لذلك فقد أكد الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ وسكرتير المجمع المقدس ويعد وزير العدل بالكنيسة والمسئول عن المحاكمات الكنسية، أن المحاكمات والعقوبات التي تطبق علي الكهنة عادلة، وأنه خلال السنوات الثلاث الماضية جرت محاكمة خمسة من الآباء الكهنة، ارتكبوا أخطاء فادحة، وتمادوا في أخطائهم وتم إعلان قرارات محاكمتهم وتجريحهم في الصحف العامة، مشيراً إلي أن العقوبات تتراوح بين التجريد والإيقاف محدد المدة أو غير محدد المدة• ورغم ذلك فكثيرا ما يرفض شعب الكنيسة هذه المحاكمات، ويقوم بمظاهرات لإعادة الكهنة إلي كنائسهم مثلما فعل أقباط قنا الذين تظاهروا مطالبين بعودة كاهن الكنيسة الذي تم استبعاده بعد محاكمة كنسية• والمعروف أن الأسقف هو راعي الشعب ومن الشعب، كما أن المجلس الملي آت من الشعب وانتخبه الشعب، والرقابة تكون من المنتخبين لكن المحاكمات الكنسية مازالت تلقي صدي مغايراً لدي شعب الكنيسة• أحد الكهنة - الذي رفض ذكر اسمه - يقول إن المحاكمات الكنسية تتم لأسباب عديدة منها أخطاء سلوكية متعلقة بالأمانة أو الأخلاق، أو لأسباب أخطاء عقائدية أو لاهوتية، وفي كل إبراشية مجلس إكليريكي يحاكم الكهنة التابعين له، وإذا احتاج الأمر إلي تصعيد، فمن حق الذي و يحاكم أن يطلب الجهة الأعلي وهو المجلس الأكليريكي العام برئاسة البابا شنودة• والمجلس الأكليريكي الذي يحاكم أن يطلب الجهة الأعلي وهو المجلس الأكليريكي العام برئاسة البابا شنودة• والمجلس الأكليريكي الذي يحاكم الكاهن لا يحدد بعدد معين وهو مكون من الكهنة أساسا وينضم لهم الأنبا بيشوي والأنبا أرميا• وليس من حق الذي يحاكم أن يحضر معه دفاعًا من المحامين، لأن المحاكمة تكون في إطار مخالفات كنسية فتتم المحاكمة بشكل سري حفاظًا علي سمعة المخطئ، لأنه من الممكن أن يتوب عن خطئه وعند عودته للخدمة لا تكون هناك أزمة بينه وبين شعبه الذي يتعامل معه• ومن أشهر المحاكمات التي لم تتم، كانت محاكمة القمص دانيال البرموسي، الذي كان يعقد اجتماعاته في المنيا، وحجز قاعة المؤتمرات بمدينة نصر وطلب منه البابا شنودة أن يعدل عن هذا الاجتماع لأن أفكاره بروتستنتية، لكنه أصر علي عقد الاجتماع، وقبل أن يحاكم عاد إلي اسمه العلماني إدوار إسحاق دون محاكمة، وذلك كان في بداية التسعينيات•وكذلك محاكمة القس إبراهيم عبد السيد لم تتم أيضًا• أما محاكمة الأسقف ، فهي لا تتم إلا عن طريق المجمع المقدس برئاسة البابا شنودة وليس المجلس الإكليريكي، ومبدأ المحاكمات الكنسية موجود منذ قديم الزمان منذ أيام بولس الرسول حينما حوكم خاطئ كروتسيس الذي تزوج من امرأة أبيه، وهذا لا يتفق مع تقاليد الكنيسة، وحكم عليه بولس الرسول، وعندما تاب عاد للكنيسة مرة أخري، وهذه أشهر محاكمة في الكتاب المقدس• أيضا من أشهر محاكمات القس السكندري أريوس، وكان قد طعن في لاهوت المسيح وحكم عليه "مجمع نيقيا" بالحرمان والتجريد من الرتبة الكهنوتية، حيث تصدي له "مجمع نيقيا" برئاسة القديس أثنسيوس، الذي انتهت حياته بطريقة مفزعة حيث انسكبت أحشاؤه• ومن أشهر المحاكمات في السنوات الأخيرة محاكمة