فى اليوم العالمى للمرأة، دعتنى جمعية نسائية مصرية للتحدث عن التمثيل البرلمانى للمرأة وضمانات هذا التمثيل، وهل يضمن نظام الحصص أو «الكوتة» تمثيلاً عادلاً للمرأة المصرية فى البرلمان المقبل، وهل يتعارض هذا النظام مع اعتبارات العدالة والمساواة التى قررها الدستور بين المواطنين؟ والحق أن حجم تمثيل المرأة فى البرلمانات ومواقع صنع القرار فى جميع الدول بما فيها الديمقراطيات الراسخة فى غربى أوروبا لا يتناسب مع الوزن الاجتماعى والسياسى للمرأة، فهن يشكلن نصف أى مجتمع ويضاهين الرجال فى قدراتهم وخبراتهم. بطبيعة الحال ثمة تفاوت فى حجم تمثيل المرأة من بلد إلى آخر، ويتأرجح تمثيلهن بين طرفى نقيض؛ على طرف تقف دولة مثل السويد بمشاركة نسائية فى البرلمان تكاد تقترب من نصف أعضائه (46 بالمائة) وعلى الطرف الآخر دولة مثل البحرين بمقعد واحد للمرأة فى البرلمان! وبالطبع يصطدم حق المرأة فى التمثيل النيابى فى مصر والدول العربية بقيود اجتماعية وثقافية ودينية يصعب على المرأة تخطيها بسهولة، ما يستدعى آليات تصحيحية قانونية أو سياسية تضمن للمرأة حق التمثيل والمشاركة. ونظام الكوتة -الذى يعنى تخصيص نسبة مئوية من المقاعد البرلمانية للنساء- هو آلية قانونية وسياسية تعنى فى المقام الأول بتدارك التمثيل المتواضع أو غياب التمثيل غالباً لفئات -منها المرأة- لم تنضج الظروف السياسية لمجتمعات معينة لتمكينها من المنافسة السياسية، وحمايتها من تأثير التحيزات الدينية والعرقية والمذهبية أو المتعلقة بالنوع، وهذه التحيزات نفسها هى التى ما زالت تقابل فكرة «الكوتة» بالرفض! ومع ذلك تلقى الفكرة قبولاً وانتشاراً متزايدين، حيث أخذت بها غالبية الديمقراطيات الآسيوية سواء عبر نص دستورى أو من خلال الاعتراف بها فى القوانين الانتخابية. ويوجد حالياً 80 دولة فى العالم تطبق نظام الكوتة أو هى فى طريقها لتطبيقه. ولضمان التوازن النوعى فى البرلمان نتفق مع خبراء برلمانيين بأن نسبة المقاعد البرلمانية المخصصة للمرأة يجب أن تتراوح بين 20 و40٪. وثمة اتفاق مقبول وطبيعى بأن نظام الكوتة هو تدبير مرحلى مؤقت، ينتهى العمل به متى بلغ المجتمع مرحلة النضج التى تؤهله لتذليل القيود الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التى تعرقل المشاركة السياسية للمرأة. وهى مهمة النظامين السياسى والاقتصادى للدولة اللذين يجب أن يعملا على قدم وساق لإنجاز تنمية مستدامة وعادلة، تضمن انخراط المرأة فى العمل والحصول على نصيب عادل من الثروة يصون كرامتها ويعزز قدراتها التنافسية فى المضمارين الاقتصادى والسياسى. ونظام الكوتة هو «مفهوم للتمييز الإيجابى»، لا يناقض الحقوق الدستورية، يعطى للنساء نوعاً من المساعدة المؤسسية، للتعويض عن التمييز الفعلى الذى يتعرضن له ويجأرن منه، شريطة أن يكون مؤقتاً مرهوناً بتحقيق التوازن العادل بينهن وبين الرجال. مفهوم التمييز الإيجابى لم يكن غائباً عن الأفق الفكرى للمشرع الدولى وهو يصكه فى الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الصادرة عام 1979. ويستمد مبدأ التمييز الإيجابى وجاهته من هذه الاتفاقية التى تنص المادة الرابعة منها على «قيام الدولة باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة بهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة لا يعتبر تمييزاً بالمعنى الفعلى الذى تأخذ به هذه الاتفاقية، لكن بشرط أن يستتبعه الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ فى الفرص والمعاملة». وقد نصت استراتيجية النهوض بالمرأة فى عام 2000 التى تبناها المؤتمر العالمى الثالث للمرأة فى نيروبى (1985) على ضرورة زيادة نسبة مشاركة المرأة فى مواقع صنع القرار، وحثت وثيقة بكين الدولية فى عام 1995 الدول على تعديل القوانين والتشريعات لتطوير هذه الزيادة إلى ما لا يقل عن 30٪. وقد ثبت بأكثر من دليل تجريبى أن المرأة لم تتمكن من زيادة نسبة مشاركتها السياسية إلا من خلال نص دستورى يحفظ حصة المرأة فى المواقع المنتخبة. ونظام الكوتة -فى مضمونه- لا يمثل إهداراً لمبدأ المساواة الذى يتشدق به المعارضون لنظام الكوتة، حيث إن التسليم بهذا المبدأ العام فى الدستور لم يُقصد به إخضاع كافة المواطنين لقواعد موحدة تؤمن لهم مساواة نظرية لا تأخذ بعين الاعتبار ما يوجد بينهم من تمايزات. ومنطقياً يكون تخصيص مقاعد للمرأة بوصفها تمثل نصف المجتمع، وفى ضوء غياب شروط التنافس الحر لأسباب نوهنا عنها تعوق قدرتها على الوصول إلى مجلس النواب، إنما يصبح نظام الكوتة متفقاً ومبدأ المساواة. ولا يمكن النظر إلى الكوتة باعتبارها تمييزاً ضد الرجال وافتئاتاً على حقوقهم، بل تعويضاً للمرأة -فى المجال السياسى- عن التمييز الذى تكابده بالفعل، وآلية لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص. وفى ظل الوهن الاقتصادى والهوان الاجتماعى لا يمكن أن ننتظر زيادة تلقائية فى المكانة السياسية للمرأة، ما لم يؤازر نضالها السياسى للوصول إلى البرلمان مساندة تشريعية تضمن لها تمثيلاً مناسباً. ونظام الكوتة هو الآلية القانونية المتاحة حتى الآن لتصحيح المشاركة السياسية للمرأة التى لم تتقدم كثيراً فى معظم الدول. ومبدأ الكوتة يعمق فى الأساس حقوق المواطنة -وهى التعبير السياسى والمدنى عن المساواة- وقدرة المرأة على الانتخاب والمنافسة الحرة، لذلك من المفيد القبول به مؤقتاً فى مجتمع تقليدى محافظ يجتاز مفترقاً صعباً للتحول الديمقراطى، ويطمح إلى تقليل «فجوة النوع الاجتماعى» التى نشأت بين الرجال والنساء، واتسعت بتراكمات الموروث الثقافى والاجتماعى وتدهور شروط الحياة الاقتصادية. إذا كان صندوق الاقتراع -فى تجربة إثر أخرى- فشل فى الوصول بالمرأة إلى حقوقها السياسية ومنها حق التمثيل البرلمانى، فلماذا لا نطرق -تحقيقاً للمساواة- باب «الكوتة» ولو إلى حين!