«نشأت عيضة محمد»، عاطل، عمره 33 سنة، اسم مصحوب بصورة لشخص أسمر البشرة، حاد النظرات، ذو شعر خشن وذقن حليق، واثق فى نفسه، تطابق بينهما -الاسم والصورة- على بطاقة تحقيق شخصية، أو على كارنيه من هيئة مستشارى التحكيم الدولى، أو فى كارنيه آخر لهيئة المستشارين، أو قد تجد الصورة باسم آخر مُنتحل على جواز سفر منسوب لدولة السودان، لا يتوقف خطر «نشأت» على التزوير بحسب. نشأت استحق وبجدارة لقب «خُط الصعيد» ولكنه «خط» من نوع مختلف، «خط» تعامل بقوة مع الإنترنت والتكنولوجيا للإيقاع بآخر ضحاياه منتحلاً صفة أنثى من الإسكندرية، قبل أن يسقط «الخط» فى قبضة الأمن ويتبين أن 4 مديريات أمن تبحث عنه، وأنه متهم فى حوالى 60 قضية متنوعة بين القتل والسرقة والخطف والشروع فى القتل والنصب وانتحال الصفة، نشأت سقط الأسبوع الماضى بسبب جريمة قتل، نشأت استدرج ضحيته من الصعيد إلى الإسكندرية منتحلاً صفة أنثى على «فيس بوك»، والقتل كان بسبب الثأر، وتفاصيل الجريمة تحملها السطور المقبلة. ولكن كيف سقط «نشأت» فى آخر جريمة ارتكبها أخذاً بثأر نجل شقيقه، وكيف تمكنت قوات الأمن بالإسكندرية من القضاء على بغائه وعدوانه، أسئلة يجيب عنها فريق بحث وضع خطة جيدة، وسلك السبل السديدة التى مكنته من الوصول للمتهم وضبطه. انتحل صفة أنثى على «فيس بوك» واستدرج ضحيته للإسكندرية وقتله ففى صباح أحد الأيام تلقى العميد شريف عبدالحميد، مدير مباحث الإسكندرية، بلاغاً بالعثور على جثة لشاب فى العقد الثانى من العمر، الجثة كانت موثوقة اليدين وبها آثار طلقات نارية بمختلف أنحائها، فى إحدى المناطق الكائنة بدائرة قسم شرطة ثان العامرية. فريق البحث انتقل إلى مكان الحادث، وتبين أن الجثة للشاب «حسام. ح. أ»، 24 سنة، من قرية الشيخ نور الدين التابعة لمركز نجع حمادى بقنا، تم وضع خطة بحث لكشف غموض الحادث بالتنسيق مع فرع الأمن العام بالإسكندرية، وتضمنت إعادة معاينة محل الحادث لرفع ما قد يتخلف من آثار تفيد فى إجراءات البحث، وحصر وفحص المقيمين بالمنطقة محل الحادث، ومناقشتهم عن توقيت الحادث وظروف وملابسات اكتشافهم للحادث، فى محاولة للتوصل لشهود رؤية للجناة، وكذا التحرى عن أسرة المجنى عليه وحصر علاقاته، وعما إن كان ثمة خصومات ثأرية مع أى عائلة بالصعيد، ليتم استخلاص ما يرقى من التحريات لتكون دليلاً على مرتكبى الواقعة، بالاستعانة بتقنيات الاتصال والتتبع الجغرافى لهاتفه المحمول وصفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». بدأت خطة البحث تؤتى ثمارها، فالمعلومات تقول إن المجنى عليه «حسام» من عائلة «محمود» من أعراب نجع الشيخ نور الدين فى نجع حمادى، وهى فى صراع ثأرى ملتهب مع عائلة «هنداوى»، وكانت المفاجأة أن وراء ارتكاب الحادث الشقى الخطر المتهم «نشأت عيضة محمد أحمد» 33 سنة، عاطل من أهالى قرية حمرا دوم مركز شرطة نجع حمادى بقنا. ومنحت خطة البحث المُحكمة للفريق الأمنى معلومات كانت دليلاً لهم على مرتكب الحادث «نشأت»، مفادها أن نجل شقيقه «أحمد» قُتل على يد أفراد من قبيلة الأعراب بنجع الشيخ نور الدين، وأنه عقد العزم وبيت النية على التخلص من المجنى عليه أخذاً بالثأر، لتبدأ خطته بإنشاء صفحة وهمية على موقع «فيس بوك» باسم مستعار لأنثى، وبدأ فى التواصل مع المجنى عليه وإنشاء علاقة غرامية معه، دعمته فى ذلك زوجته المدعوة «نجلاء» من خلال محادثاتها الهاتفية معه، التى دعته للحضور إلى الإسكندرية لمقابلته وقضاء عدة أيام سوياً، واستعان «نشأت» بالمتهمين «محمد. ع. ع» 28 سنة، عاطل، من قرية الحلافى بالبلينا، والسابق ضبطه واتهامه فى 6 قضايا، و«حازم. م. ث» 27 سنة، حاصل على بكالوريوس تربية رياضية من سوهاج، و«محمود. ع. ع» 29 سنة، و«إسلام. م.