منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تخفض من توقعاتها بالنسبة لنمو الاقتصاد الألماني    مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع اليوم لمناقشة موضوعي الرهائن واجتياح رفح    طريق الزمالك.. البداية أمام بروكسي.. والإسماعيلي في مسار الوصول لنهائي الكأس    رانجنيك يوجه صدمة كبرى ل بايرن ميونيخ    حبس طالب جامعي تعدى على زميلته داخل كلية الطب في الزقازيق    مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث بالطريق الزراعي بالقليوبية    محافظ المنيا يوجه برفع درجة الاستعداد لاستقبال عيدي القيامة وشم النسيم    الثانوية العامة 2024.. مواصفات امتحان اللغة العربية    بحضور سوسن بدر.. انطلاق البروفة الأخيرة لمهرجان بردية لسينما الومضة بالمركز الثقافي الروسي    «الشيوخ» ينعي رئيس لجنة الطاقة والقوى العاملة بالمجلس    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    مصير مقعد رئيس لجنة القوى العاملة بالشيوخ بعد وفاته    السيسي: حملات تفتيش على المنشآت لمتابعة الحماية القانونية للعمال    الأهلي والالومنيوم والزمالك مع بروكسي.. تفاصيل قرعة كأس مصر    نجم الأهلي السابق: إمام عاشور أفضل لاعب في مصر    الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من مهلة الشهر بمبادرة سيارات المصريين بالخارج    «القومي للأمومة» يطلق برلمان الطفل المصري لتعليم النشئ تولي القيادة والمسؤولية    وزراة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قوات الجيش على بيرديتشي شرقي أوكرانيا    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الأرصاد: الأجواء مستقرة ودرجة الحرارة على القاهرة الآن 24    حداد رشيد حول منزله إلى ورشة تصنيع أسلحة نارية    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    ميقاتي: طالبنا المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على لبنان    بعد طرح فيلم السرب.. ما هو ترتيب الأفلام المتنافسة على شباك التذاكر؟    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 4.. جد بينو وكراكيري يطاردهما في الفندق المسكون    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    فيديو وصور.. مريضة قلب تستغيث بمحافظ الجيزة.. و"راشد" يصدر قرارا عاجلا    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «اكتشف غير المكتشف».. إطلاق حملة توعية بضعف عضلة القلب في 13 محافظة    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    البنك المركزي: تسوية 3.353 مليون عملية عبر مقاصة الشيكات ب1.127 تريليون جنيه خلال 4 أشهر    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    على طريقة نصر وبهاء .. هل تنجح إسعاد يونس في لم شمل العوضي وياسمين عبدالعزيز؟    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرة "الزمالك": بنحب مصر.. ولما بنيأس من حالها بنسافر أمريكا
ريحة الفقر فى حوارى بولاق الدكرور وميت عقبة توجع القلب
نشر في الوطن يوم 24 - 03 - 2015

قبل حوالى عشرين عاماً لم يكن الحال هكذا، كان البيت صاخباً مشعاً ببهجة ونور ونشاط، كانت الأركان ممتلئة بتحف، بعضها فضى والآخر مطلى بماء الذهب، كان «النجف» يتدلى من الأسقف، والجدران مغطاة بلوحات فنية، بعضها ممهور بكتابات إنجليزية وأخرى فرنسية، اللغتان اللتان يجيدانهما كل أفراد الأسرة، هنا فى شارع «المرعشلى» فى الزمالك، تقيم الأسرة منذ 40 عاماً، كانت تعيش تحت سقف واحد، وسُنة الحياة أجبرت أفرادها على الفُرقة، رحل الأب إلى عالم آخر وتزوجت الابنتان وبقيت الأم شاهدة على التغير الذى شهدته الأسرة فى ضوء التغير الأكبر الذى شهدته مصر عبر سنوات طويلة.
الدكتور الراحل «بهاء بكرى» أستاذ العمارة بجامعة القاهرة، الذى توفى بعد حوالى عامين من ثورة يناير، لم يكن يتوقع أن تشهد منطقة الزمالك كل هذا التغير، ولم لا؟ هى جزء من مصر التى شهدت تغيراً كبيراً عبر سنوات، رحل «بكرى» وترك زوجته «منى خالد»، إحدى سيدات المجتمع الراقى، تعافر فى مجتمع لم يعد يشبهها، مجتمع يصدمها كلما حاولت الاقتراب منه لتغييره، لكنها لم تيأس:
لما بحس بالفشل فى تقبل الواقع فى مصر بمعطياته الجديدة بسافر أمريكا عند بنتى جنين اللى عايشة هناك، كام شهر وأرجع تانى لأنى مابقدرش أبعد عن مصر كتير، لكن لما برجع باتصدم تانى.
