بات مصطلح «الذئاب المنفردة» من أكثر المصطلحات إثارة لرعب الحكومات والأجهزة الأمنية فى عدد من دول العالم، خصوصاً مع تصاعد التحديات الإرهابية وصعوبة التصدى لها، وتفاقم التداعيات السلبية الناجمة عنها. ثمة تعريف بسيط لمصطلح «الذئاب المنفردة» يشير إلى أن تلك الذئاب ليست سوى أشخاص يحملون فكراً معيناً، ولا ينتمون إلى تنظيم، ولا يرتبطون بجماعة، لكنهم يستخدمون العنف من أجل تحقيق أفكارهم التى عادة ما تكون أفكاراً حادة وشاذة ومريضة. من أشهر الأمثلة على عمليات «الذئاب المنفردة» حادثة الطبيب النفسى الأمريكى «نضال حسن»، الذى أطلق النار فى قاعدة «فور هود» العسكرية، وقتل 13 عسكرياً، عام 2009، ورفض الاعتراف بأنه «مذنب». وهناك أيضاً حادثة شهيرة تتعلق بالمهاجر الإيرانى «مان هارون مونيس»، الذى احتجز عشرات الرهائن فى مقهى بسيدنى، خلال شهر ديسمبر الماضى، وكان يعانى من اضطرابات نفسية. لقد شهدت مصر أيضاً عدداً من الحوادث التى يمكن نسبها إلى «الذئاب المنفردة»؛ بعضها يتعلق بشبان اعترفوا بالقيام بجرائم إرهابية؛ منها الاعتداء على عدد من رجال الأمن، أو إتلاف خطوط السكك الحديد، أو تفجير محولات الكهرباء. تقول صحيفة «واشنطن بوست»، فى موضوع عن «الذئاب المنفردة» نشرته فى شهر مارس الماضى فى أعقاب قيام «ذئبين» تونسيين بمهاجمة متحف «باردو» فى وسط العاصمة التونسية، إن «الذئاب المنفردة» تضم أفراداً «مجانين» أو «شريرين»، وهو ما أكده باحثون متخصصون فى علم نفس الإرهاب. على أى حال، فنحن للأسف نعانى من وجود ظاهرة «الذئاب المنفردة» فى مصر فى ذلك التوقيت بالذات، لكن تلك الظاهرة مزدوجة على ما يبدو. فإضافةً إلى هذا العدد غير المعلوم من «الذئاب المنفردة» التى تناصر تنظيم «الإخوان» أو تتعاطف معه، وتقوم بشن هجمات، أو زرع عبوات ناسفة، أو تفجير محولات كهرباء، أو قطع خطوط السكك الحديدية، أو إلقاء الزيت على الطرق السريعة، هناك «ذئاب منفردة» أخرى تعمل فى الاتجاه المضاد، لكنها، للأسف الشديد، تسبب لنا الأضرار ذاتها. التربويون الذين حرقوا الكتب فى إحدى المدارس، بداعى أنها تحمل أفكار تنظيم «الإخوان»، أتوا فعلاً لا تقل أضراره عن عمليات حرق محولات الكهرباء. هؤلاء المسئولون بالطبع لم يتلقوا تعليمات من قيادة تنظيمية ما، ولم ينضموا إلى جماعة هدفها إطاحة نظام الحكم، أو إحداث البلبلة، وزعزعة السلم الأهلى، وهز التماسك الاجتماعى، وتهديد القيم الحيوية، لكنهم مع ذلك ارتكبوا خطأ كبيراً لن يفيد سوى أعداء البلاد. الشرطى الذى يطلق النار متعمداً على ناشطة سلمية تتظاهر حاملة الورود، فيعطى للدول المعادية لمصر والمعاندة لمسار «30 يونيو» ذريعة للنيل من الدولة، ويؤجج مشاعر الإحباط والاحتقان والغضب لدى قطاعات الشباب، ويوسع دائرة الغضب من السلطة، ويزيد رقعة التعاطف أو التفهم الداخلى والخارجى لسلوك الإرهابيين، هو «ذئب منفرد». المسئول الذى يتراخى فى وضع الخطط واتخاذ التدابير اللازمة لحفظ حياة رجال الأمن وتأمين الحماية اللازمة لهم خلال أدائهم عملهم، بما يمكن الإرهابيين من قتلهم وذبحهم هو «ذئب منفرد»، وزميله الذى يخفق فى حماية المنشآت الحيوية، ويمكّن الإرهابيين من إصابتها وشل قدرتها على العمل، دون أن يوفر البدائل اللازمة لاستمرار خدماتها، هو «ذئب منفرد». الوزير الذى يعاير موظفة لأنها، من وجهة نظره، «سمينة»، ويسخر منها أمام زملائها، مثل الإعلامى الذى يسب ويقذف ويضلل الجمهور، مثل المنتج السينمائى الذى يُسخّر أمواله وطاقته لإنتاج أفلام قبيحة ومبتذلة تكرس التدنى وتستثمر فى الخراب.. كلهم «ذئاب منفردة». مع تصاعد الضربات الإرهابية التى تطال الوطن والمواطنين تبرز أهمية مواجهة هجمات «الذئاب المنفردة»، التى تنقسم إلى نوعين؛ أولهما: ذئاب مؤيدة لتنظيم «الإخوان» أو متعاطفة معه، وهى ذات أثر يمكن احتواؤه وتحجيم مخاطره، وثانيهما ذئاب مناصرة لمسار «30 يونيو» ومتعاطفة معه، وهى ذات أثر أفدح وأشد خطراً.