بينما تتجه وزارة الري إلى التقدم بطلب رسمي إلى أثيوبيا خلال الأيام المقبلة، والتمسك بمسار التفاوض، والترحيب باستضافة جولة جديدة من المفاوضات بالقاهرة، إذا كان لدى الجانب الأثيوبي حل جديد للأزمة، فإن الخبراء يرون ضرورة التحرك على عدة مسارات، للتصدي للمزاعم الأثيوبية، والتأكيد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل والتي تحميها الاتفاقيات والمواثيق الدولية. وخلال اجتماع مشترك ضم لجنتى المياه والشئون القانونية برئاسة الدكتور مفيد شهاب بالمجالس القومية المتخصصة مؤخراً، تم الاتفاق على ضرورة مخاطبة الجهات المسئولة للمضى قدماً نحو التحرك من خلال 4 مسارات لمواجهة أزمة سد النهضة، .. ويقول الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والرى بكلية الزراعة جامعة القاهرة- إن المسار الأول يعتمد على ضرورة توضيح المخاطر التى ستتعرض لها مصر جراء إنشاء سد النهضة، وتبصير العالم بأن هناك أزمة ستتحول إلى صراع، مما قد يفتح الباب أمام الوسطاء للتدخل لحل الأزمة، أما المسار الثانى فيشمل التقدم بشكوى عاجلة للاتحاد الإفريقي، تعرب فيها مصر عن تضررها من الموقف الإثيوبى المتشدد، والذى يرفض التفاوض بكافة اشكاله، ويصر على موقفه فى مصادرة الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، ويتركز المسار الثالث على تقدم مصر بشكوى إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتتضمن الإجراءات الإثيوبية لإقامة سد على نهر دولى مشترك بين دولتى المنبع والمصب، لإصدار قرار بوقف بناء السد لحين الاتفاق، وإنهاء النزاع، وإقامة دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى لاستصدار حكم قضائى لوقف بناء السد، وهنا نشير إلى أن التحكيم الدولى لا يجدى فى مثل هذه الحالات لأن اللجوء للتحكيم لابد أن يتم بموافقة طرفى النزاع(مصر واثيوبيا)، وهو ما لن تقبله إثيوبيا. ومن ثم يبقى وقف بناء السد هو الحل المبدئى للأزمة، خاصة فى ظل تعنت الجانب الإثيوبي، ورفض اديس أبابا التوقيع على أى اتفاق يلتزم فيه بأى حصة لمصر من مياه النيل، لأن أثيوبيا تريد الاستئثار بمياه النيل الأبيض لتخزين 200 مليار متر مكعب من المياه خلال السنوات العشر المقبلة، تمهيداً لبيعها للدول بالسعر الذى تقرره، وكأن المياه قد تحولت فجأة إلى بترول يباع ويشترى. وبالرغم من هذا الثراء المائى فى اثيوبيا، والتى تعترف بأنها ليست بحاجة إلى المياه، لكنها بحاجة إلى الكهرباء، فإننا نؤكد أن سد النهضة لا يهدف مطلقاً إلى توليد الكهرباء، بل يهدف إلى تخزين مليارات الأمتار من المياه، وكما هو معروف عالميا- فإن سدود الكهرباء فى العالم صغيرة، وليست بحجم سد النهضة الذى يتولى تخزين أكثر من 74 مليار متر مكعب من المياه ، ومثل هذه السدود الصغيرة – اللازمة لتوليد الكهرباء- تحتاج إلى تخزين كميات من المياه تترواح بين 8 مليارات و14 مليار متر مكعب فى أحسن الأحوال، لكننا فوجئنا بمخطط إنشاء السد العملاق، ومعه 3 سدود أخرى ، بحيث تتولى السدود الأربعة تخزين نحو 200 مليار متر مكعب من المياه ، ويؤكد هذا نوايا إثيوبيا فى الاستيلاء على حصتنا من مياه النيل بالرغم من حقوقنا التاريخية فيه. وبالرغم من الموقف الإثيوبى الرافض للتفاوض حول سد النهضة، فإن وزارة الرى – كما يقول الدكتورنادر نور الدين - لاتريد تدويل القضية، مازالت تتمسك بالتفاوض، الذى وصل إلى طريق مسدود من قبل فى الخرطوم، ومؤخراً وجهت الحكومة الإثيوبية الدعوة لوزير الرى المصرى لزيارة إثيوبيا للتفاوض، بهدف كسب مزيد من الوقت، وإضاعة الفرص على مصر، حتى تكون قد أنجزت نسبة كبيرة من بناء السد، ومن ثم يصبح السد أمراً واقعاً لا مجال للنقاش ولا التفاوض بشأنه، ومن خلف التعنت الإثيوبي، تقف تركيا التى أوفدت وزير خارجيتها إلى أديس أبابا للتأكيد على الدعم التركى للجانب الإثيوبى لبناء سد النهضة، واستعداد أنقره لتقديم خبراتها فى بناء سد أتاتورك العظيم للاستفادة منها فى بناء السد الإثيوبي، ولم ترد مصر ، ولا حتى باستدعاء القائم الأعمال التركى لتسليمه رسالة احتجاج على موقف بلاده الذى يهدد حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، بينما تعهد رئيس وزراء اليابان بدعم إثيوبيا فى مجال انتاج الطاقة النظيفة بنحو 3 مليارات يورو، وهو ما يعنى باختصار تمويل بناء سد النهضة. وفى محاولة للتحرك من جانبنا- والكلام مازال للدكتور نادر نور الدين- تقدمنا بمذكرة إلى رئاسة الجمهورية، لتشكيل لجنة قانونية فنية دبلوماسية إعلامية تضم 12 شخصاً ، تكون مهمتها التحرك على المستوى الدولي، لإقناع العالم بعدالة موقف مصر، وحقها التاريخى فى مياه النيل، والرد على الإدعاءات والمزاعم الإثيوبية، التى انطلقت فى أوروبا، وامريكا، وكندا، من خلال بعثات رسمية، للإدعاء بأن مصر تستولى على حصتها من مياه النيل، وأن مصر تحارب التنمية فى إثيوبيا، مع أن إثيوبيا تضم 17نهراً ورافداً، بينما لا يمر بمصر سوى نهر وحيد ليس له أى روافد وهو نهر النيل، وهو ما يفسرتمركز المصريين على 5 % من المساحة، بينما بقيت 95% من مساحتها صحراء جرداء نتيجة القحط المائي، وفى المقابل يعيش الإثيوبيون على مساحة الدولة كاملة، لوفرة المياه، ومن ثم يجب فضح المزاعم الإثيوبية أمام العالم، للتأكيد على أن سد النهضة يهدف إلى تخزين المياه وليس توليد الكهرباء ، و أسفرت تحركاتنا عن إقناع إيطاليا ، والصين ، والبنك الدولى بالعزوف عن تمويل بناء السد، لكن ما يثير الشكوك أن الحكومة الإثيوبية قد تمكنت فقط من جمع 350 مليون دولار من المعونات، وبعد خصم 10% من مرتبات الموظفين. لكن التكلفة التقديرية لعمليات الإنشاء التى تمت حتى الآن لا تقل عن مليار دولار. و يعنى هذا أن هناك جهات خفية تمول بناء سد النهضة، وهو السد الرابع عشر فى اثيوبيا!