فى الأسبوع الماضى فتحنا ملف الإهمال القاتل فى المستشفيات الخاصة والاستثمارية الكبرى والتى بدأناها برصد ضحايا إهمال المستشفى الاستثمارى الأكبر وهو دار الفؤاد.. وفى هذا العدد كان من المفروض أن نستكمل الملف بتقديم صور جديدة للإهمال القاتل فى مستشفيات استثمارية كبرى أخرى، ولكن ما نشرناه عن ضحايا «البكتيريا القاتلة فى دار الفؤاد» شجع ضحايا جدد للمستشفى الشهير الذى يملكه وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلى على الكلام وشرح مأساتهم مع دار الفؤاد. نكرر السؤال الذى طرحناه العدد الماضى على وزير الصحة د.عادل العدوى: هل يملك الجرأة على التحقيق فى ملفات الإهمال الطبى القاتل فى مستشفى يملكه وزير أسبق للصحة أم أن للزمالة فى كرسى الوزارة اعتبارات أخرى تمنع فتح مثل هذا التحقيق؟!
البداية مع قصة الزميل الصحفى سامح سامى محروس نائب مدير تحرير جريدة الجمهورية، حيث توفى والده بسبب الإهمال فى مستشفى دار الفؤاد، وقبل الوفاة كانت هناك رحلة طويلة من المعاناة بدأت يوم 17 يناير 2014 حيث يقول، سقط والدى صبيحة ذلك اليوم مغشيا عليه، فقررت أنا وأشقائى نقله إلى مستشفى دار الفؤاد للاطمئنان على حالته وعمل الكشف الطبى اللازم له، وبالفعل تم حجزه فى حجرة العناية المركزة، وأجرى له فى اليوم التالى الدكتور خيرى عبدالدايم نقيب الأطباء الحالى عملية قسطرة تشخيصية، اتضح من خلالها أن حالة والدى تحتاج لعملية قلب مفتوح، وافقنا على إجراء العملية خاصة بعد أن طمأننا الدكتور جمال سامى أستاذ القلب بجامعة عين شمس بأن العملية سهلة للغاية ونسبة نجاحها تتخطى 96٪ ولا خطورة على مرضى السكر ممن هم فى مثل حالة والدى، وبالفعل تم إجراء العملية خرج بعدها والدى إلى العناية المركزة، ولكننا لاحظنا بعد ذلك لونا أزرق يحيط بيده اليسرى، وعندما استفسرنا عن سببه، قيل لنا أنه بسبب الكانيولا التى علقت فى يده طيلة فترة العملية، لكن الحقيقة التى اكتشفناها بعد فوات الأوان أن يد أبى قد أصيبت بالغرغرينا، والحالة كانت متأخرة للغاية، لأنهم لم يرضخوا لطلبنا باستدعاء طبيب أوعية دموية إلا بعد تأزم الوضع، ولم تتوقف الكارثة إلى هذا الحد، فما أصاب يد والدى أصاب كلتا قدميه، المشكلة أن والدى أصيب بفشل كلوى حاد وظل لمدة ثلاثة أسابيع يعانى منه وأنا لا أعلم ما أصابه، وفوجئت بعد مرور كل هذا الوقت بالطبيب يسألنى ما إذا كنت أرغب فى إجراء غسيل كلوى له أم لا وكأنها عملية اختيارية، رغم أنها كانت ضرورة مُلحة للحفاظ على حياة أبى.. القصة لم تنته عند هذا الحد فوالدى الذى توفى الشهر الماضى عن عمر يناهز السبعين عاما كان جسمه شديد الورم أثناء تغسيله، فلقد ظل البول محتبسا داخل جسده لمدة خمسة أيام متصلة، بفعل دواء خاطئ أعطاه إياه المستشفى ورغم أن أبى قد مات نتيجة تسمم بولى واضح فإنهم قد كتبوا فى شهادة الوفاة أنها كانت بسبب غرغرينا القدم!! مما دفعنى للتوجه إلى النائب العام المستشار هشام بركات الذى استدعى مدير المستشفى الدكتور هشام الخولى، وعددا من الأطباء الذين تابعوا حالة والدى، وجارِ استدعاء الدكتور حاتم الجبلى مالك المستشفى.
أما عن فواتير المستشفى فيقول سامح: دفعت مبلغ 91 ألف جنيه ونصف، وعلمت بعدها أن الفاتورة قد وصلت إلى مبلغ 230 ألف جنيه لكننى لم أدفعها، والأمر برمته قد أحيل إلى النيابة بعد وفاة والدى، وقد اتهمت القائمين على مستشفى دار الفؤاد بالشروع فى قتل والدى، وهو ماحدث بالفعل.
