تحولت سوريا بالفعل إلى مسرح عمليات عسكرية للقوى الكبرى الكونية والإقليمية، وأصبحت بوابة أمن مصر الشرقية مستباحة للجميع بحثاً عن منفذ للوجود على أرض المنطقة فى إطار سياسات محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة. وتأتى التحولات الجارية مع اقتراب ذكرى مرور 100 عام على اتفاقية «سايكس بيكو» التى منحت إسرائيل أرضاً لدولة فى فلسطين وما أعقب ذلك من صياغة جديدة لخريطة المنطقة وتقسيمها إلى دول ودويلات مختلفة. البادى أن الدخول الروسى فى ما يسمى «المعركة الكونية ضد الإرهاب»، تبعه مباشرة دخول برى إيرانى فى سوريا، وهو ما تم فى إطار إعلان غير رسمى عن تحالف يضم روسيا وإيران وسوريا، وبدعم سياسى من تركيا متمثل فى إعادة صياغة موقفها من دور الأسد فى الحل، بل إن تصريحات القادة الروس تعمدت إظهار تنسيق المواقف وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجيش العراقى والإيرانى. واللافت أنه مع هذه التطورات أعلنت المملكة السعودية موقفاً حاداً بمغادرة الأسد أو مواجهة حرب شاملة، بينما جاء الموقف الإماراتى والكويتى «صامتاً» وحذراً قبل أن يعلن موقفاً نهائياً، مقابل ترقب مصرى للتطورات خصوصاً أن ملف هذا التحالف الجديد ضد الإرهاب كان محل نقاش فى موسكو إبان زيارة السيسى الأخيرة فى وجود العاهل الأردنى وولى عهد أبوظبى وما تردد إعلامياً عن مبادرات لحل الأزمة السورية. الشاهد وجود تباين واضح فى خلفيات التحالفات الدولية ضد الإرهاب، فالتحالف الغربى بقيادة أمريكا تواجهه اتهامات بشن حرب وهمية ضد «داعش» ومن حولها، حتى إن مسئولين روسيين اتهموا أمريكا رسمياً بتوجيه ضربات هيكلية شكلية ل«داعش»، وهو ما تكرر فى الإعلام الغربى بشكل معاكس متهمين التحالف الروسى بقصف مواقع المعارضة السورية وليس تجمعات «داعش» وذلك بهدف توفير الحماية والاستمرار لنظام الأسد. الواضح، إذن، هو ذلك التباين بين التحالفين فى تصنيف المعارضة والتفرقة بين المعارضة الحقيقية وتلك الجماعات المسلحة سواء كانت «داعش أو قاعدة أو حتى إخوان»، وهو فارق يساوى تقريباً الفارق داخل صفوف القوى الإقليمية التى تقاربت بشدة بعد ثورة 30 يونيو فى مصر على حكم الإخوان. لقد عمدت مصر إلى دعوة فصائل سورية معارضة للتحاور بالقاهرة، وهو سلوك سبق أن أقدمت عليه موسكو بهدف تقريب وتجميع جهود المعارضة السياسية وتشكيل جبهة مقابل الجماعات المسلحة على الأرض، ولم تلقَ تلك الجهود دعماً إقليمياً أو دولياً من قوى التحالف الدولى الغربى وأنصاره بالمنطقة، بل فى ما يبدو تحركت بشكل مناهض له. الواضح أيضاً أن الموقف السعودى من التحالف الشرقى ضد الإرهاب ربما يشكل رمح اختراق حلف 30 يونيو الإقليمى، إذ إن القاهرة تنحاز إلى إجراء تغييرات سياسية فى سوريا عقب تحقيق توافق بين المعارضة السياسية والحكم الحالى فى مواجهة الجماعات المسلحة، بينما جاء موقف الرياض متوافقاً مع ما أعلنته بعض القوى الغربية الكبرى، وما عكسته الممارسات الأمريكية رغم بعض التصريحات السياسية هنا أو هناك. من الصعب للغاية توقع نهاية محددة للتطورات الدراماتيكية الحاصلة فى البوابة الشمالية للمنطقة العربية، غير أن تعدد وتنوع القوى المشاركة فى الصراع ينبئ بمخاطر شديدة إذا لم يتمكن حلف 30 يونيو من إعادة اللحمة للمسار السياسى، خصوصاً أن كل أطراف التحالفات الدولية الوافدة علينا تحمل فى باطن كل منها مصالح إقليمية متفاوتة متناقضة من صراع لآخر بالمنطقة. المؤكد أن أحاديث القادة العرب عن المخاطر المهددة للأمن القومى أعلى بكثير من سياسات بعضهم على الأرض والتى هى فى حد ذاتها تهديد لأمنهم القومى قبل تهديدها للأمن القومى العربى.