فى مدينة «أورلاندو» فى ولاية فلوريدا الأمريكية، وقفت «منى» فى مطار «أورلاندو الدولى» تودع أحفادها الثلاثة من ابنتها «جنين» بالدموع، الجميع يبكون على فراقها، فبعد 7 أشهر من الإقامة معهم قررت أن تعود إلى مصر «أم الدنيا» التى اشتاقت إليها كثيراً، استقبلها فى مطار القاهرة أحفادها الثلاثة من ابنتها «دينا» بالدموع أيضاً، دموع الفرحة بعودتها، وما إن جلست فى شقتها فى الزمالك وتناهت إلى مسامعها أصوات الباعة والمارة وسُياس الأرصفة وجامعى القمامة وزبائن السوبر ماركت ورواد الكافيه، بخلاف كلاكسات السيارات، حتى فقدت أعصابها مقررة إغلاق نافذتها:
تعبت.. تعبت.. مصر بقت فوضى وأصوات عالية، وكل يوم أخلاقنا بتتدهور أكتر من الأول.
كانت «دينا» و«جنين» صغيرتين عندما تعلمتا من الأم الصارمة أن الكلام أثناء الطعام مرفوض، وأن احترام الصغير للكبير فرض كالصلاة والصيام، وأن الغنى والفقير واحد لا يفرقهما مال لأن الرازق هو الله، تذكرت الجدة هذه الآداب التى زرعتها فى صغيرتيها وهى توصى حفيدها الذى جاء لتوه من أمريكا بألا يختلط بابن البواب حتى لا يصاب بمرض أو تنتقل إليه عدوى:
الجدة منى: يا حاتم يا حبيبى، انت جاى فسحة وهترجع أمريكا بعد أسبوع، عايز تلعب مع ابن البواب العب، بس بلاش تاكل معاه، ممكن تتعب أو تتعدى.
حاتم بعربية مكسرة:
ليه مام، ده ابن كويس وكلنا واحد مش عشان هو فقير، أنا اتعلمت من مامى إن الغنى والفقير واحد، احنا الاتنين بنى آدمين.
وقعت الكلمات على الجدة كصاعقة، جلست على الأريكة، قفز إلى ذهنها أحد مشاهد مسلسل «يوميات ونيس»، حيث كان البطل (محمد صبحى) صاحب خلق دمث ويحاول تغيير المجتمع بمفاهيمه، لكنه اكتشف أنه يقع فى أخطاء وأحياناً يتعلم معانى جميلة من أحفاده، فالجدة التى طالما انتقدت تغير أخلاق المصريين وتراجعها، اكتشفت أنها أخطات عندما طلبت من حفيدها الأمريكى ألا يخالط أبناء البواب، ومن يومها أخذت على عاتقها تغيير المجتمع ما استطاعت، من منطلق «من رأى منكم منكراً فليغيره».
فى نادى الجزيرة حيث تقضى الأسرة راحتها الأسبوعية، جلست «دينا» الابنة الكبرى إلى جوار أمها تتابع بناتها الثلاث -«فريدة» فى الصف الثانى الإعدادى و«ياسمين» فى السادس الابتدائى و«حبيبة» فى الثالث الابتدائى- وهن يلعبن ويمارسن رياضتهن المفضلة، لم تكن الجدة راضية عن البنات الثلاث فى بعض تصرفاتهن، دائماً تلوم الأم على تهاونها مع البنات وعدم تعنيفهن عندما لا يسمعن كلامها، ودائماً ما كانت تذكرها بطريقتها فى التربية معها ومع شقيقتها «جنين».
الجدة لحفيداتها:
لما أمكم كانت قدكوا ماكانتش تقدر تفتح عينيها فىَّ، وتفهمنى من نظرة عينىَّ، يعنى إيه تقولى لأمك أنا حرة أعمل اللى أنا عايزاه.
تضحك دينا:
الزمن اتغير يا مامى، وطبيعى إن أسلوب التربية يختلف، دول شباب فيس بوك مش هتقدرى تتكلمى معاهم، كل كلمة عندهم ردها، ولو دخلتى معاهم فى نقاش مش هتخلصى.
