مجموعتى الفدائية رفعت أول علم لمصر بالضفة الشرقية عبدالمنعم قناوى أو كما يصفونه ب «صقر السويس» أحد أبطال مدينة الغريب وعين الجيش الثالث الميدانى , الفدائي الذى أمد المخابرات بمعلومات مهمة لا يزال فى ذاكرته وذكرياته أسرار عديدة كشف بعضها ل«فيتو» التى التقت به على شاطئ مدينة الأبطال. عن هزيمة يونيو 1967 تحدث قناوى قائلاً: عندما وقعت أحداث حرب 67 كنت شابا فى الثانية والعشرين , وذهبت مع زملائي إلى بورتوفيق نستقبل الجنود العائدين بعد الهزيمة من سيناء عند لسان بورتوفيق, كانوا فى حالة يرثى لها,وكناننقلهم الي المستشفيات، ونستقبلهم فى البيوت ونحاول اسعافهم, كان مشهدا لن انساه ابدا, كانوا عائدين بدمائهم, ووصلت الى عيون موسى داخل سيناء، بحثا عن الجنود المصريين لنقلهم الى مستشفى السويس العام, والمستشفى العسكرى بعجرود, وبعد حرب 67 انتظمت فى المقاومة الشعبية, فالامر لم يعد انقاذا للجنود, لكنه إنقاذ للوطن بأكمله, وذهبت مع عبدالمنعم خالد - احد اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية فى القاهرة- طلبا للانضمام الى المنظمة, إلا أنهم رفضوا .. وعندما علمت المخابرات بذهابى الى منظمة التحرير الفلسطينية رأت ضرورة احتواء غضب شباب السويس، والاستفادة من جهودهم, فبدأت الاتصال بنا للانضمام الى منظمة سيناء العربية، كبديل عن رغباتنا فى الانضمام لمنظمة فتح, وكان معى من السويس عبدالمنعم خالد، وغريب محمد غريب، ومحمود عواد، ومصطفى هاشم . ويضيف طلبت المخابرات منا تجنيد زملاء لنا فى السويس, وبالفعل انضم اليها عدد كبير من الشباب المصرى, كان عددنا نحو ثلاثمائة شاب, ثم بدأت المخابرات تدريبنا على احدث انواع الاسلحة البرية والجوية, وكيفية تمييز الأسلحة وطرق الاستطلاع والتصوير واللاسلكى وفنون القتال, وبالفعل شاركنا فى عدد من العمليات الفدائية الصغيرة التى بدأت فى التدرج لإزعاج قوات العدو الاسرائيلى التى تحتل سيناء, ثم شاركنا فى اول عمليات القوات الخاصة، التى ازعجت العدو، وتصدرت مانشيتات الصحف المصرية والعربية, وكنا نذهب الى بورتوفيق نستطلع نشاط العدو على شرق القناة , وكنا نراقبهم, وعندما نرى مكان تخزين السلاح، كنا نعبر ونضع الالغام فى نقاط العدو، ومخازن السلاح ونقوم بتفجيرها فى الليل, حتى قررت القيادة فى القاهرة ان عملية تحرير سيناء لن تكون مستحيلة, فقرروا تكليف مجموعة السويس بأول عملية إغارة نهارا, وهذه كانت المرة الأولى, وكان ذلك فى 9 نوفمبر 1969. ويتذكر قناوى موقفا مهما لاثنين من الفدائيين, كان العدو طوال الليل في حركة دائمة, جنود ودبابات, حتى كنا نظن أنهم لاينامون, وقرر فدائيان العبور الى شاطئ القنال ليلا ليريا ماذا يفعل العدو, فوجدا العدو يصوب «ميكروفونات» باتجاه السويس تذيع اصواتا وهمية لحركة الجنود والدبابات. وكانت اول عملية فدائية قمنا بها نهارا, عندما عبرنا القناة فى الفجر, وفى الوقت المحدد نصبنا الكمائن, وجاءت الدورية الاسرائيلية متأخرة, وكان العدو يضع سلكا رفيعا كشعر الانسان, وكل متر به لغم ينفجر لمساحة 5 امتار مربعة, وبعد عبورنا كنا نؤمن مكان دخولنا ونعيد كل شيء لمكانه, لكن حدث خطأ, فضرب جرس الإنذار, فارسلوا الينا دورية من ضابط وجنديين ومعهم خمسة كلاب ضخمة , وجاء الكلب يشم بحثا عن ألغام, وللحظ تبول كلب على احد الألغام, وشاء الله ان يحدث اللغم هواء شديدا, فاطمأن الجنود الاسرائيليون, لكن الضابط قرر ان يبحث بنفسه, وجاء الى النقطة التى تبول عليها الكلب, فقام احد زملائنا وهو «مصطفى ابوهاشم» بفتح النيران باتجاه الضابط , وحدثت معركة بيننا، وقتلنا الضابط والجنديين, ورفعنا العلم المصرى نهارا على