فضلا عن جعل لجوء الطلاب إلى القضاء أمام الإدارية العليا مباشرة؛ بما يعني قصر التقاضي على درجة واحدة وليس على درجتين كما هي القاعدة القانونية. ومن ناحية أخرى فقد أصدرت محكمة الأمور المستعجلة حكمها بتاريخ 24 فبراير الجاري بإعادة الحرس الجامعي، في حين أنها بحسب القانونيين محكمة غير مختصة ولا علاقة لها بالنظر في القضايا الموضوعية. هذا المشهد يجزم بأن سلطات الانقلاب لا تريد إعادة الدراسة إلى الجامعة إلا بعد أن تجعل منها ثكنة عسكرية محاطة بكافة أشكال القهر والقمع للطلاب.
قانون معيب أصدر عدلي منصور -الرئيس المعين من قبل سلطات الانقلاب- قرارا خاصا بإضافة المادة 184 مكرر لقانون تنظيم الجامعات، الصادر بقانون رقم 49 لسنة 1972، وتنص على أنه "لرئيس الجامعة أن يوقع عقوبة الفصل على الطالب الذي يمارس أعمالا تخريبية تضر بالعملية التعليمية، أو تعرضها للخطر أو تستهدف منشآت الجامعة أو الامتحانات أو الاعتداء على الأشخاص، أو الممتلكات العامة أو الخاصة، أو تحريض الطلاب على العنف واستخدام القوة، أو المساهمة في أي أمر مما تقدم، وذلك بعد تحقيق تجريه الجامعة، وخلال أسبوع على الأكثر من تاريخ الواقعة، يخطر به الطالب بخطاب، ويجوز الطعن على هذا الجزاء أمام مجلس التأديب المختص بالجامعة، على أن يكون من بين أعضائه أحد أعضاء مجلس الدولة، وأحد أساتذة القانون بكليات الحقوق، ويكون الطعن على أحكام مجلس التأديب أمام المحكمة الإدارية العليا "دائرة الموضوع". وهي المادة التي كان المجلس الأعلى للجامعات قد اقترحها، ووافق عليها رئيس الوزراء الانقلابي.
وفي سياق متصل فقد أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في عابدين حكما بعودة الحرس الجامعي مرة أخريى، وهو الأمر الذي يؤكد القانونيون عدم صحته نظرا لعدم اختصاص المحكمة من الأساس، فضلا عن صدور حكم نهائي بات نهائي من قبل بإلغاء الحرس الجامعي.
حراك ناجح قوي يرى أحمد عبد الباسط -المعيد بكلية العلوم جامعة القاهرة ومنسق حركة جامعات ضد الانقلاب- أنه من الواضح أن الحراك الطلابي القوي في النصف الأول من العام الدراسي قد كان له تأثير وصدى واسع؛ حيث شارك بقوة في خلخلة أركان الانقلاب خاصة لما أدى إليه من لفت النظر إلى عدالة القضية ليس في الجامعات وحدها بل في الشارع المصري كله.
ولذا فالمادة الجديدة المضافة ما هي إلا محاول لتقييد هذا الحراك الجامعي الناجع؛ والأصعب من ذلك فحينما سُئل وزير التعليم العالي في حكومة الانقلاب عن وضع أعضاء هيئة التدريس فأجاب بأن هؤلاء الأساتذة يطبق عليهم قانون "الإرهاب". أي أن حالة القمع الانقلابي لا تقتصر علي الطلاب بل تمتد كذلك للأساتذة.
يضيف -عبد الباسط- أن الانقلاب دأب سواء في تلك المادة أو غيرها أو في تحقيقات النيابة وتوجيه الاتهامات أو حتى في وسائل الإعلام على اعتماد أسلوب الكلمات الفضفاضة المطاطية، مثل العنف، الخطر، التحريض. وغيرها من الكلمات التي يسهل تشكيلها بحسب ما تريد الجهات تلفيقه من تهم.
يتابع: وفي هذا الإطار فإذا أقدمت قوات الانقلاب على إعادة الحرس الجامعي وفقا للحكم الأخير مع كونه باطل قانونا، وبالجمع بين ذلك وبين المادة المضافة في قانون تنظيم الجامعات، فمن المتوقع أن تشهد البلاد فصلا دراسيا داميا بكل المقاييس. أما العملية التعليمية فهي لا تهم الانقلابيين بأي حال؛ فالمجلس الأعلى للجامعات لن يجتمع لمناقشة أمور تخص تطوير التعليم، أو إصلاح المدرجات أو مناقشة أفكار جديدة للساعات المعتمدة وغير ذلك من قضايا، بل يجتمع المجلس لاستصدار قرارات تبيح لهم السيطرة على الطلاب وقمع حرياتهم!