المهندسة دينا التى تخرجت فى كلية الفنون الجميلة هى الجيل الأوسط بين الجدة والأحفاد، تقع على عاتقها مشكلة كبيرة، فثمة تناقض تعيشه بين ما تعلمته فى شقة الأسرة بالزمالك وما تحاول أن تفعله مع بناتها فى شقتهم بمصر الجديدة، تعلمت «دينا» فى مدرسة «الليسيه» بباب اللوق، درست الفرنسية وتتحدثها بطلاقة، وهو ما حاولت تقليده مع بناتها عندما ألحقتهن بالقسم الدولى الفرنسى فى مدرسة «نفرتارى الدولية» فى طريق مصر - الإسماعيلية، لكن شتان بين التعليم «على أيامها» والتعليم حالياً، تدفع «دينا» ما يفوق 100 ألف جنيه مصاريف مدرسة للبنات الثلاث، على أمل أن يحصلن على تعليم راق ومتميز، لكنها غير راضية عن مستوى بناتها.
تقول لأمها: أنا لما كان عندى 11 سنة كنت بعرف أكتب موضوع تعبير بالفرنسية، كنا بنمثل فى المدرسة مسرحيات بالفرنسية عشان تقوينا، دلوقتى بنتى الكبيرة مش عارفة تكتب باراجراف مع أن مدرستها أغلى والمفروض إنها أحسن لأنها تعليم دولى، لكن نعمل إيه! المنظومة كلها مختلة والتعليم الخاص محتاج تطوير عاجل، ومحتاج يبقى تحت رقابة وزارة التربية والتعليم لأنه تحول إلى بيزنس.
ما زالت الجدة «منى» على عهدها، بناء الشخصية المصرية هو الحل من وجهة نظرها لإعادة الأخلاق إلى المجتمع، كانت تسير ذات يوم فى الزمالك الذى لا تستطيع الخروج من حيزه إلا نادراً، اختارت أن تترك سيارتها وتترجل على الرصيف، شعرت بضيق وضجر شديدين:
فين الرصيف اللى أمشى عليه، مش ممكن اللى بيحصل ده.
تحدث نفسها وتتمتم بعبارات غاضبة، فرصيف الزمالك لم يعد كما كان، أصبح مزدحماً بأكشاك عشوائية ومختنقاً بسيارات تحيط به من كل مكان حتى لم يعد هناك مكان لصعود وهبوط المارة، أدارت وجهها بامتعاض مقررة العودة من حيث جاءت، فجأة رأت شاباً يرتدى بذلة أنيقة يشرب من كولدير مياه، حدقت فيه وصرخت:
منى: انت بتعمل إيه يا ابنى؟
الشاب: إيه يا ست فيه إيه.. خضتينى. بشرب.. هكون بعمل إيه!.
منى: بتشرب من كوز مربوط بسلسلة، انت يا حبيبى زى ابنى، إزاى تعمل فى نفسك كده، ايش ضمنك إن اللى شرب قبلك مش عنده سل ولا فيروس كبدى ولا التهاب فى اللوز ولا برد؟
الشاب: يعنى أعمل إيه؟
منى: اغسل إيديك كويس واشرب بإيديك وبلاش الكوز ده! .
ضحك هيستيرى انتاب «دينا» وبناتها وهن يجلسن فى نادى الجزيرة يتابعن حكاوى الجدة ومواقفها المنتقدة للمصريين فى الشارع:
والله يا ماما انتى بتفكرينا بعبدالسلام النابلسى، كل مواقفه كوميدية، حاسة إنك بتمشى فى الشارع رافعة مناخيرك لفوق وبتعلمى الناس الأدب، ما تتعبيش نفسك وخليكى فى حالك أحسن، احنا خايفين الناس تضربك فى مرة .
شخصيتها أقرب إلى الناظرة «حكمت» فى مسلسل «ضمير أبلة حكمت» الذى جسدته الراحلة فاتن حمامة، تسير فى الشارع غير منفصلة عما يحدث حولها، تحلم بالتغيير، وتثق فى قدرتها ولو منفردة على فعل شىء، ذات مرة كانت «منى» عائدة لتوها من أمريكا وكانت متشبعة بثقافة الأمريكيين وتحضرهم فى التعامل مع بعضهم البعض، كانت تسير بسيارتها عندما لمحت رجلاً يحمل طفلاً وإلى يمينه سيدة مسنة يبدو أنها والدته، وعلى يساره سيدة شابة حامل تبدو أنها زوجته، يقف الرجل بأسرته فى عرض الطريق، يحاول يائساً عبور الشارع، لكن قائدى السيارات لم يرأفوا بحاله ويمنحوه فرصة العبور، وقفت بسيارتها فى منتصف الشارع وسمحت للرجل بالعبور وسط صراخ الكلاكسات وأصوات تناديها بالتحرك وتتهمها بتعطيل الطريق:
واحد من أصحاب السيارات الفخمة شتمنى وقالى إيه اللى بتعمليه ده، لكن ولا همنى، عديت الراجل وطظ فى أى حد مش حاسس بواحد غلبان مش عارف يعدى الشارع.
