نعرض اليوم والأسابيع المقبلة لبعض المقترحات لبرنامج فعال للحكومة فى مرحلتها المقبلة التى ستخضع فيها لرقابة مجلس النواب وسيكون رئيسها وأعضاؤها محلاً للمساءلة والاستجواب وحتى سحب الثقة إذا لم يوفقوا إلى تحقيق مطالب التنمية والعدالة الاجتماعية والتطوير الشامل فى كل مجالات الحياة. ورغبةً فى تيسير مهمة الحكومة صياغة برنامج عملى وقابل للتنفيذ فوراً حتى من قبل أن يعرض على مجلس النواب، نذكّر الحكومة بعدد من الدراسات التى شارك فيها بعض أعضائها فى حكومات سابقة، ولم يتم تنفيذها رغم ما أُنفق فيها من وقت ومال وأفكار مبتكرة شارك بها نخب من علماء مصر وخبرائها دون أن تجد تلك الدراسات والمخططات موضع التفعيل لصالح مصر والمصريين. ونبدأ بتذكير الحكومة ووزير الإسكان الحالى د.مصطفى مدبولى بالمخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية الذى كان له دور رئيس فى إعداده وقت أن كان رئيساً للهيئة العامة للتخطيط العمرانى، والذى أقره مجلس الوزراء برئاسة دكتور عصام شرف يوم 9 يونيو 2011 وإشراف دكتور محمد فتحى البرادعى وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية حينئذ. وقد اشتمل المخطط على دراسات عميقة لكل مشكلات المعمور المصرى، وسأكتفى بعرض العناوين العريضة لمحتويات المخطط الاستراتيجى للتنمية العمرانية للاستدلال على مدى شموله من حيث تشخيص المشكلات المصرية، والحلول العلمية لعلاجها. فقد بدأ المخطط الاستراتيجى برصد الوضع الحالى للبلاد للإجابة عن تساؤل مهم، هو: أين نحن الآن؟ وقد تمت الإجابة عن هذا التساؤل بعرض ملامح الخصوصية المصرية من حيث الموقع وعبقرية المكان ووسطية المناخ، وتطور مصر وثنائية «الحيز المعمور» و«الحيز المهجور»، ووصف السكان والمكان. ثم انتقلت وثيقة المخطط إلى وصف الحيز الحالى وبيان ما يعانيه من مشاكل وتحديات، فتعرّض المخطط إلى تحليل المجال العمرانى والحضرى وما به من الخلل فى منظومة العمران ودلالاتها، والخلل فى منظومة الإسكان وانعكاساته الاجتماعية، وتدنى مستوى الحياة الحضرية، وكارثة الامتداد العمرانى على الأراضى الزراعية. وفى المجال الاقتصادى والاجتماعى عرض معدو المخطط لمشاكل الفقر، البطالة، الأمية، ومشكلات ضعف الابتكارية المصرية فى مواجهة التنافسية الدولية. ومشكلات الصحة والتغذية. وقد اهتم معدو المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية بدراسة أوضاع الموارد الحاكمة للتنمية وأهمها المياه والطاقة. كما تطرق المخطط إلى تقييم النظام الإدارى القائم على إدارة التنمية ومشكلة المركزية الإدارية، وسلبيات النظام الإدارى الحالى. وفى سياق البحث عن الطريق إلى المستقبل قارن المخططون بين تنمية مصر عن طريق عمران الأرض السوداء (القديمة) وعمران الأرض الصفراء (الصحارى)! ولم يتوقف صناع المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية عند حد التشخيص، بل قدموا رؤيتهم والأهداف التى يسعون إليها، وحددوا المعطيات الأساسية للرؤية وتحقيق الأهداف، وحددوا أهداف التنمية والتطورات المرحلية للرؤية التى قسموها إلى ثلاث مراحل عشرية، المرحلة العشرية الأولى (2013-2022)، المرحلة العشرية الثانية (2022-2032)، المرحلة الثالثة وتتعلق بالمدى الطويل (2032-2052). وخلص واضعو المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية إلى نتائج رئيسة كانت محوراً للتقدم بمشروعات