"إن السويس في 24 أكتوبر 1973 لم تكن تدافع عن نفسها، ولكن كانت تدافع عن مصر كلها"، هذا ما قاله الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن معركة السويس التي أظهر فيها أبناؤها شجاعة لا مثيل لها، ورفضوا تسليم المدينة للعدو الإسرائيلي الذي حاصرها وقصف مبانيها لمدة أربع ساعات متواصلة. عبد المنعم قناوي والملقب ب"صقر السويس" أحد أعضاء "منظمة سيناء العربية" التي قامت بالعديد من العمليات الفدائية منذ حرب الاستنزاف وحتى العبور في أكتوبر 1973، استرجع ل"الوطن" ذكريات الملحمة الشعبية بالاشتراك مع القوات المسلحة. يقول قناوي إنه كان في جبل عتاقة بالقرب من مدينة السويس في رحلة استطلاع استهدفت القوات الإسرائيلية التي كانت تخطط لاحتلال السويس وتحديدا منذ يوم 14 سبتمبر 1973، باعتباره أحد "الرادارات البشرية" للمخابرات الحربية في سيناء في مهمة مدتها 32 يوما وعلم خلال تلك الفترة بنجاح القوات المسلحة المصرية في عبور قناة السويس، عبر جهاز اللاسلكي والراديو ووجد الإذاعات الأجنبية تؤيد البيانات المصرية، وشاهد الطائرات المصرية تعبر قناة السويس بنفسه. ويضيف قناوي ل"الوطن": "وصلت البحيرات المرة عند رأس الدفرسوار وحاولت أن أقترب من القناة ووجدت نفسي وسط القوات الإسرائيلية التي قامت بإنشاء 3 كباري وتحاول عبور الضفة الغربية لقناة السويس وراقبت الموقف لمدة 48 ساعة ولاحظت أن الإسرائيليين يسحبون جنودهم عند آخر ضوء للشمس خوفا من أن تعبر قوات كوماندوز مصرية وتقتحم الموقع وتقتل القوة الإسرائيلية المتمركزة في المنطقة، واستطعنا أنا والدليل الذي كان من بدو سيناء بواسطة أحد الكباري أن نصل إلى صحراء أبو صوير وكنت أرتدي زيا عسكريا (زيتي) مثل الجيش الإسرائيلي ولحيتي كانت كثيفة ولهذا السبب ألقت قيادة لواء في أبو صوير القبض علينا أنا والدليل، وحينما حدثني الضابط أخرجت له شهادة بختم المخابرات الحربية المصرية تؤكد أنني أتعاون معها ولكنه لم يصدقني وقمت بالاتصال بالقيادة في القاهرة عبر جهاز اللاسلكي الخاص بي وأمروا قائد اللواء أن يوصلني بسيارته الخاصة إلى إدارة المخابرات الحربية في القاهرة ووجه لي أسئلة عن رتبتي ولكنني لم أرد". يتابع صقر السويس: "مكثت يومين ونصف اليوم في إدارة المخابرات في القاهرة بالتزامن مع تمكن العدو من عبور القناة واتجاهه شمال الإسماعيلية على بعد 25 كيلو ووصلت قواته إلى قرية نفيشة وعزبة أبو عطوة، حيث كانت في انتظارهم المجموعة 39 قتال التي أسسها الشهيد إبراهيم الرفاعي وكبدت الإسرائيليين خسائر جسيمة، ما جعل القيادات الإسرائيلية تفكر في تعديل خطتها وتحاول الاستيلاء على مدينة السويس". ويشير قناوي إلى أن القيادة في القاهرة أمرته بدخول السويس عن طريق سلسلة جبال عتاقة بعد سؤاله عن القرائن الموجودة بالمنطقة وقررت أن أبدأ من وادي حجول ووفرت القيادة له دليلا آخر من سيناء اسمه الشيخ سليم معطان عواد مرورا بقمة جبل عتاقة حتى الوصول لشركة النصر للأسمدة وكان الهدف الوصول لمنزل الفدائي محمود عواد حماد، قائد مجموعة الفدائيين بالسويس، لرفع هوائي اللاسلكي على سطح منزله وتبليغ القيادة بالمعلومات كل فترة قصيرة عن تحركات القوات الإسرائيلية. وعن المهمة التي كان مكلف بها "صقر السويس" يقول: "العدو كان يحيط مدينة السويس بكوردون مكون من 3 