الضفة الشرقية للمرة الأولى. وتابع كنا فى عملية بجنوب سيناء, واقتربنا من الهدف, لكن القيادة اتصلت بنا وطلبت منا العودة , وتم وقف اطلاق النار بعدما اشتدت قوتنا على العدو الإسرائيلى, واتذكر ان العدو كان يضربنا بالقذائف، ولانرد سوى بقذيفتين، واحيانا لانرد, لأنه لاتوجد ذخيرة كافية , ثم اشتدت قوتنا، وبدأنا نضرب نحن على الاسرائيليين بقوة, واستنجدت اسرائيل بامريكا لعقد هدنة لوقف عمليات الاستزاف, وتم الاتفاق على وقف اطلاق النار فى 8 اغسطس 1970 وتحولت المقاومة لمراقبة القوات الاسرائيلية دون عمليات, لكننا كنا نتدرب بقوة, ومستعدين فى اى وقت للعبور او للاستشهاد فى اى عملية نكلف بها, كل هذا ونحن مدنيون, تابعون لمنظمة سيناء العربية, وكنا نمشى طوابير سيرا لمسافة120 كيلومترا, ثم نعود مرة اخرى الى مركز التدريب, ورغم اعتراضنا على وقف العمليات، إلا أننا امتثلنا لأنه قرار القيادة . ثم وقع الاختيار على أن اكون عينا للمخابرات فى سيناء فى 14 سبتمبر 1973 , بعد ان تم تدريبى ونقلى الى سيناء, لم اعرف من نقلنى, واستقبلنى فى سيناء احد فدائيى بدو سيناء الى ممر «متلا» على القطاع الجنوبى للقنال , وانا على مدخله فى الشرق، ارقب المعدات التى يأتي بها الجيش الإسرائيلى من دبابات واسلحة, وكان معى جهاز لاسلكى «مدى 500كيلومتر» وراديو استقبل به الإشارات اللاسلكية عن طريق «كود» وكاميرا زوم مداها 10 كيلو مترات, وبدأت التنكر حتى وصولى إلى رأس البحيرات المرة شرق القناة فى منطقة الدفرسوار, وصدر أمر بالتوجه الي القاهرة, ووجدت القوات الاسرائيلية بالدفرسوار, كنت ارتدى زيهم للتخفى ومطلقا لحيتى, وذهبت للقناة فوجدت العدو الاسرائيلى يصنع كبارى لعبور قواته, وعبرت من احد الكبارى وسط الإسرائيليين الى غرب القنال فى حماية الله . وعندما وصلت الى ابى صوير, القت القوات المصرية القبض علىّ, وتم التحقيق معي , وقلت اننى تابع لجهاز المخابرات فضيقوا على, خاصة انني كنت ارتدى زى الجيش الاسرائيلى, فطلبت منهم الاتصال بلواء فى المخابرات, أكد للقوات المصرية فى أبو صوير انني مصرى واعمل معهم . بعد ذلك تم تكليفى بالسفر لاستطلاع الاحوال فى السويس, وعندما عدت رأيت الدبابات والمدافع مدمرة فى السويس, هو نفسه المشهد فى 5 يونيو 67, لأن الطيران الاسرائيلى كان يسبق القوات، ويقوم بتدمير اى شيء تمهيدا لعبور القوات البرية والدبابات, كان المشهد مؤسفا, كل هذا بسبب ثغرة الدفرسوار, حتى هربت مؤخرة الجيش الثالث الميدانى, وعندما وصلت وجدت الدبابات الإسرائيلية تحاصر السويس بالكامل, واتصلت بى القيادة, وطلبوا مني دخول السويس من جبل عتاقة لأستطلع الاحوال, فوجدت العدو يحاصر الجيش الثالث الميدانى, ووجدت اسفل الجبل خمسة جنود يرتدون زى الجيش الاسرائيلي, وقمنا بالهجوم عليهم انا والدليل السيناوى, واكتشفنا أنهم مصريون . وعندما عدنا ألقت القوات المصرية القبض علينا مرة اخرى, واتهمونى باننى اسرائيلى, وادخلوني لمكتب اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى, فقال لى انت اسرائيلى ولا مصرى ولا إيه؟ قلت انا مدفوع من القيادة المصرية، للتواصل مع السويس بصفتى من اهل البلد, وكنت فى سيناء من قبل الحرب, فأكرمنى, وقلت له إن هناك قوات إسرائيلية قريبة من هنا, وسوف تهاجم القوات المصرية, فطلب منى ان احضر الضابط المكلف بالمراقبة، واتيت به لقائد الجيش الثالث, فقال له العدو فى منطقة قريبة منا وانت لا تعرف, لولا هذا الرجل كنا «هنضيع» بسببك , وبالفعل قام قائد الجيش الثالث بنقل الجيش فى الليل إلى منطقة اخرى, وهذه المعلومة انقذت الجيش من التدمير, وبعد ذلك دخلت السويس مرة اخرى , وتم تكريمى .