فى الوقت الذى كان الجميع ينتظر من وزير الصحة عادل العدوى القيام بزيارات مفاجئة للمستشفيات الاستثمارية الكبرى وعلى رأسها دار الفؤاد المملوكة لوزير الصحة الأسبق حاتم الجبلى وغيرها من المستشفيات الخاصة بعد ظهور العديد من المخالفات الطبية الجسيمة بها، والتى أودت بحياة العديد من المرضى والتى كشفت عنها «صباح الخير» فى حملة صحفية قامت بها الزميلة هبة محمد على مدى ثلاثة أسابيع متتالية، فؤجئنا بوزير الصحة يقوم بزيارات مفاجئة لعدد من المستشفيات الحكومية مثل معهد ناصر ومنشية البكرى وناصر العام! ورغم أنى كنت شبه متأكد أن وزير الصحة لن يقوم بزيارات مفاجئة للمستشفيات الاستثمارية للوقوف على مستوى الخدمة الطبية التى تقدمها للمرضى، إلا أننى انتظرت ثلاثة أسابيع بعد قيام العدوى بزيارته المفاجئة للمستشفيات الحكومية قبل التعليق عليها لعل الوزير يفعل غير المتوقع ويفاجئ مستشفيات الكبار بزيارة مفاجئة كما فعل مع مستشفيات الغلابة !!!
وقد ذكرتنى زيارات العدوى المفاجئة للمستشفيات الحكومية بواقعة جرت فى أواخر عام 2006 أثناء لقاء عدد من الصحفيين المهتمين بقضايا الصحة والدواء بوزير الصحة وقتها د.حاتم الجبلى، عندما فاجأ الوزير أحد الزملاء قائلا: كويس التحقيق الصحفى اللى عملته يا «.....» عن الإهمال فى مستشفى بنى سويف بس خلى بالك أنا اللى قلت لرئيس تحريرك ابعت صحفى من عندك يكتب عن الإهمال اللى موجود فى المستشفى.. ورغم أننى أستغربت من حديث الوزير وقتها الذى بدلا من أن يعمل على إصلاح مواطن الخلل والإهمال والفساد فى وزارته فى هدوء وبعيدا عن الضجيج خاصة أنها تقدم وترعى أهم خدمة للمصريين وهى الصحة تجده يشهر بها بل يشجع الصحفيين ويطلب منهم أن يكتبوا عن الإهمال والفساد المستشرى بمستشفيات الوزارة، ولكن تسلسل الأحداث بعدها شرح كثيراً من الأمور التى كانت غائبة حيث توالت الزيارات المفاجئة التى قام بها حاتم الجبلى للمستشفيات الحكومية والتى رغم كونها مفاجئة إلا أن وسائل الإعلام المختلفة كانت بانتظار سيادته لتسجل عدسات المصوريين وأقلام الصحفيين وكاميرات برامج الفضائيات صور الإهمال والفوضى التى تعانى منها المستشفيات العامة والمركزية وترصد قرارات الوزير الفورية بنقل وتحويل المسئولين عن هذه المستشفيات والأطباء العاملين بها وأطقم التمريض إلى التحقيق بعد أن يقوم بالانفعال على مدير المستشفى وبعض الأطباء مكررا عبارات مثل «دى مش مستشفى دى فوضى وتهريج .. حرام عليكم صحة المرضى.. أنا مش هسمح بالاهمال ده»، الغريب أن زيارات الوزير المفاجئة كانت تتكرر لبعض المستشفيات فيجد نفس صور الإهمال ويكرر نفس القرارات، حيث قيل إن حاتم الجبلى أقال فى زياراته المفاجئة للمستشفيات نصف أطباء مصر، ومع ذلك لم تتخلص المستشفيات والمراكز الطبية العامة من الفوضى والإهمال الملتصقين بها منذ عشرات السنيين!!
إذن لم يكن الغرض من الزيارات المفاجئة لوزير الصحة وقتها إصلاح أحوال المستشفيات والمراكز الطبية العامة، فمواطن الخلل والفساد فى هذه المستشفيات معروف الأسباب والنتائج ولا يحتاج إلى زيارات مفاجئة أو غير مفاجئة لكى يكتشفه وزير الصحة، ولكن يبدو أن هدف هذه الزيارات «المفاجئة» لم يكن إصلاح أحوال مستشفيات وإنما بناء صورة ذهنية لدى المصريين تؤكد استحالة إصلاح المستشفيات العامة، وأن الحل فى الاعتماد على القطاع الخاص فى تقديم النسبة الأكبر من الخدمة الصحية للمواطنين، لذلك لم يكن غريبا أن نرى وزارة الصحة أيام حاتم الجبلى تتوسع فى التعامل مع القطاع الخاص سواء فى إبرام تعاقدات للتأمين الصحى مع المستشفيات الاستثمارية الكبرى وعلى رأسها دار الفؤاد، أو تحويل مرضى العلاج على نفقة الدولة للعلاج فيها.