يضيف -عبد الباسط- أنه ومع كل ذلك فقد وضح جليا أن الحراك الطلابي لا يوقفه شيء، فرغم كل ما حدث من قتل الطلاب، وجر الطالبات في الشوارع، واقتحام المدن الجامعية، ومع ذلك فقد استمرت التظاهرات حتى اليوم الأخير من الامتحانات. ولذا فمثل تلك القوانين لن تفت في عضد الطلاب خاصة أنها تحصيل حاصل، فبدون تلك القوانين تم الحكم على الطلاب بأحكام وصلت إلى 17 عاما، فالانقلاب يفعل ما يريده لتثبيت أركانه حتى وإن لم يستصدر قوانين أو يستحدث مواد.
وحول المشهد الجامعي إذا عاد الحرس الجامعي يرى -عبد الباسط- أن الفارق أن الاحتكاك والمواجهة ستكون مباشرة مع الطلاب، ولن ينتظروا قيام الطلاب بالتظاهر أو الخروج عن حدود الجامعات، كما سيعود المخبرون للانتشار بكثافة داخل كل الكليات، وستعود عيون أمن الدولة للتربص والتصيد للطلاب.
ويرى أيضا د. حسان عبد الله -الأستاذ بجامعة دمياط- أن هذه المادة الجديدة لا تفسر إلا في سياق استمرار القمع الموجود داخل الجامعة نتيجة بالطبع للحراك الطلابي الكبير جدا، والذي فضح الانقلاب وجعله يكشف عن وجهه الدموي في الممارسات التي تضطهد الحريات بكافة أشكالها. حيث تنوعت جرائم الانقلاب بحق الطلاب ما بين قتل واعتقال وتحويل الجامعات لثكنات عسكرية، وعليه فالطلاب أثبتوا أنهم يشكلون نقطة مفصلية مهمة في معادلة الانقلاب، وهو يعلم جيدا من يواجههم من شباب متحمس لديه رؤية لن يصبر على القمع والقهر، ولن يترك حق أصدقائه سواء من الشهداء أو المعتقلين، ومن ثم يحاول الانقلاب أن يقنن الاستبداد والقتل والقمع؛ حتى يضمن تفريغ الجامعة من أي عنصر من عناصر الحراك الطلابي.
ويضيف د.حسان أنه وبالجمع بين هذا وبين الحكم بعودة الحرس الجامعي إذا تم تطبيقه رغم عواره القانوني، إلا أن الانقلاب في الحقيقة يثبت بذلك أنه لا يهتم لا بالتعليم ولا بالجامعة وإنما كل ما يسعى إليه هو ترسيخ قواعده، وجميعنا يعرف أن قواعد المستبد محاربة الحرية، في حين أن الجامعة في العالم كله هي حصن الحريات ورمز للتعبير الحر عن الآراء. في حين أنه من اليسير على الانقلاب وليس بمستغرب أن نجده يغلق الجامعات وليس فقط يسيطر عليها أمنيا، أو حتى يلغي المدارس الثانوية، فليس بكثير عليهم أن يوقفوا كافة مؤسسات الدولة خاصة التي لها علاقة مباشرة بالتعليم والتنمية.
ومن جهة أخرى وحول طبيعة مجالس التأديب الجامعية وحقيقة الغرض منها، يضيف -حسان- أنه من المفترض أنها تختص بمن يخرج على الأعراف والتقاليد الجامعية مثل التطاول على الأستاذ الجامعي، أو مثلا الغش في الامتحانات فهذه هي التقاليد المعروفة والمتفق عليها عالميا. لكن لا يصح أن يكون من بين ذلك أبدا التظاهر السلمي المشروع، فالجامعات أصلا جزء أساسي من مكونات الشخصية الوطنية الكاملة بما فيها الجانب السياسي والوطني وقضايا الحريات.