لتحقيق التقدم على طريق المستقبل، منها: ■ ضرورة امتداد الحيز العمرانى الحالى ليشمل صحراوات مصر وسواحلها لكى يستوعب الزيادات السكانية المستقبلية. ■ بدء حياة جديدة خارج الوادى والدلتا بمقومات وأسس حضارية جديدة. ■ الارتقاء بمستوى الحياة بالحيز الحالى ودمج الحيزين لكى تكون مصر بكامل مسطحها الجغرافى وبحيزيها المأهول والمستقبلى تمثل وحدة تنموية واحدة متكاملة. ■ تكامل مجالات التنمية: المكانية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية فى منظومة تخطيطية مؤسسية وتشريعية واحدة. ■ وضع نظام مؤسسى وتشريعى متكامل لإدارة التنمية على المستوى القومى والإقليمى والمحلى يتسم بالكفاءة العالية والمعاصرة، ويحقق المشاركة الشعبية الكاملة فى جميع مراحل التنمية تخطيطاً وتنفيذاً. وقد اجتهد فريق الدراسة فى إعداد مخطط استراتيجى قومى شامل يحدد النطاقات المكانية للتنمية الإنتاجية والخدمية التى يمكن أن تتوطن فيها، والأنماط الاقتصادية للتنمية، والشرائح السكانية التى يمكن أن تنتقل إلى محاور التنمية الجديدة، ومراحل وأولويات التنمية، ورسم حدود الأقاليم التخطيطية الاقتصادية الإدارية، ووضع نظام الحوكمة الملائم للحياة الجديدة القائم على اللامركزية والمشاركة الشعبية والديمقراطية السياسية. وقد قام فريق الدراسة بتحديد مجالات دراسة التنمية العمرانية ومخططها الاستراتيجى، تتمثل فى خمسة مجالات رئيسية وهى: مجال التنمية الاقتصادية، مجال التنمية البشرية، مجال مقومات التنمية، مجال التنمية المكانية، مجال إدارة التنمية. وقد تطرق المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية إلى دراسة مفهوم محاور التنمية Corridors of Development والمقارنة بين محاور التنمية الطولية من الشمال إلى الجنوب بصورة موازية للمحور العمرانى الحالى وبين المحاور العرضية المتتالية التى تبدأ بسيناء وساحل البحر الأحمر والصحراء الشرقية شرقاً وتمر بالحيز المعمور فى الوادى والدلتا وتنتهى فى الصحراء الغربية غرباً. كذلك تمت دراسة أقاليم التنمية Regional Development حيث قد تتركز أغلب جهود التنمية فى قطب واحد من أقطاب النمو مثل ما حدث فى مشروع توشكى للتنمية الزراعية على سبيل المثال. وقد تتجه إلى تنمية محور من محاور التنمية الرئيسة كما نادى به البعض فى التركيز على محور الباز غرب الوادى والدلتا. وقد اتجه المخططون إلى تفضيل التنمية الإقليمية. أى تنمية الإقليم التنموى بكل ما فيه من أقطاب نمو ومحاور تنموية داخله ومحاور تنموية قومية عابرة به. وتم التركيز على مجموعة مشاريع تنموية عاجلة منها تطوير إقليم قناة السويس كمركز لوجيستى وصناعى عالمى (المرحلة الأولى)، تنمية سيناء، تنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى، تنمية محافظات شمال الصعيد، تنمية جنوب مصر والنوبة ومنطقة حلايب وشلاتين ورأس حدربة، ومشروعات للنقل القومى والإقليمى والمحلى، ومشروعات تحلية المياه وتوفير مصادر جديدة لها وترشيد استهلاكها، وأخيراً توفير مصادر جديدة للطاقة الجديدة والمتجددة، وعلى الأخص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. والمقترح أن يدعو رئيس مجلس الوزراء فريق إعداد ذلك المخطط الاستراتيجى القومى لتحديثه واعتباره المحور الأساس فى برنامج الحكومة الذى سيطرح للنقاش المجتمعى ثم يقدم إلى مجلس النواب. ويحيا أبناء مصر من العلماء والخبراء.