في مشهد تاريخي طال انتظاره، شهدت محافظة الإسكندرية حدثًا استثنائيًا تمثل في انتشال ثلاث قطع أثرية ضخمة من قاع البحر المتوسط بمنطقة أبو قير، وذلك خلال فعاليات «التراث الثقافي المغمور بالمياه». ويأتي هذا الحدث بعد مرور ربع قرن كامل على آخر عملية انتشال أثرية مماثلة في مصر، ليعيد إلى الواجهة تراثًا بحريًا نادرًا يعكس عظمة الحضارة المصرية عبر العصور. وكان شريف فتحي وزير السياحة والآثار، والفريق أحمد خالد حسن سعيد محافظ الإسكندرية، وعدد من القادة، قد شهدوا فعاليات اليوم الثاني من «التراث الثقافي المغمور بالمياه»، حيث جرت عملية انتشال ثلاث قطع أثرية بارزة من أعماق البحر المتوسط بميناء أبو قير، وسط حضور رسمي ودبلوماسي وإعلامي واسع. ◄ قطع أثرية نادرة تعود للنور تمكنت فرق الغوص من إخراج ثلاث قطع استثنائية: - تمثال ضخم من الكوارتز على هيئة أبو الهول يحمل خرطوش الملك رمسيس الثاني. - تمثال من الجرانيت يعود للعصر البطلمي، مكسور الرقبة والركبتين. - تمثال من الرخام الأبيض لرجل روماني من طبقة النبلاء. ◄ إشادة رسمية وتعاون مؤسسي أعرب وزير السياحة والآثار عن خالص شكره وتقديره لكل من ساهم في هذا الإنجاز، موجهًا تحية خاصة للقوات المسلحة والقوات البحرية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة لدورهم الكبير في إنجاح عمليات الكشف والانتشال. وأكد أن هذه الجهود تأتي في إطار التزام مصر الكامل باتفاقية اليونسكو لحماية التراث المغمور بالمياه، موضحًا أن بعض القطع ستبقى في مواقعها حفاظًا على قيمتها التاريخية. ◄ استعادة للتاريخ واعتزاز بالحاضر من جانبه، أكد الفريق أحمد خالد حسن سعيد أن هذا الكشف لا يمثل مجرد انتشال لآثار نادرة، بل هو استعادة حقيقية لجزء من التاريخ المصري العريق، مشيرًا إلى أن الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي لمحافظة الإسكندرية يتجسد في مشروعات قومية كبرى مثل مترو الإسكندرية (قطار أبو قير) وميناء أبو قير، والتي تسهم في تعزيز التنمية المستدامة بالمحافظة. اقرأ أيضا| الآثار الغارقة.. كيف تستفيد الدولة سياحيًا من «كنوز الأعماق»؟ ◄ أهمية موقع أبو قير الأثري وأوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذه هي المرة الأولى منذ 25 عامًا التي يتم فيها انتشال قطع أثرية من البحر المتوسط، لافتًا إلى أن الموقع يُعد من أهم المواقع الأثرية الغارقة، حيث يضم بقايا مدينة رومانية متكاملة تشمل معابد وصهاريج وموانئ وأرصفة أثرية. وأشار إلى أن الاكتشافات الأخيرة شملت أيضًا أمفورات تحمل أختامًا تجارية، وبقايا سفينة محملة بالمكسرات وميزان نحاسي، إضافة إلى تماثيل ملكية وتماثيل أوشابتي وعملات من عصور متعددة، ما يعكس الاستمرارية الحضارية للمنطقة من المصري القديم حتى العصر الإسلامي. ◄ رسالة إلى العالم وأكد الوزير أن هذا الحدث يحمل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن مصر لا تكتفي فقط بحماية آثارها البرية، بل تمتد جهودها إلى أعماق البحار لصون تراثها المغمور. وأضاف أن نجاح انتشال هذه القطع النادرة سيعزز من مكانة مصر على الخريطة السياحية العالمية، في وقت تسعى فيه البلاد إلى جذب المزيد من السياح بعد وصول العدد العام الماضي إلى 15.8 مليون سائح. إن انتشال هذه القطع الأثرية من أعماق البحر بعد 25 عامًا يفتح فصلًا جديدًا في قصة "مصر الغارقة"، ويعيد إلى الأذهان عظمة المدن المطمورة تحت مياه المتوسط. ومع استمرار أعمال البحث والتنقيب، فإن خليج أبو قير لا يزال يحمل بين أمواجه أسرارًا قد تغير من فهمنا لتاريخ الحضارة المصرية، وتمنح العالم فرصة نادرة لمشاهدة التاريخ ينهض من أعماق البحر.