أثارت مبادرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الداعية إلى تشكيل تحالف إقليمى دولى لمكافحة الإرهاب يضم سوريا تكهنات كثيرة، فالرئيس الروسى أوضح خلال لقائه مؤخرا مع وليد المعلم نائب رئيس وزراء سوريا وزير الخارجية، أن الوضع فى سوريا يشهد تطوّرا غير بسيط بسبب عدوان الإرهاب الدولي، وأن روسيا ترى أنه من الضرورى أن تنضوى جميع بلدان المنطقة تحت لواء مكافحة الإرهاب، وندعو أصدقاءنا كافة خاصة فى سوريا، ليبذلوا ما بوسعهم لإقامة الحوار البنّاء مع جميع البلدان المعنية بمكافحة الإرهاب. وأهمية هذه المبادرة أنها تنبه بشكل مباشرة إلى خطورة استمرار داعش وبعض التنظيمات التكفيرية الأخرى فى التمدد داخل الأراضى السورية التى تسيطر على نحو 50% منها الآن، على أمن واستقرار الشرق الأوسط بأكمله بل وأوروبا وليس على سوريا فقط. فقد تحولت المناطق التى تسيطر عليها هذه التنظيمات الإرهابية إلى مناطق جذب للتكفيريين من جميع انحاء العالم، ونقطة انطلاق للأعمال الإرهابية فى المنطقة بأكملها، خاصة مع استمرار الوضع الراهن للأزمة السورية وفشل أى طرف فى حسم الصراع عسكريا، فى ظل تدخلات إقليمية ودولية لم تستطع من داعش واخواتها الاستمرار فى التمدد. وقد أوضح سيرغى لافروف وزير الخارجية الروسى أنه يعرف أن سوريا تؤيد فكرة تشكيل تحالف متكامل لمحاربة الإرهاب فى المنطقة، وإنه وجد فيما قاله نظيره السورى وليد المعلم خلال لقائه به تأييدا مطلقاً لمبادرة بوتين،إلى جانب شكوك مبررة حول قدرة بلدان أخرى غير سوريا، على توحيد الجهود فى وقت سريع. والحقيقة أن استمرار المعالجة الحالية للأزمة السورية لم يعد مجديا، فى ظل استغلال داعش والتنظيمات التكفيرية الأزمة لتثبيت أقدامها على الأراضى السورية وتهديد استقرار المنطقة، مع التدخلات الأجنبية السافرة، وعدم قدرة أى طرف على الحسم العسكرى الكامل. وفى هذا السياق يبرز دور مصرى مهم وحيوى فى تلك الأزمة، فمصر لم تتورط فى «المستنقع السورى» مع أى طرف، وليست شريكاً فى مطحنة الدم والنار هناك ، وكان موقفها واضحا جليا منذ البداية بأنها مع حل سياسى للأزمة يوقف نزيف الدم السورى، ويحافظ على سوريا ووحدتها دولة وشعبا وأرضا، وتواصلت مع بعض أطراف المعارضة السورية المعتدلة للمساعدة فى التوصل إلى حل سياسى، دون أن تتدخل فى الترتيبات المفترض أن تتم تأسيسا على هذا الحل، تاركة ذلك للشعب السورى كى يقرر بنفسه وبدون أى تدخل خارجى ماذا يريد، وبذلك فإن مصر تعد الآن وسيطا مقبولا من كافة الأطراف السورية، عدا التنظيمات الإرهابية بالطبع. وإذا كان الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى قد قرر قطع العلاقات مع سوريا فى احتفال حاشد ضم آلاف المتطرفين باستاد القاهرة فى 15 يونيو 2013، بهدف دعم المجموعات المتطرفة المناوئة للنظام السورى وفى إطار تمكين «الإخوان» من السيطرة على سوريا، فإن الوضع الآن مختلف تماما، خاصة أن الملايين من الشعب المصرى نجحت فى الإطاحة بحكم الإخوان الإرهابى بعد هذا القرار بأسبوعين فقط. وأصبح من المحتم فى ظل الأوضاع التى تمر بها الأمة العربية الآن، وتحول الأراضى السورية إلى نقطة انطلاق للإرهاببين تهدد الأمن القومى المصرى والعربى مباشرة، أن تعيد مصر النظر فى هذا القرار ، وقد سبق أن قررت تونس منذ أشهر قليلة وعقب انتخاب الرئيس السبسى عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ، ومصر أولى الآن من تونس بهذا الأمر. لقد ظلت العلاقات المصرية السورية نموذجا يحتذى به لعلاقات قوية ووثيقة منذ القدم، ولن نستطع مواجهة التحديات التى تواجه الأمن القومى العربى الآن، إلا بدور مصرى فاعل فى الأزمة السورية مع الأطراف كافة، يحقق مقومات الأمن القومى المصرى، ويشكل جزءا أساسيا من معركة مصر الوجودية ضد الإرهاب.