منذ أن تولى حقيبة الخارجية، وأداء السفير سامح شكرى، وزير الخارجية، يشهد بأنه شخصية متزنة وواعية، ولذلك فقد استغربت من تلك الحركة اللافتة التى قام خلالها بالإطاحة بميكروفون قناة الجزيرة، أثناء المؤتمر الصحفى، الذى عقد عقب انفضاض القمة السداسية بين وزراء مصر والسودان وإثيوبيا حول موضوع سد النهضة. موقفنا من قطر معروف، فهى دولة تكيد لنا، وموقفنا من قناة «الجزيرة» معلوم، فهى قناة تحاول الترويج والتسويق لجماعة الإخوان، ولم تعد تفرق -بسبب انحيازها السافر للجماعة- بين المهنية والغوغائية فى الأداء الإعلامى. كل هذا الكلام متفق عليه، لكن وزير الخارجية يعلم أكثر منى أن مناكفات قطر، لن تتوقف لمجرد الإطاحة بميكروفون قناتها الفضائية، وأن ثمة ردوداً دبلوماسية وخارجية أكثر وقعاً وتأثيراً مما فعل. ومؤكد أن وزير الخارجية لاحظ أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سبق وأن أدى بصورة مختلفة تماماً مع قطر، رغم ما ناله من قناة «الجزيرة»، التى جعلته هدفاً لها بعد موجة الثورة الثانية فى 30 يونيو. لعل السفير يكون قد تابع ما كشف «السيسى» أوائل العام الحالى من أنه اعتذر لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثانى، عن أى إساءات صدرت ضد والدته الشيخة موزة بنت ناصر فى الإعلام المصرى، وذلك خلال لقائهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضى. فعل الرئيس ذلك فى وقت كانت «الجزيرة» فى أعلى درجات السُّعار على النظام السياسى فى مصر!. ومؤكد أن السفير سامح شكرى يعلم أكثر منى أن هذه اللقطة «العصبية» سوف تستخدم من جانب قناة «الجزيرة»، وسوف تتاجر بها عبر شعارات الإعلام الحر وموقف المسئولين المصريين منه، بل ربما كانت اللقطة أيضاً موضوعاً للمعالجة داخل نوافذ إعلامية غربية، بشكل يضعنا فى حرج نحن فى غنى عنه. قناعتى بأن وزير الخارجية أكثر وعياً منى بكل هذه الأمور يدعونى إلى البحث عن سبب آخر غير الغضب من قطر لتفسير إلقاء ميكروفون «الجزيرة». السلوك لا يتسق مع ما عهدناه فى شخصية السفير سامح شكرى من تأنٍ ودبلوماسية، وكل ما أخشاه أن يكون وزير الخارجية قد ألقى الميكروفون للتنفيس عن غضب مكتوم نتيجة تعثر مفاوضات القمة السداسية. أغلب الظن أن هذا السلوك جاء فى هذا السياق، فقد خرجت علينا العديد من التقارير، التى تؤكد أن المفاوضات فشلت منذ اليوم الأول، وأن وزير الخارجية الإثيوبى كان يريد ترك القمة، بعد ساعات من بدئها، زاعماً أن الحديث عن سد النهضة فى مرحلته الحالية من اختصاص الفنيين وليس السياسيين!. معنى ذلك أن إثيوبيا تضعنا أمام أمر واقع يتكرس يوماً بعد يوم. أخشى أن تكون الحركة العصبية، التى أتى بها السفير سامح شكرى تعبيراً عن إحساس بفشل المسار السياسى، بعد الفشل السابق للمسار الفنى. فشل «الفنى» و«السياسى» فى حل إشكالية سد النهضة يعنى محدودية الخيارات، التى أصبحت متاحة أمامنا للتعامل معها. وهو أمر شديد الخطورة، ويدعو إلى التوتر والعصبية بالفعل!.