المفارقات فى حياتنا كثيرة إلى حد الوجع.. والأشياء المتناقضة فى تناولنا لمشكلاتنا عديدة إلى حد «فقع المرارة».. والأشد وجعاً وألماً للمرارة هو أننا اعتدنا على هذه المتناقضات، وتقبّلنا هذه الممارسات وكأنها شىء عادى.. وعادى جداً.. استسلمنا لصغائر الأمور وللمود السلبى المحبط، وأفرغنا طاقاتنا وتفرّغنا فى تتبع الأشياء غير المفيدة.. على الرغم من وجود كثير من طاقات الأمل أمامنا، وعلى الرغم من وجود شبابيك حياة عديدة فى مصر حالياً.. إحدى هذه الطاقات وتلك الشبابيك الدافعة للحياة هى قناة السويس الجديدة.. فمن فضلك، اغسل أفكارك بنظرة لهذه القناة، وتوضأ بكل المعانى التى تحملها.. شاشات التليفزيون فى مصر لا تعرض إلا ما هو سيئ، ولا تصدّر لنا إلا ما هو محبط.. فى الغالب، وحسب نص الكتاب، وسائل الإعلام تنقّب عن المثالب، وتفتش عن الجوانب السلبية.. بناء عمارة لا يلفت نظر وسائل الإعلام.. انهيار عمارة على رؤوس سكانها خبر وموضوع يستحقان التغطية.. السلبية قيمة إخبارية.. لذلك، فحجم السواد فى وسائل الإعلام لا ينبع عن أجندة تآمرية أو رغبات مدفونة فى التدمير، بل عن طبيعة مهنية، ووظيفة إعلامية.. إذا كنت ممن يقضون الساعات الطوال فى التعرض لهذه الوسائل، فلا بد أن بعضاً من رذاذ الإحباط قد تسرّب إليك.. لا تيأس.. انظر إلى ما تمثله قناة السويس الجديدة، وفكر فى كيفية بناء هذه القناة، وكيف استطاع المصريون فى أقل من عام أن يشيدوا هذه القناة، وأن يسجلوا معدلات غير مسبوقة فى الحفر والتنفيذ.. ساعة تأمل واحدة كفيلة بإرجاع التوازن النفسى إليك.. ولأنه ليس من رأى كمن سمع.. أستطيع أن أقول، إن كثيراً من أفكارى السابقة عن الحياة فى مصر قد تغيرت بعد متابعتى ومشاركتى فى بعض الأعمال المتعلقة بهذه القناة.. حجم الصراعات الداخلية، على الفاضية قبل المليانة، فى مجال العمل كبير جداً.. نحن نتخانق على أتفه الأمور.. ويستغرق منا حل هذه المشكلات وقتاً طويلاً.. نحن أساتذة فى فن التنكيد على أنفسنا، وتضييع وقتنا فيما لا يفيد.. إذا كنت طهقان من حجم الصراعات التافهة، فمن فضلك، تذكر هؤلاء المقاتلين الذين يعملون فى صمت فى قناة السويس، واستطاعوا وسط ظروف سيئة جداً، من حيث حرارة الجو، وطبيعة العمل الشاق.. أن يحققوا المستحيل، وأن يصنعوا شيئاً سنتباهى كلنا به.. قارن بين مشكلاتنا التافهة فى العمل، وبين تحديات هؤلاء.. وقارن الناتج هنا والناتج هناك.. واغسل أفكارك السابقة بنظرة إلى ما يقوم به هؤلاء من عمل وتحدٍّ.. المقارنة صعبة.. بين اللاشىء والإعجاز.. بين تضييع الوقت واستثمار الوقت.. بين الحلم الجميل والواقع الأكثر جمالاً الذى يصنعه هؤلاء بسواعدهم وأيديهم.. وإذا كنت من النشطاء والنخبة المثقفة وممن يقضون أوقاتهم على «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستجرام»، وتعتبر أن ذلك هو الكفاح بعينه، فمن فضلك، حاول أن تكون على قدر اللحظة التاريخية التى نعيش فيها، وحاول أن تتوضأ بمعانى العمل الجاد والكفاح الحقيقى فى قناة السويس الجديدة.. وإذا كنت مصمماً على صورة «سيلفى»، فلتكن خلفيتك هى القناة الجديدة، فهى أبقى وأطهر وأدوم.. أمس الأول (الجمعة)، دعا الأستاذ إبراهيم عيسى إلى اعتبار قناة السويس فاصلاً بين عهدين، ما قبل حفر القناة الجديدة، وما بعد حفر القناة الجديدة، دلالة على أهميتها ونفعها.. وأنا أؤيده فى ذلك تماماً.. وإن لم يكن التأريخ على المستوى الحرفى المادى لمعنى التأريخ، فعلى الأقل، لا بد أن نعتقد فى داخلنا بعظم ما أقمناه، وبعظم ما ننفذه.. ولننظر جميعاً إلى قناة السويس الجديدة، علنا نتخلص من كثير من أمراضنا التى أصبنا بها قبل حفرها.. فسلام لكل من بنى وحفر وأهدى لنا هذا العمل الجليل..