لم تكن المرة الأولى التى ينتقل فيها السيد المهندس رئيس الوزراء ليفتش على إحدى المؤسسات الطبية.. فقد قام بنفس الزيارة إلى قصر العينى منذ عدة شهور قام فيها بانتقاد كل ما يحدث فى استقبال الطوارئ الذى يعمل بضعف طاقته تقريباً وبربع الإمكانيات المطلوبة.. وقد اصطحب معه فى هذه الزيارة وزير الصحة.. الذى هو بالمناسبة لا علاقة له بقصر العينى من الأساس.. فى رسالة واضحة للإعلام أنه يحاسب المسئولين.. وفى رسالة أوضح لنا نحن الأطباء أنه لا يعلم من المسئول أصلاً.. وأن الأمر برمته مجرد شو إعلامى وليس بحثاً عن حق المواطن!! ثم كانت التجربة الثانية فى معهد القلب.. ولكن بعد أن طور من الأسلوب ليقوم بإصدار تصريحات تهديدية مفادها أن الكل «سيحاسَب».. لقد صب سيادته جام غضبه على إهمال الأطباء وغياب ضميرهم.. وهو أمر لا يرضى عنه أحد بالمرة.. ولهذا ينبغى أن يحاسب المقصر بالفعل.. لا اعتراض على هذا.. ولكن.. حين يتردد على العيادة الخارجية بأى مستشفى حكومى ما يزيد على 500 مريض يومياً.. ولا يوجد سوى خمسة من الأطباء فقط.. فهل المشكلة إهمال الأطباء؟ حين نحتاج لإجراء خمسين جراحة شهرياً ولا نملك من الإمكانيات سوى ما يكفى لعشر جراحات فقط.. فهل هى مشكلة أطباء؟.. حين يكون دخل الطبيب الحكومى أقل من ربع دخل أمين الشرطة الذى لم يحصل سوى على مؤهل متوسط.. مما يضطر الطبيب إلى البحث عن وسائل أخرى لزيادة دخله.. فهل هى مشكلة أطباء؟! إن الذين يبحثون عن ضمير الأطباء بين أكوام المرضى المكدسة نسوا أن يبحثوا عن ضميرهم هم أيضاً بينهم.. فإذا كان المرضى يعانون من قسوة المرض وغياب العلاج.. فالأطباء يعانون مثلهم تماماً.. بالإضافة إلى غياب الأمن ونقص الإمكانيات وافتقادهم أبسط وسائل الحياة الكريمة!! الطريف أن أحد أصدقائى بمعهد القلب قد صرح لى بأن معاملة المرضى قد اختلفت بعد زيارة السيد رئيس الوزراء.. فأحد المرضى قد هدده بشكواه إذا لم يقم بتغيير الطعام المقدم إليه -وهو بالمناسبة نفس الطعام الذى يتناوله الطبيب- وآخر قد هدده بأن يشكوه لرئيس الوزراء فى الزيارة المقبلة.. إذا لم يسمح لأقاربه بالدخول إلى العناية المركزة للاطمئنان عليه!! لم تكن زيارة السيد رئيس الوزراء إلى المعهد للبحث عن احتياجات المرضى.. بل كانت للبحث عن عدسات المصورين وأقلام الصحفيين.. لم تكن سوى متاجرة بالمرضى على حساب الأطباء.. كانت من أجل أن يرى الناس كيف أن السيد رئيس الوزراء المجتهد يقوم بالاهتمام بالمواطن البسيط.. فلا أعتقد أنه كان يجهل الوضع القائم.. وحتى إذا كان يجهله -وهى كارثة فى حد ذاتها- فأعتقد أنه كان يمتلك أكثر من طريقة لإصلاح الأمر.. دون أن يظهر الأطباء بهذه الصورة!.. سيدى رئيس الوزراء.. لا أعترض على تصريح سيادتك بأن الكل ينبغى أن يحاسَب.. ولكن يبدو أن سيادتك قد نسيت أنك على رأس المطلوبين لهذا الحساب!!.. فتوفير الإمكانيات المطلوبة لعلاج المرضى هو مسئوليتك أنت وحكومتك.. لا مسئولية الأطباء.. وتوفير حياة كريمة ودخل معقول للأطباء للتفرغ لمستشفيات الحكومة وعدم البحث عن دخل إضافى فى عياداتهم الخاصة هو مسئولية سيادتك.. لا مسئولية الأطباء.. بل إن الحفاظ على كرامة الأطباء أمام مرضاهم حتى يستطيعوا علاجهم وتوفير الأمن لهم هى مسئولية سيادتك أيضاً.. لا مسئولية الأطباء.. لقد قرر الأطباء الرد على سيادتك بصفحة على موقع التواصل الاجتماعى عنوانها «علشان لو جه ميتفاجئش» والواقع أن الصفحة قد نمت بسرعة خرافية فى رسالة واضحة.. إننا نملك الكثير سيدى.. ولكننا لا نفضل الحديث عنه.. سيدى.. إن الأموال التى ستنفقها الحكومة على تجديد استقبال معهد القلب -الذى تم تجديده منذ عامين بالمناسبة- كان أولى أن يتم توجيهها لتجديد مستشفيات أخرى كثيرة لم تزرها سيادتك.. ولكن يعرفها وزراؤك.. والصور التى تنتظرها للاستقبال بعد التجديد لن تعفى سيادتك من المسئولية.. ولن تجنبك دعوات مريض فى استقبال آخر لا يجد أبسط أنواع الإسعافات الأولية..! سيدى رئيس الوزراء.. إذا كنت مصراً على الحساب.. فلتقبل استقالة وزير الصحة.. ولتقدم بعدها استقالتك ووزارتك بالكامل.. فسيادتكم أول المسئولين.. وأكثرهم تقصيراً!!..