ع» 45 سنة، و«أحمد. ج. م. ع» 30 سنة، من قرية بنى حميل بالبلينا سوهاج، و«محمد. ف. ع» 39 سنة، سائق، من مركز نجع حمادى. الخطة تضمنت عدة خطوات، أولها أن تستدرج «نجلاء» المجنى عليه «حسام»، لمنطقة أبويوسف أمام مدرسة الأورمان، بينما ينقض عليه المتهم «نشأت» بصحبة باقى المتهمين، واختطافه داخل سيارة سوزوكى بيضاء تحمل أرقام «ل م م 915»، يقودها المتهم السابع «محمد»، وهو ما حدث، حيث اختطفوه داخل السيارة وقيدوه، وتوقفوا به بالكيلو 21 بالطريق الصحراوى، وهناك ألقوه على الأرض وأمطروه بوابل من الرصاص، ولفظ أنفاسه الأخيرة فى الحال. عقب تقنين الإجراءات وبالتنسيق مع قطاع مصلحة الأمن العام وقطاع الأمن المركزى والإدارة العامة للمباحث الجنائية بمديريتى أمن القاهرة والجيزة، تم إعداد عدة مأموريات أسفرت عن ضبط «نشأت» وزوجته «نجلاء» بكمين بمنطقة عين شمس، وبحوزته طبنجة ماركة براونج عيار 9 مم، وبندقية آلية عيار 7.62×39 ذات خزينة، وكيس بلاستيك بداخله طلقات آلية وخرطوش، فضلاً عن كارنيهات مزورة منسوبة لهيئات قضائية، وبمواجهته اعترف بالجرائم المنسوبة إليه، وأضاف فى مناقشته أنه لجأ إلى الاتجار فى الأسلحة النارية غير المرخصة، عن طريق تهريبها من السودان، وتوزيعها على عناصر شديدة الخطورة بالصعيد، كما نجحت المأموريات فى ضبط باقى المتهمين، والسيارات المستخدمة فى قتل المجنى عليه «حسام»، واعترف المتهمون تفصيلياً بارتكاب الجريمة. استعان بزوجته لاستدراج القتيل ليثأر لابن شقيقه «المقتول» فى قنا المتهم ينتمى لقرية «حمرادوم» بمركز دشنا محافظة قنا، وهى القرية الأكثر رعباً فى صعيد مصر ومنشأ الخط السابق «نوفل ربيع»، لم يعلم والداه أنه بمجرد أن يشتد عوده سيكون له شأن بين المجرمين وأرباب السوابق، فقد ارتكب وشارك وحرض وخطط لأكثر من 60 عملاً إجرامياً، رغم صغر سنه، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل إن الأحكام الصادرة بحقه غيابياً بلغت فى مجملها 296 سنة من محاكم جنايات مختلفة فى صعيد مصر، ثبتت فيها إدانته، ليصدر بحقه الحكم، إذا بحثت فى السجلات الإجرامية لأشهر عتاة الإجرام فى الصعيد ستجد أكثر من معلومة عن «نشأت»، فهو الأخطر والأذكى على الإطلاق، فستجد أنه عنصر ذو نزعة إجرامية خطرة منذ نعومه أظفاره، دفعته تلك النزعة إلى ارتكاب العديد من وقائع السرقة بالإكراه، والخطف، وحيازة أسلحة نارية غير مرخصة، وتجارة المخدرات، التحريات أيضاً ستضيف لمعلوماتك أن هذه النزعة الإجرامية تطورت فى أعقاب ثورة 25 يناير، مستغلاً حالة الفوضى التى سادت البلاد فزادت سطوته الإجرامية، وأصبح من أهم الظواهر المُفزعة لأهالى محافظاتجنوب الصعيد، فبات النشاط مقاومة السلطات، وتعطيل المرافق العامة والمؤسسات، والاستيلاء على الأموال الأميرية. أهم القضايا هى قضية حيازة «سلاح نارى» جنايات مركز جرجا، وعوقب فيها غيابياً بالسجن المؤبد بتاريخ 5 أغسطس العام الماضى، وقضية سرقة بالإكراه بمركز دار السلام بسوهاج، حوكم غيابياً بالسجن المؤبد فى سبتمبر 2012، وقضية سرقة بالإكراه بمركز البلينا بسوهاج عوقب فيها بالسجن المؤبد فى الشهر ذاته، وقضية «استعمال قوة» بمركز نجع حمادى بقنا، وصدر ضده حكم بالمؤبد فى يناير الماضى، وقضية «سرقة بالإكراه» بمركز نجع حمادى، عوقب غيابياً بالسجن المؤبد، فى يونيو الماضى، وقضية «حيازة سلاح نارى» بمركز نجع حمادى، عوقب فيها غيابياً بالمؤبد، وقضيتا سرقة بالإكراه بمركز بالبلينا، عوقب فيهما بالمؤبد، وقضية قتل عمد بنجع حمادى صدر ضده حكم غيابى بالإعدام شنقاً. التحريات دلت على ترك «نشأت» محل إقامته وتوجهه للإقامة بمحافظة القاهرة، منتحلاً اسم «عفيفى. أ. ع» مواليد 1997، من أهالى قرية الكرنك القديم محافظة الأقصر، واستخرج بطاقة تحقيق شخصية لهذا الاسم بمستندات مزورة هرباً من الملاحقات الأمنية، ويقيم مع زوجته «نجلاء. أ. س»، بإحدى الشقق بشارع الزهور، بمنطقة السلام القاهرة، ويدير شركة للاستثمار العقارى بمنطقة حلمية الزيتون بالقاهرة باسم «عفيفى. أ. ع»، كما ينتحل صفة مستشار بهيئة قضايا الدولة بذات الاسم، واستخرج العديد من الكارنيهات الخاصة بهيئات قضائية «مزورة» لإضفاء تلك الصفة على شخصيته. وتضيف التحريات أن المتهم انتحل أيضاً اسم «عمر. ع. ح» سودانى الجنسية، واستخرج تحقيق شخصية بهذا الاسم، فضلاً عن جواز سفر منسوب صدورهما لدولة السودان، بمستندات مزورة، حتى يتمكن من التحرك بحرية دون أن ينكشف أمره، ويحوز ويحرز الأسلحة النارية والذخائر دون ترخيص.