∎ شاب صغير
مأساة أخرى بطلها شاب صغير لم يتجاوز 29 عاما، يدعى ماجد صلاح، راح ضحية إهمال من نوع آخرى فى دار الفؤاد، فالمستشفى الذى تتقاضى الآلاف نظير تشخيص الحالات، أخطأ فى تشخيصها لحالة ماجد مما أودى بحياته مخلفا زوجته وطفله الذى لم يتجاوز العامين، القصة عمرها لا يتعدى شهر، كما يرويها كمال سالم صديقه المقرب، حيث شعر ماجد بصداع وحالة من الإرهاق وعدم القدرة على العمل، فذهب لمستشفى دار الفؤاد يشكو من تلك الأعراض وخصوصا الصداع الذى فشلت المسكنات فى القضاء عليه، قام الطبيب الذى استقبل الحالة بعمل أشعة مقطعية على المخ، وقال له أنه سليم ولا مشكلة لديه والأشعة تثبت ذلك، لكن ماجد أصر أنه يشعر بتعب شديد فقال له الطبيب «روح خد منوم ونام» وهذا ما فعله ماجد بناء على استشارة الطبيب لكنه لم يقم من نومته هذه، فأخذه أخو زوجته مرة أخرى إلى دار الفؤاد لكنهم رفضوا استقباله، لأنه أخذ منوما وطلبوا تحويله إلى مركز السموم بمستشفى الدمرداش، ورغم كل المحاولات البائسة لإقناعهم بأن المنوم تم تناوله بأمر طبيب من داخل المستشفى إلا إنهم استمروا فى موقفهم، الأمر الذى أجبر أهله على نقله إلى مركز السموم، تصادف وقتها وجود طبيب مخ وأعصاب فى مستشفى الدمرداش، شاهد الأشعة المقطعية وصرخ قائلا: «من .... اللى عمل له الأشاعة وسابه يمشى من المستشفى دى حالة نزيف فى المخ واضحة» نزلت كلمات الطبيب على أهله كالصاعقة، فهرول أخو زوجته إلى المستشفى وقام بعمل ضجة شديدة، فطالبوه بالهدوء وأخذ أحد الأطباء الأشعة منه لفحصها، واستدعى آخر على الفور لمشاورته ثم تعجبوا أن الحالة غادرت المستشفى صباحا مؤكدين لما قاله طبيب الدمرداش من أنه يعانى من نزيف فى المخ، وافقوا بعدها على استقبال الحالة مجددا، كان ماجد قبل عودته لدار الفؤاد يشعر بوخذ الإبر ويصدر بعض الأصوات، لكنه دخل فى غيبوبة كاملة بمجرد وصوله لدار الفؤاد وكان ذلك بسبب أن النزيف كون أربع جلطات على المخ، تم حجزه على أمل قدوم طبيب المخ والأعصاب فى السادسة صباح اليوم التالى، وهو ما لم يحدث حيث جاء فى الثانية عشرة ظهرا، وعندما شاهد حالة ماجد صاح فى الموجودين أن يقوموا بتجهيز غرفة العمليات سريعا، وقال لنا أن العملية ستستغرق ساعات طويلة، لكن الحقيقة أنه خرج بعد خمس وأربعين دقيقة يقول أنه فتح الدماغ وأغلقه مرة أخرى، فلا جدوى فى حالته سوى بالدعاء، لأن الوضع تأخر كثيرا والنزيف زاد، قرر أهله إرسال الإشعات والتقارير إلى أطباء ألمان لكن الرد جاء منهم بأن الحالة فى حكم الميتة، وتوفى ماجد بعد أربعة أيام من الواقعة.
∎ جلطة متحركة
أما هذه القصة فخاصة بالمهندس محمد صبرى، وهو مهندس اتصالات شاب كان يلعب الكرة مع أصدقاء له فى إحدى المرات فشعر بآلام فى الركبة، فقرر أن يتوجه إلى مستشفى دار الفؤاد لعمل الإشعات اللازمة، لكن الطبيب الذى استقبله أخذ يلوى ركبته لدرجة لفها بشكل مؤلم دون عمل الأشعات اللازمة، حيث يقول بعد انتهاء الكشف لم أقو على تحريك قدمى تماما رغم أننى كنت قادما إلى المستشفى سائرا عليها، ذهبت لعمل إشاعة بعدها اكتشفت قطعا فى الغضروف الداخلى للركبة اليمين يستلزم عملية جراحية، وبعد إجراء العملية لم يعطنى الطبيب حقنة سيولة الدم، وهى الحقنة التى تعطى لأى مريض قام بإجراء جراحة حتى لا تحدث جلطات، واكتفى بإعطائى المسكن والمضاد الحيوى، وبعد أيام من إجراء العملية شعرت بألم رهيب فى قدمى التى تورمت وتحولت للون أزرق، كلمت الطبيب قال لى أنه عرض طبيعى لكننى ولشدة ما كنت أعانى دخلت على مواقع الإنترنت الطبية وعلمت أن الأعراض التى أعانى منها تعنى وجود جلطة فى الرجل، خصوصا أن وجعى لم يكن فى الركبة بل كان فى السمانة، ذهبت للطبيب وقال لى أنت محتاج علاج طبيعى، وبالفعل حجزت فى جلسات فى قسم العلاج الطبيعى فى المستشفى وبدأت جلسات على يد طبيبتين أقل ما يمكننى وصفهما به أنهما معدومتا الخبرة وهذا ما اكتشفته فيما بعد عندما أجرى لى العلاج الطبيعى مجموعة من الألمان فى مستشفى آخر، المهم أن الحسنة الوحيدة التى قاما بها هو إعطائى اسم الأشعة التى تثبت وجود جلطة فى الرجل من عدمه، وبالفعل بعد انتهاء الجلسة ذهبت إلى قسم الأشعة فى دار الفؤاد وبعد عمل الأشعة قال لى الطبيب ظنا منه أننى قمت بإجراء العملية خارج المستشفى أن حالتى خطيرة ويجب حجزى فى المستشفى فورا حيث توجد جلطة متحركة كبيرة فى رجلى، ومعنى أنها متحركة أنها قد تصعد إلى الرئة أو القلب وتتسبب فى شلل نصفى أو وفاة، أصابتنى حالة من الهياج وصمت الطبيب بعدما علم أننى أجريت العملية داخل المستشفى، رفضوا إعطائى الأشعة فى البداية لكنهم رضخوا فى النهاية منعا للشوشرة، ظللت بعد ذلك أُعالج لمدة تسعة أشهر علاجا كلفنى الكثير.