أكثر ما يصدم «منى» هو البنى آدم:
الناس كلها اتغيرت، الأم الفقيرة بتسيب ابنها فى الشارع عشان الزمن يربيه، والأم الغنية سايبة ولادها للشغالات والدادات، أنا بشوف ناس فى نادى الجزيرة بيفتخروا إن عندهم شغالة فلبينية ولا دادة إثيوبية.
كانت «منى» مختلفة:
عمرى ما سبت ولادى لحد، كان عندى شغالة ودادة وسفرجى، لكن لما أحب أخرج أسيب بناتى مع حد من عيلتى، الدادة ما تربيش، الأم هى اللى بتربى.
الشارع أيضاً تغير، «البقشيش» أصبح فرضاً، لا أحد يؤدى مهامه بشكل جيد إلا بعد الحصول على «تيبس» أو طمعاً فى الحصول عليه:
أنا بقيت أسمع كلمة كل سنة وانتى طيبة 365 مرة فى السنة، أصبحت كلمة السر للحصول على البقشيش، بقال، سايس، زبال، بياع مناديل، عامل، مفيش حد مابيطلبش عينى عينك، وطول ما انت ماشى المفروض تدفع.
الفهلوة وقلة الأدب أكثر ما تكرهه «منى» فى الشارع المصرى، وبسببهما تدخل فى مشاكل كثيرة:
فى أمريكا لو عايزة أشتغل كوافير لازم أدرس ويكون معايا شهادة، هنا فى مصر الوضع مختلف والناس كلها بتفهم فى كل حاجة.
التحرش قلة أدب فى نظر «منى»، وتتذكر فى الستينات والسبعينات عندما كانت تسير فى الشارع مرتدية «كت» وفستاناً قصيراً ولم تتعرض يوماً لتحرش أو معاكسة
دلوقتى البنت بتبقى محجبة وأحياناً منقبة وبيتحرشوا بيها، لأ بجد بقينا قلالات أدب ومحتاجين ننضف.
لم تأخذ «دينا» من والدتها كثيراً، ما أخذته من الأب أكثر:
طول عمرى بحلم أكون مهندسة زى بابا، وفعلاً حققت حلمى واشتغلت مع بابى فى مشروعات قومية كبيرة خدمت البلد، زى تخطيط سيناء ورسم مشروعات شرم الشيخ، لكن ماكملتش، الجواز والعيال خلونى فضلت أقعد فى البيت، لكن هيكون ليَّا دور فى تغيير بلدى من خلال ترشحى لمجلس الشعب المقبل.
تفكر «دينا» فى الترشح للبرلمان فى دورته المقبلة والفرصة أصبحت متاحة أمامها أكثر بعد تأجيل الانتخابات، ترى أن على المصريين دوراً فى إنقاذ مصر من التيار الدينى الذى يعبث بمقدرات الوطن، وتحديداً مجلس الشعب الذى يلهث السلفيون وراءه ويفعلون المستحيل للسيطرة على مقاعده، لا ترى «دينا» فرقاً بين السلفيين والإخوان، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، نفس الموقف الذى تأخذه من الإخوان كجماعة إرهابية تأخذه من التيار السلفى:
إيه الفرق بينهم وبين الإخوان وداعش؟ كل الجماعات الدينية لا تريد الخير لمصر، ودورنا إنقاذ مصر منهم ومن أمثالهم.
لم تكن الأسرة العريقة بمعزل عن السياسة، والجدة التى وضعت قواعد صارمة، أهمها عدم متابعة برامج ال«توك شو» لما تحتويه من صخب وفوضى تصل إلى درجة التجاوز، لم تمنع ابنتيها وأحفادها من المشاركة السياسية والتعبير عن آرائهم فيما يحدث فى مصر وما تشهده من تغييرات جذرية منذ اندلاع ثورة 25 يناير، خافت عليهم من سوء الأوضاع الأمنية فى أعقاب الثورة، لكنها لم تمنعهم من الخروج والتعبير عن مواقفهم، ولم تمنع نفسها من انتقاد الثورة ووصفها ب«المؤامرة»، ليست هى فقط بل كل ثورات الربيع العربى التى انقضت عليها التيارات الدينية واتضح فيما بعد أنها مؤامرة تديرها أفكار ماسونية لتنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الكبير»:
عندى تحفظات كتير على الثورة، فى الأول كنت مبهورة بيها لأنى كنت ضد نظام مبارك رغم إن أسرتنا كانت على علاقة وثيقة بأسامة الباز، بمجرد ظهور الإخوان رأينا المؤامرة التى انتقلت من تونس إلى مصر ومنها إلى اليمن وليبيا وسوريا.