وفي السياق نفسه وتعقيبا على ترحيب بعض أساتذة الجامعات بإضافة تلك المادة، يقول –حسان-: إنه لا يجب أن ننسى أنه وقبل ثورة 25 يناير فقد كانت الجامعات تدار أساسا من خلال الأمن، وقد كانت هناك تصفيات كثيرة للمعارضين للنظام من أن يلتحقوا بهيئات التدريس عن طريق الأبواب الطبيعية، إلا لمن لا يظهر له توجه سياسي أو رؤية محددة، أو من يستطيع الحصول على حكم قضائي، فضلا عن درجات أخرى من التصفيات للمناصب القيادية بالجامعة أو للدرجات العلمية، بحيث يضمنوا في النهاية هيئات تدريس موالية في معظمها للجهات الأمنية. وفي الأعوام الثلاثة التي تلت ثورة يناير اختفى من المشهد تماما هؤلاء الموالون لنظام مبارك، في حين أنه الآن وبعد الانقلاب ظهر هؤلاء مجددا وبدأوا يأخذون فرصتهم مرة أخرى ويمارسون أدوارهم القديمة في الموالاة لسلطات الانقلاب.
تجريم للفكر والرأي ويرى د.مصطفى أبو الخير -الخبير والمحاضر القانوني- أن هذه المادة المضافة تعد تجريما للفكر ومحاكمة للمخالفين في الرأي، والهدف منها تحريم وتجريم العمل السياسي داخل الكليات، رغم أن المعلوم في العالم كله أن الطلاب هم وقود الثورات، وكذلك ففي التعديل مخالفة لطبيعة العملية التشريعية التي يجب فيها أن يتناسب الجرم مع العقاب، كذلك فقد وضع في سلطة رئيس الجامعة فصل الطلاب وهي أقصي عقوبة يمكن أن تصدر بحق الطالب. وبالتالي فمن الناحية القانونية كان يجب وضع تدابير احترازية للحكم بتلك العقوبة، وكذلك بعض الضمانات حتى لا يتعسف رئيس الجامعة ضد من يخالفه في الرأي. ورغم أن المادة ذكرت أن الفصل يكون بعد تحقيق تجريه الجامعة؛ فإذا كانت الإحالة ستكون من رئيس الجامعة وليس من الكلية فإذن فالعقوبة المنتظرة لن تقل عن الفصل، لأنه من المتعارف عليه أن الطالب إذا ارتكب خطأ ما فيكون تحويله للتحقيق من الكلية وأن تجري الشئون القانونية لكل كلية التحقيقات الخاصة بها. أما تخويل تلك الصلاحيات لرئيس الجامعة فلا يعني سوى أن العقوبة المنتظرة هي الفصل. فهذا النص بذلك أخل بضمانات التحقيق وضمانات الدفاع للطالب؛ وأعطى حرية مطلقة لرئيس الجامعة. كما أن المادة قد أعطت لرئيس الجامعة سلطة تطبيق أقصى عقوبة دون ضبط ومراعاة القواعد التشريعية في العمل بالتدرج في العقوبات ووضع حد أدنى وأقصى لها، فالطالب إذا ارتكب جزءا مكونا للفعل المجرم وليس الفعل كله، فالمادة تعطي الحق في توقيع أقصى عقوبة دون مراعاة للمراتب الأقل في العقوبات. ومن ناحية أخرى فالأفعال المجرمة في المادة أفعال مطاطة يمكن إدخال أي عمل تحتها.
ويضيف -أبو الخير- أن هناك إخلالا جسيما آخر، وهو أن التقاضي من المفترض أن يكون على درجتين، أما تلك المادة فقد نصت على أن الطالب المتضرر من القرار سيتظلم أم مجلس تأديب ثم أمام الإدارية العليا، وهو بذلك اعتبر مجلس التأديب درجة أولى من درجات التقاضي، وهو خطأ كبير فالقانون اعتبره مثل محضر تحقيق جمع الاستدلالات الذي تجريه النيابة. ولذا فالطعن عليه يجب أن يكون أمام محكمة القضاء الإداري، أما الذهاب مباشرة للإدارية العليا فيعني فقد درجة تقاضٍ، كما أن القضايا هناك قد تظل لسنوات لا يتم صدور حكم فيها، وهو ما يعني ضياع فرص الطالب في عودته للكلية بعد قرار الفصل. وبخصوص الحكم بعودة الحرس الجامعي فهو صادر من محكمة غير مختصة، وبالتالي فهو في حكم المنعدم، فمحكمة الأمور المستعجلة ليس من اختصاصها الفصل في أمر موضوعي، ولكنها تختص فقط بالنظر في أمر واحد وهو ضرر حال يستحيل تداركه بعد التنفيذ. أما الحرس الجامعي فليس فيه ما يدل على الاستعجال الذي أوجبه القانون. كما أنه شق موضوعي يجب أن يخضع للتمحيص والفحص.
