محمود المنياوي سيدي الرئيس تحية طيبة وبعد.. فكرت في أن أكتب إلى سيادتكم.. وقبل أن أكمل خطابي توقفت لحظة وسألت نفسي: هل في مثل هذه الظروف يقرأ الرئيس؟ ونحن عانينا أزمانا من رؤساء سبقوك لم يجيدوا القراءة، ولست أقصد قراءة الكتب والحروف ولكن قراءة المجتمع.. قراءة الناس والوشوش.. ولكن سأكمل خطابي إليك يا سيادة الرئيس علّه يكون ذا نفع أو يبقى مجرد رسالة من مواطن إلى رئيس. فمن حيث آتي يا سيادة الرئيس، من صعيد مصر، فإن الحاكم مقدس لا سبيل لانتقاده أو حتى التأفف من سياساته.. ولكن الأيام علمتني ألا أكون إمّعة يسير كما يسير الناس، فإذا أيّدوك أيدت، وإذا عارضوك عارضت، ولكني أكتب إليك بلا خوف فأهلي وعائلتي يعتبرونني مارقا؛ أنتقد الرئيس وسياساته، ولكن لا بأس فهم يحاولون المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم التي أخرج على بعضها. فهم يا سيادة الرئيس يدافعون عنك ليس حبا فيك أو إعجابا بسياساتك وقراراتك، وللأمانة فكثير منهم يؤيدونك لأنك الرئيس وهم اعتادوا توقير الرئيس وعدم معارضته ليس أكثر ولا أقل، وآخرون يؤيدونك لأنك تحفظ القرآن وتذكر في خطاباتك بعض الأحاديث، أما البقية الباقية فهم يدافعون عنك لأنهم اعتادوا الاستقرار ويرفضون التغيير، فهم على غير استعداد أن يغيروا نمط وأسلوب حياتهم حتى لو كان هذا التغيير إلى الأفضل، وكثير منهم يقاطعونني لأنني فقط أعبر عن رأيي وأعارض الرئيس. ولكن لا بأس.. فالتغيير صعب وطريقه طويل، خصوصا في مواجهة العادات والتقاليد وفي مواجهة التحجر والجمود الذي يصيب المجتمعات بعد فترات طويلة من الركود.. في مواجهة الاستقرار والتنميط، فالتغيير يتطلب قبل كل شيء مواجهة العقول وتغييرها قبل مواجهة التقليد والمألوف. وأعتذر يا سيادة الرئيس عن هذه المقدمة التي أسرفت فيها فقط لكي تعرف سيادتك كم ثمن معارضتك التي تجعلني أخسر كثيرا من أحبائي، أقربائي وأصدقائي وأن ثمن معارضة الرئيس في مثل مجتمعنا ثمن باهظ وليس زهوا ولا افتخارا، ولست أدفع هذا الثمن من أجل اتباع الآخرين الذين قد يكون لهم مصالحهم ولا سعيا لإسقاطك من على كرسيك، حاشا لله، ولكني أعارض أملا في الإصلاح وحبا في الوطن الذي أتمنى أن أراه أفضل وأحسن حالا ليس أكثر ولا أقل. فيا سيادة الرئيس منذ أن توليت سيادتكم الحكم والأنظار والقلوب تترقب، تترقب هذا التغيير الذي وعدت به، تنتظر عودة الأمن والأمان.. تحسن الاقتصاد ومحاربة الفساد.. كنا ننظر ابتسامات البشر التي رأيناها تملأ الوجوة أملا في غد أفضل بعدما ملأتهم الثورة بالأحلام في مستقبل مشرق وحياة أكثر إشراقا. ولكن أتعرف يا سيادة الرئيس ماذا حدث؟ سأحدثك عن الذي حدث بعيدا عن أسبابه ومسبباته وبعيدا عن كونك سببا فيه أم لا، ولكن في النهاية أنت الرئيس. ما حدث يا سيادة الرئيس أن لي صديقا تبعه أصدقاء كنا نجتمع على مقهى بسيط والآن هم هاجروا إلى فرنسا وأمريكا ليس لشيء ولكن فقط لأنهم مسيحيون، شعروا في عهدك بالاضطهاد وخافوا على حياتهم فتركوا أوطانهم خوفا من جفائها عليهم.. لقد طاردهم الاضطهاد حتى أبواب الطائرة تتوعدهم بالهلاك والذل إذا عادوا مرة أخرى، تتوعدهم