قرأت «منى» كثيراً فى الماسونية والتخطيط الأمريكى لمشروع الشرق الأوسط وأدركت هى وابنتها «دينا» أن مصر وقعت فى فخ مؤامرة إخوانية صهيونية لإسقاطها وإسقاط المنطقة بحروب طائفية وخلافات عرقية:
بن جوريون قال احنا مش هندمر الشرق الأوسط بالقنابل ولا بالحروب لكن هنخليه يدمر نفسه بنفسه.
فى كل اللقاءات والاجتماعات الرسمية أو العائلية، وعلى صفحتها على «فيس بوك» لا تخفى «منى» رأيها فيما أصاب مصر من بلاء بعد ثورة يناير تمثل فى حكم الإخوان، حتى أن البعض نصحها بعدم الهجوم عليهم حتى لا تتعرض لمضايقات من أنصارهم:
يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية اللى أعلنوا فيها فوز مرسى بكيت على نفسى وعلى مصر، والخواجات اللى ساكنين الزمالك نزلوا الشارع بعد إعلان النتيجة حاطين إيشاربات على شعورهم وكأنهم خايفين من الحكم الدينى، خايفين يتعرضوا لمضايقات بسبب لبسهم وشعرهم.
موقف «دينا» و«جنين» لم يكن مختلفاً عن موقف الأم، «جنين» واحدة من أبرز معارضى ثورة يناير، لكن إقامتها فى أمريكا جعلتها بعيدة عن الأحداث فى مصر، أما «دينا» فورثت عن الأم شجاعة الاعتراف بفشل الثورة وفشل حكم الإخوان، وكانت من أوائل سكان مصر الجديدة الذين جمعوا استمارات «تمرد»:
جمعت استمارات كتيرة، كنت عايزة أشارك فى تغيير مصر، رحت نادى الجزيرة وجمعت توقيعات، رحت مدارس ولادى، رحت بيوت صحابى، ماخليتش مكان فى مصر الجديدة إلا ودخلته باستمارات تمرد.. كنت خايفة على مستقبل بناتى تحت الحكم الدينى.
يوم 30 يونيو تسابق الجميع على الخروج، ذهبت «منى» إلى ميدان التحرير الأقرب إليها، وذهبت «دينا» إلى ميدان الاتحادية القريب من منزلها، المشهدان متشابهان: كل منهما تحمل علم مصر وتهتف «يسقط يسقط حكم المرشد».. «ارحل ارحل يا ابن سنية»، وقفت كل منهما فى ميدانها وسط جموع غفيرة حتى إذاعة البيان الأول للقوات المسلحة الذى أعطى نظام الإخوان فرصة 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب، خرجت «الجدة» عن وقارها، صرخت وهللت فرحاً، نطت فى الهواء كطائر حبيس ينشد الحرية:
ساعتها اتأكدت إن النظام بينازع فى أيامه الأخيرة.
فى منزلها فى مصر الجديدة استقبلت «دينا» بيان وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، الخاص بعزل محمد مرسى وتولى الجيش إدارة البلاد، أغلقت التلفاز ونزلت إلى ميدان الاتحادية وفى يديها علم مصر واحتفلت مع المصريين بعودة مصر بعد عام عصيب:
قلت قبل كده إن مصر محروسة ومحدش يقدر عليها.. التاريخ بيقول كده.
حتى بعد الثورة عندما طلب السيسى تفويضاً من الشعب لمحاربة الإرهاب لم تتأخر الأسرة فى تلبية النداء، كانت وقتها فى مارينا وحزنت لأنها لن تشارك فى الوقفة الاحتجاجية ضد الإرهاب ولن تعطى السيسى تفويضاً لمحاربته، لكن الحظ جعلها جزءاً من الحدث الذى عاشته مصر:
سمعنا إن فيه وقفة كبيرة عند مارينا 1 وكنا فى مارينا 7، أصرينا نروح هناك وبالفعل شاركنا بأعلام مصر.
