بعد مرور كل هذه السنوات تأكدت صحة نظرية أحد لاعبي المنتخب الإيطالي عندما زاحم العشرات لنيل ولو "جورب" تذكاري من الأسطورة بيليه عقب إنتهاء المباراة النهائية لمونديال 1970 بين البرازيل وإيطاليا بالمكسيك ، فقد كان يعلم أن هذا الجورب ربما سيكون أثمن ذكرى يمكن الاحتفاظ بها من حدث رياضي كلاسيكي حقيقي ، أو ما قد يطلق عليه البعض لقب البطولة "الفاضلة" أو أخر أيام "البراءة" الكروية. في العادة يكون خوض المباريات في درجة حرارة تقارب الأربعين وبارتفاع يقارب 2000 متر فوق سطح البحر أمراً قاتلاً للاعبي الكرة بشكل عام ، إلا أنه كان مصدراً للإلهام خلال ثلاثة أسابيع استثنائية من صيف عام 70 ، في بطولة هجومية شكلت ذلك الجسر بين كرة قدم "كلاسيكية" وأخرى شكلت الملامح الأولى لكرة القدم التي نعرفها اليوم بكل "زخارفها". فهي البطولة الأخيرة لأساطير بحجم بيليه ، بوبي مور ، أوفي زيلر ، جوردون بانكس ، وهي البطولة التي عرفت انطلاق كرات "أديداس" الرسمية لكأس العالم ، النقل التلفزيوني الملون بالأقمار الصناعية ، والذي أتاح رؤية أفضل للبطاقات الصفراء والحمراء التي استخدامها أيضاً للمرة الأولى في تاريخ البطولة وأول "تطاول" أفريقي على الكبار بفضل مشاركة المنتخب المغربي الذي أحرز أول نقطة عربية في تاريخ كأس العالم ، كما أنها البطولة التي عرفت حرباً حقيقية "خاطفة" بين السلفادور وهندوراس للفوز بمقعد في بطولة المكسيك. بطولة 1970 في نظر البعض ليست إلا بطولة بيليه وفرقته الاستعراضية المتنقلة بإدارة ماريو زجالو ، والتي حضرت إلى مدينة "جوادا لاخارا" مدججة بقدرات مدفعجي يدعى ريفيلينو جعل من الركلات الحرة فناً مستقلاً بذاته ، إلى جانب ثنائي من السحرة في خط الوسط متمثل في لاعب وسط لا يخطأ التمريرات هو جيرسون ومهندس وسط يعاني من أجل تخطى مشاكل عينيه الصحية يدعى توستاو ، وخط دفاع ب"جينات" هجومية ملحوظة في كارلوس ألبرتو ، وأفريالدو.
كارلوس ألبرتو بيريرا مدرب منتخب 2006 ولعل الهدف الرابع للساميا في الشباك الإيطالية في المباراة النهائية الذي جاء بعد عشر تمريرات بين نصف لاعبي الفريق قبل لدغة ألبرتو الأخيرة أكبر شاهد على تلك النزعة الهجومية التي انتشرت في أجواء الملاعب المكسيكية الخمسة التي استضافت البطولة. الدقائق العشر الأولى من مباراتهم الأولى أمام المنتخب التشيكي أكدت المخاوف التقليدية التي تلازم أي بداية برازيلية في كأس العالم بمدرب جديد نسبياً على الفريق ، بعض الشكوك حول قدرات بعض اللاعبين ، وتوقعات معتادة بالجمع بين الكأس والاحتفالات الصاخبة على أقل تقدير ، وهو ما نجح البرازيليون في توفيره على نحو مبهر ، من خلال إحراز 19 هدفاً في ست مباريات فازوا بها جميعاً ، إضافة إلى حفنة اللمحات الخاصة ، ونوايا بيليه لإحراز أهداف من منتصف الملعب ، أو القيام بواحدة من أفضل المناورات الهجومية الفردية في تاريخ اللعبة بمباراة نصف النهائي أمام أوروجواي ، إضافة إلى رقم شخصي خاص بحرباء هجومية ترتدي قميص رقم 7 تدعى جيرزينيو ، اللاعب الوحيد في تاريخ النهائيات الذي تمكن من تسجيل هدف على الأقل في كل مباراة من المباريات الست التي لعبها خلال البطولة. الحمى الهجومية التي اجتاحت البرازيليين انتشرت في بقية غرف البطولة ، وتحديداً بداية من دور الثمانية وحتى النهاية ، من خلال إحراز 36 هدفاً في ثماني مباريات ، أي بمعدل 4.5 هدف في المباراة الواحدة ، فيما كان المنتخب الألماني أكثر الفرق إحرازاً للأهداف في الدور الأول ، بفضل عشرة أهداف كاملة في شباك مجموعته الرابعة ، أغزر مجموعات البطولة ، في واحد من أفضل تشكيلات المنتخب الألماني في تاريخ مشاركات كأس العالم على الإطلاق ، ونقطة التقاء بين أساطير جيل الستينات المبهر بقيادة زيلر وأبطال مونديال 1974 المستقبليين ، وهي التشكيلة التي لعبت مباراتين من أفضل مباريات البطولة في تاريخها ، حيث أنهت "ملحمة" إنجلترا في دور الثمانية لصالحها ، في حين سقطت ضحية "ملحمة" أخرى في دور الأربعة أمام المنتخب الإيطالي ، والتي عرفت سقوط لاعبي الفريقين من الإجهاد في معركة حربية استمرت 120 دقيقة. الملامح الهجومية التي سارت كالوباء بين فرق البطولة بداية من دور الثمانية عرفت مساهمات رائعة من فرق بحجم بيرو بقيادة فتى لاتيني ذهبي يدعى توفيليو كوبياس ، أحرز خمسة أهداف من مجموع أهداف بلاده التسعة ، ومنتخب إيطالي أحرز تسعة آخرين خلال ثلاث مباريات متتالية من دور الثمانية حتى النهائي في رقم قياسي عادل رقمهم في كأس العالم عام 1938 ، على العكس تماماً من الدور الأول ، عندما تصدروا مجموعتهم الثانية بهدف واحد خلال ثلاث مباريات كاملة. بطولة عام 70 بالمكسيك تصلح أن تكون متحفاً للقطات الهجومية التاريخية ، بداية من محاولة بيليه للتسجيل في مرمى تشيكوسلوفاكيا من منتص