∎ نفس السياسة والزيارات
الغريب أنه بعد رحيل حاتم الجبلى من الوزارة وجدنا وزير الصحة الحالى د. عادل عدوى يسير على نفس خطوات حاتم الجبلى فى الزيارات التى يفترض أنها مفاجئة إلى المستشفيات والمراكز الطبية العامة المملوكة للدولة متناسيا أو متغافلا سواء بقصد أو بدون قصد ما يحدث فى المستشفيات الاستثمارية الكبرى، حيث وجدنا عادل عدوى يزور عدداً من المستشفيات فى الأسبوع الأول من أبريل منها معهد ناصر ومنشية البكرى وناصر العام وقد تم إخراج هذه الزيارات بنفس طريقة زيارات حاتم الجبلى المفاجئة، حيث كان الصحفيون والإعلاميون فى انتظار العدوى أمام المستشفيات وسجلوا بالصوت والصورة مشاجرة الوزير مع الأطباء بدعوى الإهمال فى علاج المواطنين، وقراره بتحمل نفقات بعض المرضى وتشبيهه مستشفى معهد ناصر بالسجن وتأكيده أن الحكومة ممثلة فى وزارة الصحة لن تقوم ببناء مستشفيات جديدة تابعة للدولة لعدم الاحتياج اليها، حيث إن المستشفيات العامة القائمة حاليا تفى بحاجة المرضى!!
تصوروا وزير الصحة الحالى يقول إننا لسنا فى حاجة لبناء مستشفيات جديدة تابعة للدولة تقدم الخدمة الطبية مجانا أو على نفقة الدولة لغير القادرين والفقراء أو بأسعار معتدلة نسبيا للقادرين، لأن المستشفيات العامة الموجودة حاليا تكفى حاجة المرضى وزيادة بل إن بعضها لا يجد مرضى يعالجهم كما يرى سيادته، ولا أدرى هل يعرف وزير الصحة أن هناك قوائم انتظار طويلة لآلاف المرضى الذين يحتاجون لجراحات فى القلب والعظام والنخاع والأورام، وأن بعض المرضى قد ينتظرون لعدة أشهر حتى يأتى دورهم لإجراء عملية قلب فى معهد ناصر أو معهد القلب مثلا، وهل يعرف الوزير أن الكثيرين يعانون الأمرين لإيجاد مكان فى غرفة عناية مركزة فى مستشفى حكومى لإنقاذ حياة عزيز لديهم، وكذلك الحال بالنسبة لحضانات الأطفال والتى نعانى من أزمة فيها منذ سنوات عديدة ولا يجرؤ أى مسئول فى وزارة الصحة وعلى رأسهم الوزير نفسه أن ينفى وجود هذه الأزمة ويدعى أن الحضانات موجودة بكثرة وأن الأزمة فى الأطفال الرضع!!
∎ المهارة فى الحل وليس التهليل
وقد يقول البعض إن زيارات وزير الصحة المفاجئة للمستشفيات الحكومية مطلوبة للوقوف على واقع المشكلات والأزمات التى تعانى منها هذه المستشفيات التى تقدم الخدمة الطبية مع غيرها من المستشفيات العامة التابعة للجامعات للنسبة الأكبر من المصريين ونرد على هذا الرأى أن المشكلات التى تعانى منها هذه المستشفيات بل الأزمة التى يعانى منها القطاع الصحى الحكومى معروفة منذ زمن بعيد ومهارة أى وزير للصحة أن يضع حلولا لها لا أن يؤكد ويهلل لوجودها، فالمصريون لم يكونوا فى حاجة للعدوى وقبله الجبلى ليقول إن هناك إهمالاً فى المستشفيات الحكومية أو أن بعض الأطباء يعاملون مرضى المستشفيات الحكومية بطريقة غير لائقة أو أن إدارات عدد من المستشفيات تجبر المرضى على دفع مبالغ مالية دون وجه حق أو أن أطباء هذه المستشفيات يدخنون أثناء عملهم مما يضر بصحة المرضى «ما إحنا عارفين أن هذه المشكلات موجودة».. إيه الجديد اللى جابه الوزير من عنده!!
أما الجديد فهو ما نشرته «صباح الخير» عن الإهمال الطبى الخطير والقاتل فى المستشفيات الاستثمارية الكبرى أى أن المريض يدفع عشرات الألوف من الجنيهات لإجراء جراء قلب مفتوح ثم يجد نفس الإهمال المستشرى فى مستشفيات الحكومة بل أشد خطورة، هل يتصور عاقل وليس وزير الصحة ما ورد على لسان أقارب أحد المرضى الذين كانوا يعالجون فى مستشفى خاص فى مصر الجديدة عن وجود «هون» المطبخ فى غرفة العناية المركزة.
كنا نتوقع أن يذهب وزير الصحة فى زيارة مفاجئة إلى دار الفؤاد بعد أن يأمر بالتحقيق فى حالات الإهمال التى أودت بحياة عدد من المرضى كنا نتوقع أن يستدعى الوزير أقارب الضحايا وذويهم ليستمع إلى شكاويهم التى تتهم المستشفى الأكبر والأغلى فى البلد بالإهمال الطبى القاتل.. كنا نتمنى أن نرى وزير الصحة وهو يفاجئ المستشفيات الاستثمارية الكبرى التى يملكها الكبار ويوبخ الأطباء وأطقم التمريض والعاملين فيها عن أى إهمال فى معالجة مريض رغم أنه يدفع دم قلبه كما يقولون لكى يجد خدمة طبية جيدة ومعاملة لائقة.
باختصار كنا نتوقع ان يذهب وزير الصحة إلى دار الفؤاد فذهب إلى معهد ناصر ومنشية البكرى وناصر العام.. وكل سنة وأنت طيب!!