سار رجل عجوز بجوار نجله الشاب الذي يرفع لافتة كتب عليها "بروسيا ليس للبيع، النادي ملك لجماهيره" في مسيرة حاشدة ضمت الآلاف في شوارع مدينة دورتموند عام 2003 احتجاجا على عرض ناديهم للبيع بعد تهديده بإعلان الإفلاس. بعد عشر سنوات تقدم الشاب برفقة والده الذي شارف على بلوغ الثمانين من عمره بطلب للسلطات المحلية من أجل استخراج تصريح للسفر إلى ويمبلي والحصول على تذاكر المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بين فريقه بروسيا دورتموند وبايرن ميونيخ. وخلال العشر سنوات لم يفوت الرجل أو نجله شراء التذاكر الموسمية لحضور مباريات الفريق ليدعموه من التهديد بالهبوط والإفلاس حتى التتويج ببطولات ألمانيا والتفوق على كبار أوروبا. أزمة مالية بدأت قصة تدهور مستوى دورتموند بعد تتويجه بلقب الدوري في موسم 2001-2002 ازدادت التزامات الفريق ماليا خاصة وأنه في عام 2003 لم يتمكن الفريق من تخطي الدور التمهيدي لدوري الأبطال ولم يستطع تحمل الخسائر الكثيرة التي طالته بسبب سوء الإدارة التي قررت بيع النادي. ولكن الجمهور كانت له الكلمة الفاصلة في هذا الأمر حيث خرجت مظاهرات في أرجاء المدينة للإعتراض على بيع النادي رافعين لافتات تحمل جملة "دورتموند ليس للبيع" لترضخ الإدارة لمطالب الجماهير التي رفضت أن يكون ناديها ملكا لأحد.
جماهير دورتموند واستبدلت الإدارة وقتها خطة البيع بخطة بيع النجوم مثل ينز ليمان وأموروسو كما قام باقتراض 2 مليون يورو لمساعدته في خطة تفادي الإفلاس ولكن هذا لم يكن كافيا حيث ضربت الأزمة المالية الفريق مرة أخرى في 2005 بعد أن انخفضت قيمة أسهم النادي 80% مما اضطر النادي لبيع إسم الاستاد ليتغير من "فيستفالين" إلى "سيجنال إيدونا بارك" حتى 2016. معاناة الفريق ماليا أثرت على الفريق رياضيا بالطبع فتلك الأزمة جعلته يستمر في بيع نجومه مثل توماس روزيسكي ويان كولر كذلك كريتسوف ميتزلدر وأودونكور في المقابل لم يستطع الفريق تدعيم قوامه سوى بلاعبين متواضعين لم يساعدوه سوى على احتلال مراكز متوسطة في الدوري والوصول مرة لنهائي الكأس أمام بايرن ميونيخ في 2008 قبل أن يخسروه 2-1. الدعم الجماهيري جماهير دورتموند واصلت ضرب المثل في الانتماء للنادي وبدأت في حملات للتبرع لإنقاذ النادي وتدعيمه ماليا بكل الوسائل. فبادرت الجماهير بشراء منتجات النادي المحلية وقمصان الفريق سنويا من أجل توفير ربح للنادي، كما تعد الجماهير الصفراء صاحبة أعلى معدل حضور جماهيري في العالم برقم قياسي بلغ مليون 800 ألف متفرج في موسم 2011- 2012. وتشتري جماهير دورتموند تذاكر موسمية لحضور المباريات قبل بداية كل موسم من أجل دعم الفريق لإبرام صفقات وتجديد عقود اللاعبين ووصل الرقم إلى شراء 50 ألف تذكرة موسمية للمباريات التي تقام على ملعب الفريق الذي يسع ل80 ألف متفرج.
كلوب وفريقه الملهم كلوب بفضل تأهل بايرن ميونيخ لدوري الأبطال في نفس العام تمكن دورتموند من الذهاب لكأس الاتحاد الأوروبي بمسماها القديم ، ليقرر النادي أن يتعاقد مع مدرب ماينتس يورجن كلوب كمدير فني جديد للفريق خلفا لتوماس دول. حقبة كلوب لم تساهم في تطوير النادي على مستوى الكرة فقط فالنجاح الذي يحققه الفريق منذ 2010 ساعد على تحسين الوضع المالي للفريق تصاعديا حتى ما وصل عليه حاليا إذ أظهرت "فوربس" المهتمة بمراقبة أوضاع المؤسسات المالية أن قيمة دورتموند حاليا يبلغ 456 مليون دولار وأن دخله سنويا يبلغ 54 مليون دولار قبل خصم الضرائب والديون يجعله في المركز الثامن بين أندية أوروبا. كلوب اعتمد في بناء فريقه على أسماء ليست قوية مثل كيفن بواتينج وسوبوتيتش وهوملز ولوكاس باريوس ومحمد زيدان وسفين بيندر وليفاندوفسكي وبيتشيك ثم قام بإضافة بعض الشباب مثل كاجاوا وجوتزة وجوندوجان وشميلزر لقوام الفريق الأساسي الذي امتلك عناصر مثل نوري شاهين وبلازكوفيسكي وسباستيان كيل ورومان فيدينفيلر. تمكن كلوب من قيادة دورتموند للتأهل للدوري الأوروبي في 2010 قبل أن يكتسح البوندزليجا في الموسم الذي يليه ويظفر باللقب السابع في تاريخ الفريق ليعلن عن عودة فارس كاد أن يختفي من على خريطة الكرة في أوروبا قبل أن يعود لإكتساح ألمانيا في الموسم الذي تلاه بفوزه بالثنائية المحلية ليرسل إنذارا للجميع لكن لم يلتفت له أحدا بسبب نتائجه المتواضعة نوعا ما أوروبيا. الموسم الحالي شهد بداية ضعيفة لدورتموند محليا عطلته عن ملاحقة بايرن ميونيخ الذي يقدم أفضل مستوى له منذ عقود فاتجه للسيطرة على أوروبا وعلى الرغم من مجموعته الصعبة التي ضمت ريال مدريد ومانشستر سيتي وأياكس إلا أنه فرض نفسه على الجميع وتصدرها وتمكن من الوصول للنهائي بعد تكرار فوزه على ريال مدريد ولعل أبرز لقطة في مشواره كانت فوزه على ريال مدريد برباعية لليفاندوفسكي. وصل دورتموند لنهائي دوري أبطال أوروبا 2013 للمرة الأولى منذ توج باللقب في 1997 وبعدما أمضى ما يقرب من 15 سنة في معاناة، ولكن جماهيره ظلت صامدة حتى رفعت لوحة كتب عليها "اقتربنا من الحلم .. دوري الأبطال مكانه دورتموند".