تستيقظ الأم «حسناء» مبكراً لتسلك طريقها من مكان سكنها إلى سوق «الكانتو» الذى يحوى أطناناً من الملابس المستعملة، لشراء بنطلونين جينز لابنيها «عمر وعفاف»، لا يزيد ثمنهما على 60 جنيهاً. «جديد والله»، «أى عباية ب30 جنيه، بنطلون أطفال ب18 جنيه، كل الألوان، يا بلوزاتك يا هولندا»، «مستورد وأحسن من الجديد»، أصوات تعلو فى سماء «سوق الكانتو» فى «بياصة الشوام» بوسط الإسكندرية، ينادى البائعون على بضائعهم لجذب انتباه البسطاء من راغبى شراء الملابس الرخيصة. تستورد بعض ملابس سوق «الكانتو» من أوروبا عن طريق الموانئ وخاصة ميناء بورسعيد، بينما يتم تجميع كميات أخرى من المناطق الراقية. حسناء أحمد، إحدى المترددات الدائمات على السوق، قالت إن السوق يساعدها فى توفير ملابس أبنائها: «الناس الغلابة يعملوا إيه وهما مش قادرين يشتروا ملابس جديدة، وأغلب الملابس المستعملة جاية من أوروبا، وبتكون أحسن من الجديدة، وأنا بجيبها لعيالى علشان مايكونوش أقل من زملائهم فى المدرسة». ورغم أنه أب لأربعة أطفال، فإنه لم يفكر يوماً فى شراء ملابس مستعملة لأبنائه: «باجى هنا عشان أجيبها لنفسى إنما ولادى صعب، بنسمع إنها مليانة جراثيم وأمراض وممكن الأمراض دى تتنقل عن طريق الجلد»، وهو ما استفز أحمد السيد، أحد العاملين بمجال البالة، مؤكداً أنه يتم غسل جميع الملابس فور وصولها للتجار بالماء الساخن ثم إرسالها للكى حتى يتأكدوا من نظافتها وقتل جميع الجراثيم الموجودة بها. الأسعار تتراوح بين 5 و30 جنيهاً للقطعة الحاج على عبدالفتاح، من أقدم تجار البالة بمنطقة بياصة الشوام بالإسكندرية، ورث المهنة أباً عن جد، يقول إن أول من أدخل تجارة البالة للمدينة هم الإيطاليون واليونانيون والشوام واليهود، وتوارثها مجموعة من التجار السكندريين الذين كانوا يعملون بالمهنة أو كصبية مع الأجانب خلال فترات الحكم الملكى لمصر خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، موضحاً أن البداية كانت جمع الملابس المستعملة من معسكرات الإنجليز بالمدينة. يصف «عبدالفتاح»، السوق، بأنه ملاذ الفقراء، يساعدهم على توفير متطلباتهم من الملابس المستعملة بأسعار رمزية بخلاف محلات الملابس الجديدة التى تبيع بأسعار مرتفعة لا يقدر عليها «زبائن المستعمل»، لافتاً إلى أن رواد «الكانتو» يعرفون خبايا المناطق والمحلات التى تبيع الملابس المستعملة: «فيه ملابس بحالة جيدة ولا يظهر عليها عيوب وعلامات الاستعمال سابقاً، وتبدأ سعر القطعة من 5 جنيهات وصولاً إلى 30 جنيهاً على الأكثر». سوق المستعمل بدأ فى الاندثار -حسب «عبدالفتاح»- نظراً لارتفاع أسعار الجمارك على «كونتر الملابس» القادم من الخارج، مشيراً إلى اتجاه بعض التجار إلى جمع الملابس المستعملة من المنازل، وبيعها مرة أخرى، لكنها تكون فى حالة رثة تماماً ولا تجد مشترياً لها على الإطلاق. محمد الزعيرى، منسق حملة «شباب الخير» بالإسكندرية، قال إن الحملة تستعد مع تغير فصول السنة ودخول فصل الشتاء إلى بدء الحملات الخيرية «الكساء» وذلك لمساعدة الفقراء والمهمشين بالقرى والمناطق البعيدة.