تابعت عن كثب تصريحات ولقاءات الأنبا تواضروس بعد إعلان القرعة الهيكلية ظهر الأحد 4 نوفمبر وحتى الخميس 8 نوفمبر ورصدت 12 تصريحاً وحواراً منشوراً، و4 مداخلات تليفونية، وثلاثة حوارات تليفزيونية، أجاب فيها على 89 سؤالاً، ومن خلال تلك الإجابات قمت بتحليل مضمون خطاب البابا الجديد فى محاولة لإدراك الخطوط العريضة من رؤية وخطاب الأنبا تواضروس الثانى فى المرحلة المقبلة. أولاً: يرتدى ملابس بسيطة ويمسك بيديه صليباً خشبياً وليس ذهبياً. مثل الكهنة الفقراء الزاهدين. صاحب ابتسامة جادة غير مصطنعة، ونظرة عميقة، لا يستفز ولا يغضب. ثانياً: له قدرة فائقة على الاستماع النشط، لا يسمح بفرص تأويل لإجاباته. ثالثاً: شخصية مواجهة وحاسمة ودقيقة، لا يهرب من الإجابة، كما أن كل إجاباته كان مستعداً لها بطريقة تشير إلى أنه يعمل مع فريق عمل. ويتمتع بعقلية علمية منظمة تختلف عن عقلية الإكليروس التقليدية. رابعاً: يتمتع بخطاب لاهوتى متفرد، حيث لا يتحدث بلهجة كهنوتية أو خطاب كنسى تقليدى، ولم يستخدم آيات إنجيلية بشكل مباشر. بل وجه عتاباً مسيحياً للجماعة الوطنية سواء مسلمين أو مسيحيين، وغلب عليه الخطاب المدنى الدارج الذى يفهمه أصحاب الثقافات الشعبية المختلفة. خامساً: أكثر الكلمات التى استخدمها هى (القانون - الإنسان) وأقل الكلمات (الفنية - الأزمة) ومعظم الأمثلة التى طرحها تنوعت ما بين الغرب أو اليابان أو الحضارة المصرية القديمة ومحور احتراماته ما سماه المثلث المتساوى الأضلاع (التعليم - الإعلام - والقانون) مؤكداً على المواطنة كقاعدة للانطلاق، وربما تشكل هذه الرؤية المدنية الحديثة نقلة نوعية فى فكر الإكليروس التقليدى. ففى الوقت الذى تتجادل فيه النخب القبطية التقليدية من إكليروس وعلمانيين حول عمل الكنيسة بالسياسة والدور الوطنى، يضع الأنبا تواضروس الجميع أمام رؤية فكرية جديدة ليست للدولة المدنية فحسب بل للدولة المدنية الحديثة. سادساً: شغلت مشكلة الأقباط والكنيسة 30% من خطاب البابا بينما شغله 70% من المساحة الإعلامية التى تم رصدها. وعالجها برؤية علمية ومنهجية نسبية حتى فى الأمور المتعلقة مثل شريعة الزوجة الواحدة وإسلام القاصرات وغيرها من القضايا. سابعاً: مما سبق نتبين أن الأنبا تواضروس يمتلك القدرة على المبادرة، كما أن الإنسان المواطن له الأولوية لديه سواء داخل الوطن أو الكنيسة. كما أن خطابه لاهوتى جديد قائم على لاهوت المواطنة الأمر الذى يقود الكنيسة إلى حرية الاختيار وليس أحادية الاختيار. كما أنه يمتلك رؤية إنسانية وطنية وقومية شديدة الحب للوطن حيث يرى أن تراب مصر ليس أقل قداسة من تراب فلسطين مهد المسيحية ويرفض التطبيع مع إسرائيل. وينظر إلى اتفاقات كامب ديفيد على أنها بين دول وليس بين شعوب. ولذلك فلا يستطيع أحد أن يفرض على الشعوب ما لا تريده. لهذا كله نحن أمام بابا متفرد يجسد رؤية جديدة لقائد دينى قبطى يتمتع بثقافة الأغلبية، ولغة شعبية تصل إلى العقول قبل القلوب، وخطاب لاهوتى إنسانى تحررى وذهنية عالم اجتماع دينى. ولكن البناء الفكرى للإكليروس المتنفذ فى الكنيسة وفيالق الخدام الذين تربوا على الرؤية التقليدية للتعليم الكنسى القديم يحتاجون إلى إعادة تأهيل لاستيعاب ذلك الخطاب وتلك الرؤية البابوية الحديثة.