القس فلوباتير ومحاكمة القمص إبراهيم عبد السيد• وبالنسبة للكاهن عندما يحكم عليه يمكن أن يعترض فيعرض علي الإبراشيات المجاورة، وممكن أن يتظلم أكثر إلي المجلس الإكليريكي العام ثم يتقدم بتظلم أكبر للمجمع المقدس• ويصر مجموعة العلمانيين علي أنه ليست هناك لائحة واضحة للمحاكمات الكنسية، فيقول المفكر كمال زاخر: ليست هناك لائحة أو قانون كنسي معاصر ينظم المحاكمات الكنسية، وما يتم الآن يعتمد علي العرف والتقدير الشخصي، وبالتالي فليس من حق المقدم للمحاكمة الاستعانة بدفاع أو استئناف الحكم• والمستند إليه في المحاكمات الكنسية يجمع بين الادعاء والمحاكمة إضافة إلي تنفيذ الحكم، وليست له دراسة قانونية متخصصة في هذا الشأن• وحيثيات الحكم لا تعلن تحت زعم الحفاظ علي سمعة المقدم للمحاكمة ، وهذا يؤدي إلي نتيجة عكسية إذ يطلق العنان لتفسير أسباب الحكم وتنطلق الشائعات خصما من كرامة المقدم للمحاكمة• بينما حدد الكتاب المقدس الضوابط اللازمة للمحاكمات الكنسية، وقد استخدم القديس بولس الرسول حقه الدستوري المدني في رفع شكواه إلي قيصر كما هي مسجلة لنا في أعمال الرسل الأمر الذي يغيب عن كنيستنا هذه الأيام• وقد سبق وطالب البابا شنودة الثالث بتقنين المحاكمات الكنسية علي صفحات مجلة "الكرازة" في إصدارها الأول سنة 1967 عندما تعرض للإبعاد إلي دير الأنبا بيشوي بقرار من البابا كيرلس السادس دون إبداء الأسباب• ويري زاخر أن أشهر المحاكمات هي محاكمة القس إبراهيم عبد السيد، التي لم تنته بقرار لكنهم أجبروه علي الإقامة بالمنزل دون أن يصدر في حقه حكم يدينه، ووصل الأمر بهم إلي أنهم تتبعوه حتي بعد وفاته بمنع الصلاة علي جثمانه في الكنيسة، وهو حكم بغير محاكمة• ويشير إلي أنه صدرت قرارات بالعزل ضد أكثر من أسقف دون محاكمة، مثل الأنبا "إيسال" الأسقف المساعد لمطران القليوبية السابق والموجود الآن بالدير، وكذلك الأنبا "متياس" أسقف المحلة الكبري، والأنبا "أمنيوس" أسقف الأقصر، وأسقف دشنا• وكل هؤلاء قام شعب إبراشيته بالتظاهر بالكاتدرائية في محاولة لإعادتهم إلي كراسيهم لكن القيادة الكنسية رفضت ذلك تماما• الأمر الذي يؤكد حاجة الكنيسة إلي تقنين المحاكمات الكنسية بشكل قانوني يحفظ حقوق جميع الأطراف ويحمي الكنيسة من شطط المواقف الشخصية لبعض القيادات الكنسية• الضحايا أكرم حبيب، خبير التنمية ومن مجموعة العلمانين الأقباط، يقول: المحاكمات الكنسية ليست ظاهرة جديدة بل بدأت في القرن الثالث مع ظاهرة عقد المجامع الكنسية، لكنها لم تكن محاكمات بقدر ما كانت مناقشة أفكار• ثم اختفت قرونًا طويلة ولم نسمع عنها، وعادت للظهور مرة أخري في القرن العشرين وظهرت بشكل آخر بما يعرف بشلح رجال الدين لدرجة أن المؤرخ القبطي صموئيل تاضروس السرياني اعتبرها من قبيل البدع الحديثة• زاد استخدامها في الربع الأول من القرن العشرين وكان من ضحاياها عدد من عظماء الأقباط مثل القمص "سرجيوس" أحد أبطال ثورة 1919 والقمص "لوقا" الذي أحدث إحياء في الكنيسة القبطية وغيرهما• ولا نستطيع أن ننكر أن من الذين أضيروا "أبو مينا المتوحد"، الذي أصبح فيما بعد الأنبا "كيرلس السادس"، وكذلك "البابا شنودة" نفسه أضير عندما كان أسقفا للتعليم فقد تم استبعاده من القاهرة في فترة معينة باستخدام الآلية نفسها• وأخيرا في العشرين سنة الأخيرة أصبحت من الأخبار اليومية التي نسمع عنها أن أحدًا يحاكم أو يشلح أو يوقف، ولا يوجد إعلان واضح عمن تم إيقافهم، وليس هناك رصد لعدد هؤلاء، هناك محاولات فردية لرصد وتوثيق الظاهرة• ففي مؤتمر العلمانيين الأول رصدنا 05 حالة في العشرين سنة الأخيرة وتم تحليلها، لكن ليست هناك أرقام دقيقة• علميا، ما يحدث ليس محاكمة كاملة بل تطبيق جريء في أغلب الأوقات• مثلا يصدر حكم دون محاكمة أو إحالة شخص للتحقيق دون إصدار أحكام، وأشهر هذه الحالات التي أثارت ضجة في السنوات الأخيرة ما قيل عن أزمة "د•جورج حبيب بيباوي" أحد أعظم المتحدثين عن اللاهوت في العالم، وما قيل عن محاكمة الأنبا جرجوريوس أسقف البحث العلمي وقيل عنه إنه "هرطقي"، والأب "متي المسكين"، والراهب "دانيال البرموسي" وغيرهم من الأسماء•أما أزمة الأنبا تكلا كاهن دشنا ، فالأزمة مستمرة، ويوميا نسمع حالة جديدة• وللأسف لا توجد لائحة ولا قانون ينظم المحاكمات وحاليا لدينا تقاليد ومبادئ فقهية لا ترقي لمستوي القانون واللائحة، وبالتالي فهناك اتساع للاجتهاد الفردي•• علي سبيل المثال نشرت مجلة "الكرازة" في العام الماضي مقالا عن دراسة تبرر الحكم بلا محاكمة، ودراسة أخري في العدد نفسه تقول إنه يجوز عدم الاستماع إلي دفاع المتهم، وجميعها اجتهادات فردية تتناقض لاهوتيا وفكريا مع مبادئ يعترف بها ما يسمي بمحاكمة أو قضاء لذلك نادرًا ما سمعنا أنه قد أتيحت فرصة لمن تمت محاكمتهم ليعبروا عن آرائهم أمام جهات القضاء الكنسي، بل إن بعض الأفراد الذين أثيرت حولهم أقاويل واتهامات قد فعلوا المستحيل حتي تتم محاكمتهم ومواجهتهم بما يدعي عليهم مثل الأنبا جرجوريوس أو الراهب باسيليوس المقاري، ولم يتم الإعلان عن اتهامهم ومحاكمتهم ولكن تتم المحاكمة وإصدار الحكم• من جهة أخري فإن العلمانيين يرون أن المحاكمات سيف مسلط علي من يعارض الكنيسة ولا توجد لها أي ضوابط أو معايير•• والكنيسة تري أنها تحافظ علي أسرار الإكليروس وهيبتهم أمام شعبهم ، فمتي يحاكم الإكليروس؟•• ولماذا لا يسمح بالدفاع عنه••؟ وما ضوابط العدالة في هذه المحاكمات؟ هناك دراسات عن المحاكمات الكنسية تؤكد أن هذه المحاكمات بدأت حينما أسس المسيح الكنيسة كمجتمع روحي متكامل متميز عن السلطة الزمنية ومستقل عنها وإن كانت تخضع لها بحكم وجودها في العالم، أعطي لها سلطان التشريع والقضاء والتنفيذ لتمارسها علي أعضائها دون تداخلها مع سلطان المجتمع المدني• وإذا أنزل عقوبة علي إنسان مؤمن في الكنيسة سواء كان من رتبة الإكليروس أو من الشعب فلابد أن يفترض مسبقا أن هناك دليلا علي خطئه، مادام - بحسب القانون المدني - هناك المبدأ القائل: "المتهم بريء إلي أن تثبت إدانته"، وعلي هذا فإن الكنيسة وهي تستعمل سلطان التشريع وتنفذ العقوبة فإنها لابد أن تمارس أيضًا إجراء القضاء والمحاكمة بحسب العدالة المرعية في المجتمع المدني، كما أوصي بذلك كتاب "الدسقولية"، وهو كتاب