ارتفع رنين الهاتف ليكسر الصمت الذى يحيط بالمكان.. أنظر إلى الرقم المتصل فلا أعرفه.. تنتابنى رغبة شديدة فى عدم الرد لأحافظ على هذا الهدوء النفسى الذى أحاول خلقه وسط يوم حافل.. ولكن فضولاً خفياً قد دفعنى للرد.. - ألو. - الدكتور محمد؟ المستشار الإعلامى للسيد رئيس الوزراء يتحدث إليك.. لا يبدو الأمر مزحة!.. فاللهجة التى يتحدث بها تجمع بين الحزم والود معاً.. - تحت أمرك يا فندم..! - كنا نود مناقشة سيادتك بشأن مقالك فى جريدة «الوطن» عن زيارة السيد رئيس الوزراء إلى معهد القلب! الحقيقة أننى لم أتوقع لحظة أن يهتم السيد رئيس الوزراء شخصياً بما أكتب.. بل ويقرأ باهتمام، لدرجة أنه يدفع عنه ما تخيل سيادته أنها اتهامات.. لن أسترسل فى ذكر تفاصيل المكالمة التى طالت بصدر رحب.. ولكننى أحببت أن أوضح بعض النقاط التى تعذّر على شرحها فى المقال السابق، والتى ربما أزعجت السيد رئيس الوزراء بعض الشىء.. فى البداية، ينبغى أن أشكر سيادته بشدة، لأنه يقرأ ما يُكتب عنه وعن أداء وزارته.. وأنه لا يطبّق نظرية «خليهم يتسلوا» التى كان يطبقها «مبارك» باحتراف.. فقراءة النقد هى أول الطريق إلى جو ديمقراطى صحى نسعى إليه جميعاً.. ولن تقوم لهذا الوادى الطيب قائمة إلا إذا سمع سيادته الآراء المناهضة قبل عبارات الشكر.. والتى أعرف أن سيادته لا ينتظرها.. ولكن..! حين يقوم سيادته بالمرور بنفسه على المستشفيات ويقوم برصد السلبيات.. فماذا يفعل سيادة وكيل الوزارة؟! بل وماذا يفعل السيد وزير الصحة نفسه؟! وحين يكون هدف السيد وزير الصحة هو تنفيذ توجيهات سيادة رئيس الوزراء «فقط»، بعد أن قام بنفسه بالمرور على أحد المستشفيات، دون أن يملك خطة لتطوير المستشفيات بالكامل.. ودون أن يمتلك رؤية يعرضها على سيادته حتى قبل أن يطلبها.. فما الدور الذى يقوم به سيادته؟! بل ما الداعى إلى وجوده من الأساس؟! إن السادة الوزراء فى حكومتنا العزيزة ينسون أنهم رأس السلطة التنفيذية.. وليسوا أعضاء بالبرلمان.. وأنهم من يمثلون الحكومة وليس الرقابة على الحكومة..! وأن التقصير الذى يشتهرون به هم المسئولون عنه من الأساس.. سيادة رئيس الوزراء.. لقد كنا نتمنى أن تكون تصريحات سيادتك بعد أن رأيت بنفسك تدهور حالة مستشفياتنا -التى يعتبر معهد القلب بينها صرحاً مشرفاً بالمناسبة- أن تقوم بإصدار توجيهاتك بالبدء فى إعادة هيكلة المنظومة بالكامل.. وليس معهد القلب فقط.. فالغطاء الصحى لكل مواطن حق يكفله الدستور.. والمنظومة متهالكة بالفعل.. ولا تحمل أى بوادر للتحسُّن، طالما ظلت العقول نفسها تعمل بها..! كنت أتمنى أن نسمع عن البدء فى تشكيل المجلس الأعلى للشئون الطبية.. وأن يتم إعادة النظر فى موازنة الصحة بالكامل.. سيدى رئيس الوزراء.. لا ينكر أحد وأنا أولهم أن سيادتك تعمل نهاراً وليلاً وأنك لا تنام تقريباً.. بل إننى كثيراً ما أشفق عليك حين أشعر بأنك تحاول القيام بكل شىء بنفسك.. لكن صدقنى يا سيدى.. ينبغى أن تجد آلية لتطوير تلك المنظومة المهمة.. بل يجب أن تجد من تعتمد عليه لتنفيذ ما تحلم به.. بدلاً من تلك العقول التى علاها الصدأ!! سيدى.. إن مصر مليئة بالكوادر التى يمكنك أن تعتمد عليها.. وعامرة بالشباب الذين يحلمون بما تحلم به.. فلتبحث عنهم ولتعتمد عليهم.. وصدقنى.. لن تجدنا نقول «اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ».. ولكنك ستجدنا معك «مقاتلون»..