مرت مصر بعد الثورتين بأحداث جسام، وطن يحاول أن يسترد عافيته بعد ثورتين متلاحقتين، وإخوان يحاولون الانتقام من شعب خرج ضدهم، وسلفيون يتصارعون على أخذ نصيبهم من الكعكة، ودول خارجية تحاول تمزيق مصر وتحويلها إلى ساحة فوضى لمصالح شخصية، ورئيس يعمل جاهداً ليداوى الوطن من جراحه، وبين كل هذا وذاك أصبحت السياسة فى كل مكان، فى الشوارع والمقاهى والنوادى وأماكن العمل والترفيه، حتى تراب الأرض اصطبغ بالسياسة، فلم يكن غريباً أن تقتحم فصول الدراسة مخلفة وراءها العديد من الخلافات، فى مدرسة «نفرتارى الدولية» لم ينصع الأحفاد الثلاثة لتعليمات المدرسة بعدم الحديث فى السياسة، خاصة «فريدة» الابنة الكبرى ل«دينا»، التى تعشق السياسة وتحلم بالالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة السوربون، ذات يوم عادت «فريدة» من مدرستها وعلى وجهها علامات غضب، حكت لوالدتها أنها تشاجرت هى وزميلاتها فى الفصل مع مدرس بسبب جريدة «شارلى إيبدو» الفرنسية التى نشرت رسوماً مسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) وخلفت وراءها أزمة كبيرة فى عدد من البلدان العربية والإسلامية:
دينا: مالك يا حبيبتى فيه إيه؟ حصل حاجة؟
فريدة: مدرس يا مامى منعنا نتكلم فى السياسة جوه الفصل، اتخانقنا معاه وتقريباً شتمنا.
دينا: طب إيه اللى حصل.. احكيلى؟
فريدة: هو قال إن رسوم «شارلى إيبدو» المسيئة للرسول حرية رأى، فإحنا اعتبرنا كلامه ده تجاوز وانتقدناه بشدة، وقلنا له ما إحنا كمان ممكن نشتمك ونقول إن دى حرية رأى وتعبير.
دينا: لا يا فريدة ما يصحش.. انتو غلطانين ماكانش لازم تقولوا كده.. ده المدرس بتاعكو ولازم تحترموه.
أدركت «دينا» أن التعليم -خاص أو عام- تنقصه عودة هيبة المدرس، ينقصه احترام الطلاب للمدرسين والتعامل معهم على أنهم رسل لهم كل الاحترام والتبجيل، هنا تدخلت الجدة «منى» التى لم تصدق ما سمعته، لم تصدق أن الحوار الذى تحكيه الحفيدة «فريدة» دار داخل المدرسة بين مدرس وطلابه:
فى أواخر السبعينات وتحت ضغط من مدير الليسيه اشتغلت معلمة لسد العجز فى المدرسين، قلت أقضى وقت الفراغ فى شىء جديد، ماكنتش بعلم الولاد قد ما كنت بربيهم، ما تقعدش كده، ماتعملش كده، ماتتكلمش كده، ما تتصرفش كده، التعليم مش حشو دماغ الطفل بمناهج، التعليم تربية وبناء شخصية، وده اللى احنا بنفتقده دلوقتى للأسف.
يوم عمل عصيب، توتر، صداع، إرهاق شديد تعانيه الجدة «منى» جعلها تفكر فى العودة إلى أمريكا لقضاء عدة أشهر كعادتها على أن تعود لتستطيع مواصلة الحياة الصعبة فى مصر، دق جرس الهاتف:
ماما وحشتينى.. احنا خدنا إجازة قصيرة وجايين مصر الأسبوع الجاى.
فرحت «منى» باتصال هاتفى تلقته من ابنتها «جنين» التى كانت تحن إلى زيارتها فى ولاية فلوريدا لرؤية أحفادها وقضاء فترة استرخاء، جلست الأم على طرف السرير تفكر فى برنامج سياحى ممتع لابنتها وزوجها وأحفادها الذين لم يزوروا مصر منذ سنوات:
هوديهم نادى الجزيرة، ده أساسى، وهوديهم الأهرامات عشان حاتم نفسه يشوفها، وممكن كمان نروح مارينا ونقضى شم النسيم هناك.
لحظات وصمتت الأم متذكرة إصابة ابنتها بمرض يمنعها من تناول أى أغذية يدخل فى محتواها القمح:
لازم أدوّر على مكان أشترى منه منتجات ال«جلوتان فرى» عشان جنين، مش أى حاجة تقدر تاكلها.
نهضت الأم، ارتدت ملابسها بسرعة ونزلت من شقتها متوجهة إلى سوبر ماركت شهير له فروع عديدة أغلبها فى المناطق الراقية، وقفت أمام البائع وسألته:
عندكم منتجات ال«جلوتان فرى»؟
البائع بعد أن استوعب طلبها بصعوبة: أيوه.. فيه نوع من المكرونة منزوعة القمح، الكيس 300 جرام ب30 جنيه.
