مفاوضات بطيئة يقابلها سرعة فى البناء. هذا ملخص أزمة سد النهضة حتى الآن. كتبت عن هذا الموضوع عدة مرات، ونبهت إلى خطورته، ومؤخراً قام وزير الرى برفع تقرير تفصيلى إلى الرئيس حول المسار البطىء للمفاوضات، فى وقت انتهت فيه إثيوبيا من بناء 47% من السد، وهناك كلام يردده خبراء فى هذا المجال عن أن عملية ملء السد لن تنتظر لحين الانتهاء من بنائه بنسبة 100%. نحن أمام أزمة حقيقية أصبحت بحاجة إلى تحرك رئاسى حتى يتم حسمها، وليس من المفيد التعامل مع هذا الاستحقاق بمزيد من البطء الوزارى لأنه يرتبط بمستقبل الأجيال المقبلة فى مصر. نحن نحتاج فى إدارة هذا الملف إلى قدر أعلى وأكبر من الحسم، بعد شهور طويلة استهلكتها إثيوبيا فى «المراوغة» حول المكتب الفنى الذى سيتولى دراسة وتحليل التأثيرات السلبية للسد، فى وقت كانت دؤوبة فيه فى رفع بنيانه. الحسم هنا يعنى تحركاً أفريقياً ودولياً سريعاً لمحاصرة صانع القرار الإثيوبى، وعدم منحه أى فرصة للمماطلة فيما بعد، لأن التلكؤ والسكوت أكثر من ذلك سوف يزيد من حجم خسارتنا على مستوى هذا الملف. وفى تقديرى أن الرئاسة إذا تحركت ووظفت الكثير من الأدوات المتوافرة فى أيديها، فسوف تتمكن من حماية حقوق مصر والمصريين على مستوى هذا الملف الشائك والخطير. لقد تم تداول أخبار عديدة ومتفرقة منذ عدة أسابيع حول أن مجموعة من الجهات السيادية ستتولى ملف «سد النهضة»، وفى تقديرى أن هذه الخطوة موفقة وفى محلها، بعد أن لم تنجح وزارة الرى فى إدارة هذا الملف بالصورة المطلوبة، وانتهى بها الأمر إلى مجموعة من جلسات التفاوض التى عرف الطرف الإثيوبى كيف يديرها لصالحه، وليس ثمة صالح لإثيوبيا أهم من مواصلة البناء فى السد، وليس ثمة خطر على مصر يفوق خطر تواصل البناء، وعدم الاتفاق بشكل حاسم على الفترة الزمنية لملء السد. إننى أثق فى أن الجهات السيادية التى تم إحالة ملف هذا الموضوع إليها قادرة على حسمه فى الوقت المناسب بصورة تدرأ أى خطر عن هذا البلد، وأفهم أنها تتحرك بتوجيهات من الرئيس، الذى يستوعب جيداً أن حقوق مصر فى ماء النيل أمر لا نقاش فيه، لكن من المهم أن يخرج «السيسى» برسالة مصارحة للشعب. المصريون هذه الأيام أحوج ما يكونون إلى رسائل مصارحة، ليس على مستوى هذا الملف وحده، بل على مستوى ملفات أخرى عديدة. والمصارحة هنا لا تعنى مجرد الإفصاح عن الحقائق أو المعلومات الإيجابية، بل تنسحب أيضاً على الحقائق والمعلومات السلبية بعض الشىء، فليس من العيب أن يصارح المسئول الشعب بالحقيقة، بغض النظر عن درجة قسوتها، ولا يتركه للمفاجآت، فالشعب له دور فى مواجهة أى مشكلة أو أزمة، ولا يستطيع أحد أن يطالبه بمشاركة أو تفاعل مع استحقاق لا يعرف عنه شيئاً. المصارحة مطلوبة فى كل الأوقات، وفى كافة المواقف، وفى جميع الأزمات والمشكلات.. الحسم واجب والصراحة مع الشعب أوجب لأنه فى النهاية ظهير الحماية حين يجد الجد.