ما إن أعلن يوم 2 أبريل الجارى من لوزان بسويسرا عن توقيع اتفاق إطارى للتعاون النووى، بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن + ألمانيا، حتى بدأ تقييم مبكّر، وربما مبكّر جداً لمضمون الاتفاق وتداعياته. استبق المحللون التوقيع المنتظر للاتفاق النهائى فى 30 يونيو المقبل، فتحدث فريق منهم عن التوصل لاتفاق تاريخى يبعد شبح مواجهة عسكرية أمريكية - إيرانية عن المنطقة بينما تحدث فريق آخر عن الخطأ التاريخى الذى تحقق بالاتفاق الإطارى، وكان طريفاً أن يطالب رئيس الوزراء الإسرائيلى بتضمين الاتفاق النهائى اعتراف إيران بدولته ربما تداركاً للخطأ الذى وقع وتصحيحاً لمسار التاريخ، هذا مع العلم بأن إسرائيل هى الدولة الوحيدة التى يفترض ألا تشعر بالتهديد، فحيازتها للسلاح النووى مؤكدة وبالتالى فهى قادرة على ردع إيران حتى لو امتلكت سلاحاً نووياً. عموماً فإن الاتفاق ببنوده المعلنة يفتح الباب لتسجيل عدد من الملاحظات الأساسية، الملاحظة الأولى أن هذا الاتفاق سبقه اتفاق آخر لا يقل عنه أهمية بأى حال، ومع ذلك فإنه لم يحظ بالتحليل الواجب، والمقصود هنا اتفاق جنيف الذى وُقّع فى 24 نوفمبر 2013، والذى أحدث اختراقاً لأول مرة فى الطريق المسدود إلى تفاهم إيرانى - غربى حول الملف النووى، والأهم أنه نص على تحويل إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 فى المائة إلى 5 فى المائة فقط، وذلك مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وفى 12 أبريل من العام الماضى، أعلن على أكبر صالحى، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن بلاده أنهت بالفعل عملية التحويل تلك، ومن المعلوم أن توصل إيران لتخصيب اليورانيوم بهذه النسبة المرتفعة كان يمثل نقلة نوعية تقربها أكثر من احتمال تصنيع قنبلة نووية، وقبل هذا الاتفاق كان قد قيل كلام كثير حول نقل اليورانيوم الإيرانى عالى التخصيب لروسيا وإعادته لإيران منخفض التخصيب بما يلزم للأغراض السلمية، والقصد من وراء هذا الشرح بيان أن هناك عملية تراكمية للمفاوضات الإيرانية - الغربية، وأنه إذا صح استخدام وصف تاريخى للدلالة على اتفاق لوزان فإنه ينطبق من باب أولى على اتفاق جنيف. الملاحظة الثانية أن تأمل الاتفاق الإطارى يكشف عن عدم الثقة الغربية فى النوايا الإيرانية على ضوء تاريخ إيران فى القدرة على إخفاء أنشطتها النووية عن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو ما اتضح فى حالة منشأة فوردو تحديداً التى لم يعرف بها إلا مؤخراً. وبالتالى فإنه رغم نص الاتفاق على حصر عملية التخصيب فى منشأة ناتانز وتحديد عدد الطرّادات المركزية فى هذا الموقع ب5060 طرّاداً فقط، وخفض إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3٫67 فى المائة من 10000 كجم إلى 300 كجم لا أكثر، والتزام إيران بالسماح بالتفتيش المفاجئ لمنشآتها النووية، رغم كل تلك التدابير الوقائية، فإن احتمال مواصلة إيران نشاطها النووى خفية ما زال قائماً وكل ما أمكن عمله هو توسيع المدى الزمنى الفاصل بين لحظة اكتشاف قدرة إيران على صنع السلاح النووى، ولحظة إنتاجه ليصبح عاماً، وعندها يكون لكل مقام مقال. الملاحظة الثالثة أن هناك جملة من الأسئلة التى أثارها توقيع الاتفاق الإطارى لخصها ريتشارد هاس قبل أيام فى مقاله عن: مستقبل الصفقة الإيرانية النووية. السؤال الأول عن احتمالات تغير آراء المفاوضين خلال ما يقرب من 90 يوماً تفصلهم عن توقيع الاتفاق النهائى خاصة وقد ظهر اختلاف بين الجانبين الأمريكى والإيرانى فى تفسير بنود الاتفاق، السؤال الثانى يرتبط بسابقه ويتعلق بالسلوك المحتمل لصقور الجانبين الأمريكى والإيرانى فى التأثير على الاتفاق النهائى ولقد بدأت بالفعل المدفعية الثقيلة للمحافظين فى إيران توجه ضد تحويل المنشآت النووية إلى ملاهٍ للألعاب، بينما يحشد الجمهوريون ضد أوباما فى داخل الكونجرس، السؤال الثالث يتعلق بتوقيت رفع العقوبات، فعلى حين تتعجل إيران هذا الرفع لأسباب عديدة أهمها الحفاظ على الدعم الشعبى للاتفاق، فإن الولاياتالمتحدة تفضل التأنى حتى تفى إيران بكل التزاماتها، السؤال الرابع يتعلق بأزمة الثقة فى نوايا طهران ومدى قدرتها على الالتزام بتعهداتها، أما السؤال الخامس فيدور حول البرنامج الصاروخى المتقدم لإيران ودعمها (للإرهاب) وتدخلاتها فى العديد من الساحات العربية وجميعها عناصر لم يشملها الاتفاق، ولا صلة لها برفع العقوبات. تبقى الإشارة للكيفية التى يتعين علينا، نحن العرب، التعاطى بها مع الاتفاق الإطارى، وهنا تبرز حقيقة أن الرهان على اللعب على الاختلافات بين إيران والغرب كاستراتيجية لمواجهة التمدد الإيرانى رهان قصير النفس، لأن العلاقات تتغير وفقاً للمصالح ولو كان أحد استمع إلى الخطب العنترية للمرشد الإيرانى فى هجاء الشيطان الأكبر ما أمكنه تصور أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق، لا بل والاتفاق رغم أنف إسرائيل أيضاً! قوتنا لا ينبغى أن تبنى على ضعف الآخرين وما لم تكن هناك حصانة ضد التدخلات الإيرانية فسوف تتدخل إيران، فقط حين يقدر لكل قطر عربى بناء جبهة داخلية متماسكة ويقدر للعرب الاتفاق على معنى واضح لمفهوم الأمن القومى العربى لن تبحث قضايانا على موائد دول الجوار.