لواءات مدرعة وكان من المستحيل أن يخترقها أي شخص أو سيارة، حيث كانت المدرعات متراصة كقطار البضائع وعند العودة لجبل عتاقة استطعت أن أنقذ قيادة الجيش الثالث من الدمار حيث تواصلت مع القيادة وأبلغتهم بضرورة نقل مكان القيادة 50 كيلو مترا من منطقة العبيد إلى الروبيكي وهذه العملية نفذت ليلا، وفي الصباح حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق المعسكرات ودكت مركز القيادة وجدت أن المنطقة خالية تماما من الأفراد والمعدات". وعن معركة السويس في الرابع والعشرين من أكتوبر 1973 يتذكر قناوي: "القوات الإسرائيلية قصفت السويس من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة العاشرة وعشرين دقيقة وكانت أول مجموعة استطلاع إسرائيلية دخلت السويس عقب القصف كان هدفها رصد المقاومة وكان المشهد يتلخص في سيارات يوجد بها سائق وصف ضابط وفي كابينة كل سيارة تماثيل لجنود يحملون أسلحة وعلى السيارات أعلام المغرب والجزائر، أصدقائي اكتشفوا أن هذه التماثيل كانت تتقدمهم دبابة فرنسية الصنع ورقمها (48 أ 3) وعندما وصلت إلى شارع بورسعيد كان يوجد حقل ألغام فتوقفت الدبابة على لغم وانقطع جنزيرها وتراجعوا فيما بعد إلى شركات البترول عن طريق شارع الجلاء وحينما وجدوا المدينة خالية من الفدائيين قرروا احتلال السويس بالكامل". وعند سؤاله عن سبب عدم ظهور الفدائيين في الشوارع حتى تلك لحظة محاولة احتلال الإسرائيليين للسويس، قال: "نصبنا ثلاثة مواقع للدفاع عن المدينة بالقرب من المزلقان البراجيلي بالقرب من ترعة المغربي والكمين الثاني كان يتمركز في منطقة سيدي عبدالله الأربعين، والثالث بجوار سينما مصر في منطقة الجنينة، وعند محاولة دخول العدو بدبابة أخرى قام الشهيد إبراهيم سليمان بالتصدي لها بقذيفة آر بي جي من مسافة 10 أمتار، وكانت تلك القذيفة قد أطاحت برقبة السائق، ما أدى إلى قيام حكمدار الدبابة بتحويل الماسورة في اتجاه الكمين وقام الفدائي محمد عواد بالانطلاق في اتجاه الدبابة ورمى قنبلة بداخلها، وفي نفس التوقيت كان الشهيد أحمد أبو هاشم الذي انضم إلينا عقب استشهاد شقيقه مصطفى قام بتدمير آخر دبابة في شارع الجيش"، مشيرا إلى أن جنود العدو اختبأوا داخل قسم الأربعين، وقام الشهيد إبراهيم سليمان بمحاولة لدخول القسم ولكن أحد قناصة العدو أمطره بوابل من الرصاص وظلت جثته تعتلي السور الخلفي للقسم من الساعة الرابعة عصرا يوم الرابع والعشرين من أكتوبر حتى صباح اليوم التالي ليدفن بجوار الشهيد مصطفى أبوهاشم الذي استشهد في عملية خلف خطوط العدو في التاسع من فبراير عام 1970 والشهيد سعيد البشاتلي الذي حصل على الميدالية الذهبية للملاكمة في بطولة العالم العسكرية عام 1964. ويتابع قناوي: "أول من حاول دخول قسم الأربعين من أبوابه كان الشهيد فايز إبراهيم الذي قنصه الإسرائيليون على درجات السلم، وتابعنا القتال فيما بعد لتتدخل القوات المسلحة التي جاءت داعمة لنا من الدفرسوار وجنيفة والشلوفة وفايد وكانت تلك الكتائب هي مؤخرات للقوات التي عبرت قناة السويس، وشهدت المعركة العديد من البطولات الفردية والشرطة كان لها نصيب من تلك البطولات كالنقيب شهيد حسن أسامة العصرة والنقيب شهيد عبدالرحمن غنيمة وكانا من قوة قسم شرطة الأربعين، بالإضافة إلى رمز المقاومة في السويس الشيخ حافظ سلامة".