بالتهجير والحرق إذا أقعلوا عن الهجرة، وماذا فعلت أنت يا سيادة الرئيس؟! وقفت صامتا في حين أنك كنت تلوم منْ يحرقون مقار جماعتك، أوليس دور العبادة أولى من مقار الجماعة يا سيادة الرئيس؟! ويا سيادة الرئيس فقد راعتني حال البلاد وأمور العباد وأنا أجدهم يقفون على عتبات محطات البنزين يطلبون المدد ويستجدون الحديد.. ألم يكن عاما كاملا يا سيادة الرئيس كافيا بحل هذه الأزمة التي لم تنته يوما منذ أن توليت الحكم؟! لا لا لن أتحدث عن هذه الأزمات "الصغيرة"، ولكن أين هذا التغيير الذي وعدتنا إياه؟ أين التغيير الذي طرأ على مجتمعنا؟ التغيير الذي طرأ على سياسات الدولة وأسسها ومبادئها؟ وأعلم أن عاما ليس كافيا كما لم تكن ال100 يوم كافية. إن التغيير يا سيادة الرئيس لا يقاس بالسنوات والأيام ولكنه يقاس بالطفرات بالقرارات والسياسات ويقاس بالفاعلية.. فماذا تغير في بلدنا؟ المرور.. الخدمات.. التعليم.. الجهل والأمية.. الصحة.. الديمقراطية.. الأمن.. سيناء.. السياحة والاقتصاد؟! اعذرني يا سيادة الرئيس فلن أتحدث عن هذه الأمور الداخلية مرة أخرى فهناك صعوبات وفلول يقفون ضد تحسن الأوضاع في هذه الأمور، ولكن أين التغيير الحادث في علاقاتنا الخارجية، فليس هناك فلول يقفون أمام هذا النوع من التغيير؟ كيف حال مصر الآن مع دائرة الأمن القومي المباشرة (دول الحدود) ليبيا والسودان وبلاد الشام؟ لقد قطعت مصر علاقاتها مع سوريا وتحولت من موقف الوسيط الحيادي الذي يمكن أن يتدخل ليضع حلا للأزمة إلى كسب عداء أحد الأطراف لتخرج نهائيا من أي مبادرات لحل الأزمة.. وكيف هي الأوضاع في سيناء يا سيادة الرئيس؟ وما دورنا فيما يحدث من اضطرابات على حدودنا مع ليبيا والسودان؟ وننتقل لدائرة أخرى من دوائر الأمن القومي ونسأل، كيف هي علاقتنا بدول حوض النيل التي تسبب النظام البائد في تدهورها؟ هل تحسنت؟ وهل ما حدث يرضيك يا سيادة الرئيس؟ إنك يا سيادة الرئيس وبعد مرور عام كامل لم تكلف نفسك عناء زيارة الولاياتالمتحدة مرة واحدة، ونظرت إليها بناء على مواقف مسبقة ونمطية لا تعترف بها السياسة والمصالح، ولتحدثني يا سيادة الرئيس عن علاقاتنا بالدول العربية أقصد السعودية والكويت والإمارات، أقصد العراق ولبنان والمغرب، أقصد اليمن والجزائر والصومال؟ وللأمانة لا أجد يا سيادة الرئيس أي تغيير جوهري حدث بعلاقتنا بهذه الدول، ولا أجد أي دور لمصر مغايرا عن السابق، إلا بعض التغييرات السلبية. وكنت تتبنى سياسة العداء لأي من أصدقاء النظام السابق ولم تحاول أن تبني أسسا جديدة للتعاون والمصلحة بدلا من أن تتخذ موقفا معاديا. وما حال علاقتنا بإيران وتركيا؟ ولنترك التغيير ونتكلم في الآمال والطموحات.. أين الديمقراطية وانتهاء حكم الفرد؟ أين هو النموذج المصري الذي ينبغي على الآخرين اتباعه؟ وفي النهاية يا سيادة الرئيس أتمنى أن تكون رسالتي وصلت لسيادتكم وأنني سأنزل للتظاهر ليس لأعاديك أو لأسقط الشرعية، ولكن بحثا عن الأمل والتغيير سعيا لإسقاط كل من يقف أمام تقدم هذا البلد، كل من يقف في وجه تحضره وكل من يسعى لخنق وإعدام أحلامنا وطموحاتنا. مع خالص التحية والتقدير مواطن مصري