منى: 30 جنيه!.. كتير قوى.. هى ليه الأسعار بقت غالية كده.. أمال الغلابة يعملوا إيه؟
البائع ساخراً: هما الغلابة بياكلوا ال«جلوتان فرى» يا مدام؟.
تذكرت «منى» أيام كانت عضواً فى حزب «المصريين الأحرار»، كانت قد انضمت إلى الحزب عقب تأسيسه بعد ثورة يناير، لكن لعدم ثقتها فى نجيب ساويرس بعد ذلك انسحبت منه:
كانت «منى» تذهب مع قوافل الحزب إلى المناطق الشعبية والعشوائية، يا لها من صدمة عندما ذهبت إلى «ميت عقبة» و«بولاق الدكرور» و«السيدة نفيسة» وشاهدت أطفالاً عراة يلعبون فى مياه الصرف الصحى وحولهم أمهاتهم يجلسن سوياً على أبواب منازلهن يتسامرن ويتحدثن عن أحوال البلد وعن أزواجهن الذين ينامون فى الداخل واضطرارهن إلى الخروج إلى سوق العمل أحياناً للإنفاق على أسرهن
واحدة ست قالت لى.. جوزى نايم جوه مش لاقى شغل، ولو لقى يشتغل يومين وينام يومين.
تجولت «منى» فى أحياء شعبية، دخلت حوارى وأزقة، تحدثت مع الأهالى حول التغذية والنظافة وقامت بتوعيتهم بضرورة غلى المياه قبل شربها وغسل اليدين قبل الأكل وبعده والاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المسكن والشارع:
الناس كان عندها استعداد تسمع وتتعلم وتنفذ كل كلمة بنقولها، حاسين إن ده هينفعهم فى تربية ولادهم، للأسف محدش من الدولة كان بيروح ولا مهتم بالفئة دى واحتياجاتها.
«اتفضلى يا مدام».. «اتفضلى يا ست هانم».. «اؤمرى حضرتك احنا تحت أمرك»: هكذا كانت تقابل «منى» وفريق العمل فى حزب «المصريين الأحرار» بحفاوة بالغة، فالفقر لا يمنع الكرم وسكان المناطق الشعبية كرماء بطبيعتهم:
الفقر له ريحة بتوجع قلبى كنت بشمها لما أدخل بيوت الغلابة، منظر الأطفال وهما بيلعبوا فى الميه اللى مش نضيفة وجع قلبى، يومها رحت البيت، لقيت الكلب بتاعى نايم فى سريره وجنبه طبق الأكل، بكيت، الكلب بتاعى أنا عايش أحسن من البنى آدمين، إحساس صعب قوى.
فى ليلة باردة جلست «منى» أمام التلفاز ترتدى «شالاً» و«لكلوك» رغم السجاد الذى يغطى أرضية شقتها، حاولت متابعة برامج التوك شو لكنها سرعان ما غيرت المحطة، أسامة كمال أحب المذيعين إلى قلبها، تراه موضوعياً، جاداً، جريئاً، فيما عداه لا تشاهد أحداً. «لميس الحديدى» تثير أعصابها بصوتها المرتفع، «محمود سعد» لا تحبه بسبب مواقفه العائمة، «منى الشاذلى» لا تقدر على متابعتها أكثر من دقيقتين أو ثلاث، فى ذلك اليوم كان الجميع يعلقون على المؤتمر الاقتصادى، أكبر حدث شهدته مصر منذ ثورة يناير، شاهدت الأمل فى عينيى السيسى، والمستقبل فى عيون الشباب المحيطين به، قالت فى نفسها:
شباب يفرح القلب، لو اديناله ثقة وساعدناه هينهض بمصر وهيحولها لدولة متقدمة.
تؤيد «منى» وجميع أفراد أسرتها الرئيس السيسى وتبارك كل خطواته السياسية والاقتصادية، تراه الأمل الوحيد فى عودة مصر وتحمل له جميلاً لن تنساه وهو مساعدة المصريين فى الإطاحة بحكم الإخوان:
من غيره كان زمانا دخلنا فى حيطة سد، الله أعلم كان إيه اللى هيحصل!. احنا كنا على وشك نسيب البلد.