يتابع: الجمع بين الأمرين إنما هو رغبة من الانقلاب في تهديد الطلاب وتكبيلهم كما كبّلوا الشعب بقانون التظاهر. وهذا يعني أن الأمرين محاولة لجعل الجامعة ليست أكثر من سجن من سجون الانقلاب؛ مما يهدد العملية التعليمية برمتها ويقضي على أي نشاط سياسي في الإطار الجامعي، والانقلاب بذلك يريد أن يعاقب الطلبة ويعاقب الشعب على ثورة 25 يناير، وبالتالي هو يتجه إلى كل فئة من فئات الشعب بوضع قانون يكبلها ويعاقبها به. ولأن البعض يقول إن مثل تلك القوانين سيئة السمعة ظلت موجودة في العام من حكم الرئيس مرسي، يقول-أبو الخير- إن العام الذي حكم فيه الرئيس مرسي لم تشهد مصر منذ عهد محمد علي إلى الآن مثله في حرية في الرأي والتعبير وصلت إلى درجة السب والقذف حتى مع وجود مثل تلك النصوص التي تكبل وتقيد والتي كانت موجودة أيام المخلوع حسني مبارك، ومع ذلك لم يطبقها الرئيس مرسي، بل أعطى أوامره بعدم تطبيق أية مواد تمس حريات الرأي والتعبير. ومن ناحية أخرى -يؤكد أبو الخير- أن حق التظاهر حق طبيعي لكل إنسان نصت عليه الدساتير جميعها والمواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر.
ويرى المستشار محمد عوض -نائب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، ومنسق حركة قضاة من أجل مصر- أن السياق العام لتصرفات الانقلابيين، هو اللامعقولية واللامنطق في القانون وغيره، فليس أكثر من وضع مواد في دستورهم الانقلابي لا تمت بصلة لمعنى المواد الدستورية في العالم أجمع حتى تضمن التحصين لشخص وزير الدفاع والمؤسسة العسكرية. وهذه المادة الخاصة بتأديب الطلاب هنا لا علاقة لها بالقانون أو بمبادئ ما يمسى باستقلال الجامعات، فالوضع الطبيعي لمثل تلك الجرائم التي يتحدثون عنها أن يتم الانتظار حتى يقول فيها القضاء كلمته ولا يتم الفصل فيها بشكل مباشر. ومن الواضح بالطبع أن هذه المادة وغيرها المقصود منها إرهاب الطلبة، وردهم عن الحراك الثوري المستمر.
يردف: كذلك فمن المفروض أن تكون الجريمة محددة بركنيها المادي والمعنوي، وذلك بشكل دقيق بلا عبارات فضفاضة؛ -ولأن هناك مواد شبيهة كانت موجودة من قبل سواء كانت تُفَعّل أم لا- فالحقيقة أن الانقلابيين يسيرون وفقا لمنهج واحد ورثوه من المخلوع حسني مبارك ولكن بصورة أكبر من حيث الظلم والطغيان وإهدار كرامة الإنسان، وإهدار العملية التعليمية برمتها؛ بدليل التأجيل المستمر للدراسة في المدارس والجامعات.
ومن جهة أخرى يؤكد -عوض- أن الحكم الأخير بعودة الحرس الجامعي هو خطأ مهني جسيم؛ لأن هناك حكما نهائيا باتا صادرا من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحرس الجامعي، فلا يجوز أبدا لأية محكمة إصدار حكم مخالف، ولذا فهذا الحكم كالمنعدم، ويدخل في نطاق الأخطاء المهنية الجسيمة، والتي تستوجب محاسبة القاضي الذي أصدر الحكم. يتابع -عوض- ولكن الحقيقة والواقع تقول إن الانقلابيين لم ينتظروا حكما كهذا، بل هم ينفذونه من تلقاء أنفسهم؛ بدليل أن قوات الأمن تدخل إلى الجامعات وتقتل الطلاب، وعليه فالحكم بالنسبة لهم ليس أكثر من غطاء لما يفعلونه بالفعل.