بعض من التفكر فى أزمة أمناء الشرطة الحالية قد يفيد فى دفع كل طرف كى يتحمل مسئوليته عن تطور الأحداث، بداية من الرئيس، ومروراً بوزير الداخلية، وقيادات الحكومة وانتهاءً بالسادة النشطاء والإعلاميين. الكلام فى أزمة أمناء الشرطة والتجاوزات، مدارس وكل طرف يختار مدرسته على حسب مصلحته، المدرسة الأولى هى مدرسة التبرير ويقودها قيادات فى «الداخلية» وخبراء استراتيجيون وبعض الزملاء فى الصحف القومية، وبعض السادة المنتسبين زوراً للإعلام مثل الأستاذ عزمى مجاهد وكل مَن هو على شاكلته ممن ضلوا طريقهم وذهبوا لميكروفونات الفضائيات بدلاً من ميكروفونات «نبطشى» الأفراح الشعبية. مدرسة التبرير ترى قصة أمين الشرطة والدرب الأحمر وباقى تجاوزات أفراد الشرطة فى الفترة الأخيرة أنها مؤامرة ولا شىء غير ذلك، وأن قطر وتركيا وأمريكا خططت لهذه المؤامرة ودفعت أموالاً لبعض أمناء الشرطة ضعاف النفوس من أجل خلق الفوضى، وهم يحركون الغاضبين على مواقع التواصل الاجتماعى، و«6 أبريل» و«الإخوان» هم من حرَّضوا الناس على التظاهر أمام مديرية أمن القاهرة، أصحاب هذه المدرسة هم نسخة أكثر تطوراً من «تامر بتاع غمرة» صاحب أشهر مكالمة فى زمن ثورة 25 يناير حينما تحدث عن الغرباء المقيمين فى الميدان الذين يتكلمون «انجليش لانجوش»، وبعد كل هذا الزمن يعود عزمى مجاهد ليستخدم نفس منطق «تامر بتاع غمرة»، والمؤسف أن يشاركه الرؤية صحف مصر القومية «الأهرام» و«الأخبار» بنشر أخبار على لسان مصادر أمنية تقول بأن حادث الدرب الأحمر مؤامرة يحركها «الإخوان» و«6 أبريل»، بينما بيان «الداخلية» الرسمى كان يعترف بجريمة أمين الشرطة ويؤكد اتخاذ إجراءات محاسبته. هذه المدرسة بكل مَن فيها تجعل من فكرة المؤامرة التى هى واقع تتعرض له مصر من بعد الثورة نكتة، ووقتما تبدأ المؤامرة الحقيقية ربما يغفلها المصريون من فرط ابتذال استخدام المصطلح نفسه من قِبل أعضاء مدرسة التبرير، المؤامرة واقع ولكن لا يجوز أن ننسب لها كل خطأ بدلاً من الاعتراف به ومحاسبة المخطئ. وإذا كانت مدرسة التبرير ذات مزاج عالٍ، فإن المدرسة الأخرى لقراءة أزمة أمناء الشرطة، مدرسة «الهوا اللى رمانى» ذات دماغ أعلى وأعلى، هذه المدرسة أسسها محافظ السويس حينما ظهر فى فيديو شهير مؤكداً أن الرياح الشمالية الغربية سوف تنقذ مصر من صواريخ إسرائيل إن حدث اعتداء، ويبدو أن هذا المنهج نال إعجاب بعض الإعلاميين وبعض القيادات فى «الداخلية» فخرجوا يبررون جريمة الدرب الأحمر، بأن المشاجرة بين الأمين والسائق حدثت ولكنه لم يتعمد قتله بل حاول استخدام سلاحه لإخافته بإطلاق النار فى الهواء، ولكن طلقة طائشة استقرت فى رأس المجنى عليه وقتلته، ولم ينتبه أصحاب هذه المدرسة إلى سؤال أهم: هل يجوز أصلاً لأمين الشرطة أن يستخدم سلاحه الميرى لإرهاب المواطن المصرى فى خلاف شخصى بينهما؟ واذا كنا نخبر أصحاب المدرستين بأن الحل ليس فى التبرير ولا التحوير ولا الضحك على عقول الناس، بل فى الاعتراف بوجود أزمة وضرورة وضع إجراءات لحلها، فلا بد أيضاً أن يعترف السادة النشطاء والسياسيون والإعلاميون بأنهم جزء من المشكلة الحالية، حينما ضحك عليهم أمناء الشرطة المفصولون سنة 2011 و2012 بعدما أعلنوا عن وقفة «يوم الكرامة» وطالبوا بالمساواة مع الضباط وإعادة المفصولين، وتسليحهم وإلغاء محاكمتهم عسكرياً، وساندهم النشطاء فى ذلك حتى حقق لهم «الإخوان» المراد. المدرسة الثالثة التى طرحت رؤية فيما يخص أزمة أمناء الشرطة كانت بيان الرئاسة الذى وجه بإدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمنى، بما يضمن محاسبة كل مَن يتجاوز فى حق المواطنين دون وجه حق. وعرض هذه التعديلات التشريعية على مجلس النواب خلال 15 يوماً لمناقشتها، وهنا تم إلقاء الكرة فى ملعب البرلمان ليصبح مسئولاً أمام الجميع عن إصدار تشريعات لا تمنح فرصة ل«الداخلية» أو النيابة لتبرير بطء الإجراءات فى حالة الخطأ.