قوانين الكنيسة• وقد استخدمت الكنيسة علي مدي التاريخ هذا السلطان بواسطة أساقفها والمجامع والقضاة الكنسيين، والقديس بولس الرسول يشير إلي إجراءات المحاكمة العادلة حينما يحذر تلميذه الأسقف تيموثاوس: "لا تقبل شكاية علي شيخ أو قس إلا علي شاهدين أو ثلاثة شهود"• في القرن الثالث نجد أول محاكمة رسمية لرجل من رجال الكنيسة الكبار كان بطريرك أنطاكية "بولس السموساطي" سنة 268 م قبل إنزاله عن درجته، و"مجمع إلفيرا" سنة 300 م وكان يهدد بالطرد والقطع كل من يتهم أسقفا أو كاهنا أو شماسا ويخفق في إثبات التهمة• وناقش مجمع "قرطاجنة" سنة 397م التعليمات المختصة باستئناف القضايا• ووصف مجمع "قرطاجنة" الرابع سنة 398م الطريقة التي يمارس بها الأساقفة سلطان القضاء الكنسي• هناك طريقة أخري تتبع في قانون القضاء الكنسي للكنيسة الرومانية الكاثوليكية حيث يعين الأسقف مندوبا لفحص القضية، علي ألا يتخذ قرار الحكم إلا بعد سماع رأي المستشارين حيث يجب علي هؤلاء المستشارين أن يعلنوا للقاضي كل ما يرونه مؤديا إلي الحكم العادل• وهذا ما ندعو إلي تطبيقه ضمانا لنزاهة الحكم وعدالته وارتفاعه فوق مستوي شبهة التمييز والانحياز، وتؤكد الدراسة أنه لا يوجد في قوانين الكنيسة ما يسمي بأسقف المحاكمات، وربما كان هذا عند الكاثوليك في العصور الوسطي• والمسيحية أخذت نظام المحاكمات الكنسية من المحاكم الرومانية والتشريع الروماني الذي يعتبر أكثر التشريعات عدالة ، والدراسة وضعت شروطا للقاضي الكنسي، حيث أكدت أنه يجب أن يكون أحد رجال الإكليروس، ولا يسمح لامرأة أو عضو من الشعب أن يكون قاضيا كنسيا• وأن يكون ذا معرفة وفهم واسعين بالقانون الكنسي وعلوم اللاهوت عموما، والقاضي الكنسي يجب أن يكون ذا سمعة حسنة، وألا يكون مفروزًا أو موقوفًا أو تحت حرم كنسي• وقبل كل شيء يجب أن يكون غير متحيز نزيها، وأي شبهة تحيز تلصق بالقاضي الكنسي الموكل إليه النظر في قضية ما، أو يكون ذا قرابة دم حتي الدرجة الرابعة لأحد الأطراف، أو إذا كان كاهنا متزوجا ويكون مرتبطا بأحد الأطراف بالزواج، أو يسكن في نفس المسكن، يجب أن يكون القاضي الكنسي مختصا بما يفحصه من قضايا من جهة الإبراشية التي يرأسها وخضوع الأطراف له• فمثلا لا يصح لأسقف أن يحاكم أعضاء إبراشية غيره إلا بتصريح من المجمع المقدس، ولأسباب اضطرارية• وأي إجراءات محاكمة تقام أمام قاض غير مختص تكون باطلة ولاغية• وأسقف الإبراشية هو المختص بالمحاكمة الأولي للإكليروس ولأعضاء الشعب التابعين لإبراشيه• والمجمع المقدس هو المختص باستئناف أحكام المحاكمة الأولي، وهو المختص بالمحاكمة الأولي للأساقفة• ولا يسمح بإنزال عقوبة بدون محاكمة عادلة وكاملة وحكم صحيح، أو اتخاذ إجراء ضد أي مدعي عليه بدون أمر من القاضي الكنسي• كما حكمت القوانين الكنسية التي وضعت في القرن الرابع ووضعها القديس كيرلس الكبير أنه لا يجوز استكتاب ورقة قبل أو أثناء محاكمته فيها بأنه مذنب أو بأي اعتراف يؤدي إلي إدانته أو حتي بطلبه الاستغناء عن وظيفته، فهذا الاستكتاب باطل، ويعتبر هذا الاستكتاب مقبولا إذا أظهر التحقيق والمحاكمة أنه صحيح•