أول انتخاب للرئيس فى تاريخ مصر هو بالقطع حدث تاريخى مهم، ولكن الاختيار فعليا لم يكن كما يجب أن يكون على أساس برنامج انتخابى، بل كان على أسس سياسية وعقائدية، فقد كان الاختيار سياسياً بين مؤيدى ثورة يناير مقابل طالبى الاستقرار وتجاوز مرحلة الثورة بصرف النظر عن اكتمال أهدافها، وعقائدياً بين أنصار دولة دينية وأخرى مدنية حديثة. كما أن البرامج الانتخابية لا تتحقق عن طريق مرشح فردى تدفعه مجموعة من المؤيدين، وإنما البرامج تتحقق عن طريق كتل سياسية وأحزاب قوية قادرة على العمل بعد الوصول للرئاسة لتحقيق البرامج والدفاع عنها وتصويب مسارها أحياناً، ولكننى أعتقد أن السبب الأساسى فى انحسار الإقبال هو عدم قدرة الكثير من الناخبين على التعرف على شخصية ملهمة فى مرشحى الرئاسة الثلاثة عشر، وليس أدل على ذلك أكثر من الصعود السريع لحمدين صباحى فى الأسابيع الأخيرة قبل الاقتراع، والذى يفسره ضيق الناخب بالمعروض عليه من المرشحين لمدة عام تقريباً واكتشافهم فجأة مرشحاً يبدو مختلفاً فى عمره ولغته مع مسحة يسارية معتدلة، فاصطف خلفه جيل من الشباب واتجاه الثورة وكأنهم وجدوا جوهرة ثمينة كانت مخبأة بين مجموعة من الأشياء القديمة المنسية، كما تبدت الظاهرة نفسها فى هبوط شعبية محمد مرسى، مرشح الإخوان، الذين حصدوا فى الرئاسة نصف ما حصدوه فى انتخابات البرلمان من أصوات انتخابية، بالطبع مع أسباب أخرى تخص الإخوان. والحقيقة أننا يجب أن ندرك أن هذه الانتخابات قد تدخل فيها قدر من الهندسة الانتخابية بدت بوضوح فى ترشيح الشاطر مع مرسى كاحتياطى، أيضاً فى ترشيح عمر سليمان وسحبه ليدخل شفيق فى سباق التتابع وهو ما يؤكد إمكانيات التنظيمات السياسية فى التحكم فى شروط المعارك الانتخابية مثل الإخوان فى الحالة الأولى ونظام دولة ما قبل يناير فى الحالة الثانية، طبعاً بالإضافة إلى القدرة على التحويل والتنظيم والانتشار وارتكاب الاختراقات الصغيرة لقوانين الانتخاب سواء فى الدعاية أو الرشاوى الانتخابية، لذلك فليس من الغريب أن تكون النتيجة الحاصلة حالياً هى نجاح المرشحين المستندين إلى تنظيم قوى وإن كانت هذه النتيجة هى أسوأ الاحتمالات فقد أخذونا فى دورة كاملة لنعود لنقطة البداية قبل الثورة وهى ثنائية الوطنى والإخوان، ولكن لكى نكون منصفين بعد أن اكتسبنا وعياً هائلاً وقدرة على الممارسة السياسية كان لا يمكن تحصيلها إلا بالتجارب والأخطاء. على أن أهم الدروس المستفادة هى ضرورة أن يعى تيار الحداثة والثورة المدنى بكل أطيافه وألوانه أن قوته مهدرة ما لم يستطع أن يكون حزبه وتنظيمه القوى الواسع الشامل القادر على تحديث المجتمع المصرى والانتقال به إلى آفاق الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وأخيراً يتبقى السؤال: ما العمل؟ بالطبع البعض سينتخب أحمد شفيق، وآخرون سينتخبون محمد مرسى، ومن أتوجه لهم هم القسم الثالث الذى لا يريد أن يختار أحدهما، فلندرك أن نجاح شفيق لن يغير شيئاً أساسياً فى الدولة القديمة إلا من بعض عمليات الترميم والتجميل اللازمة بعد الثورة، أما اختيار مرسى فإنه سيكون بداية لتغيير طبيعة الدولة المدنية ومقدمة لصعود فاشية دينية..رأسمالية جشعة مع تعالٍ عنصرى لسلب الوعى الشعبى، يتطور لحكم تسلطى باسم الدين.