كانت «دينا» وزوجها وبناتها الثلاث يرتبون للهجرة إلى أمريكا، زوجها صاحب شركة مقاولات، كان يرتب لتصفية أعماله والنجاة بأسرته من الحكم الدينى لولا ثورة 30 يونيو وانحياز «السيسى» لإرادة الشعب وتحمله لكل المصاعب ووقوفه فى وجه الإخوان وقطر وتركيا وأمريكا من أجل مصر:
الروح ردت فينا، كان صعب علينا نسيب مصر لكن ما باليد حيلة، كنا خلاص قربنا نفقد الأمل، لكن الحمد لله مصر رجعت تانى لينا.
اليوم الجمعة، استيقظ الجميع من نومهم مبكراً وكأنه يوم عمل، ارتدت «دينا» وبناتها ملابسهن واتصلت بالسائق الخاص بالأسرة ليأتى بالسيارة، فقد قررت أن تقضى اليوم فى منزل العائلة بالزمالك مع والدتها «منى»، لم ترفض البنات الثلاث ولم يطلبن قضاء اليوم فى النادى، فالوقت الذى يقضينه فى صحبة الجدة هو الأحب إلى قلوبهن رغم الانتقادات اللاذعة التى يتعرضن لها بسبب سلوكيات شبابية لا ترضى الجدة التى تنتمى إلى زمن قديم، «فريدة» الحفيدة الأكثر شغباً، جلست فى بهو شقة جدتها وأدارت مؤشر الريموت على مسلسل «هبة رجل الغراب»، هنا صرخت الجدة:
هبة إيه؟ المسلسل ده مستفز ومالوش أى علاقة بعاداتنا وتقاليدنا، اقفلى يا بنت واتفرجى على حاجة مفيدة.
شعرت «فريدة» بضيق لم يصل إلى درجة الندم على قضاء يوم إجازتها فى منزل جدتها التى لا تتفق معها كثيراً، لكنها قررت ألا تصمت كعادتها ودخلت فى نقاش حاد معها أوقفته الأم كالعادة.
دينا: أنا كمان قلت بلاش «هبة رجل الغراب»، مش عارفة إيه اللى عاجبك فى المسلسل ده، هو كوميدى آه بس يا بنتى لا دى عاداتنا ولا تقاليدنا، مفيش بنات بتشرب وبتلف مع شباب طول النهار زى ما فى المسلسل.
فريدة: لا يا مامى فيه، كل اللى فى المسلسل موجود فى مجتمعنا، احنا بس اللى مش واخدين بالنا أو بنعمل مش واخدين بالنا.
دينا: بالشكل ده يا فريدة؟ ما اعتقدش!
فريدة: أيوه يا مامى بالشكل ده، ومش بس فى أماكن العمل ولا فى النوادى والكافيهات، ده فى المدارس كمان، أنا ليَّا صحاب مصاحبين وبيحبوا وعايشين حياتهم.
دينا: فى السن ده يا فريدة؟ 14 سنة مصاحبين وبيحبوا؟ أمال لما يكبروا هيعملوا إيه!.
ضاقت «فريدة» ذرعاً من نقاش عقيم كثيراً ما يتكرر، ذهبت إلى جوار جدتها التى اتخذت جانباً لتعبر عن رفضها لهذه الطريقة فى التربية، لم تكن «منى» تقبل أى نقاش أو جدل فى الحق، قالت «فريدة» لجدتها:
يا تيتة أنا بحب المسلسل، قلتوا مسلسل «سيرة حب» وحش بلاش تتفرجوا عليه بطلنا، ماله بقى مسلسل «هبة رجل الغراب»؟
هنا عادت الأم إلى الحوار:
أهو «سيرة الحب ده كمان حاجة تشل، مسلسل تافه مالوش أى معنى، فين المسلسلات الهادفة بتاعة زمان، ضمير أبلة حكمت وليالى الحلمية وهوانم جاردن سيتى وغيرها، وفين أغانى أم كلثوم وكارم محمود ومحمد قنديل وعبدالمطلب، مش أوكا وأورتيجا ولا معرفش إيه.
استدعى هذا الحوار ذكريات الجدة مع زمن الفن الجميل، الأفلام الأبيض والأسود التى أثرت السينما المصرية بأعمال محفورة فى أذهان المصريين، أفلام فاتن حمامة وماجدة وشادية وعمر الشريف، يا له من تاريخ عظيم صنعته أجيال سابقة وشوهه الجيل الحالى، هكذا ترى «منى» بعد أن لمست غياب الإبداع بين فنانى هذا الجيل ومستقبليه أيضاً:
للأسف كل حاجة اتغيرت وبقت مشوهة، أنا كنت بروح حفلات أم كلثوم أستمتع بفن بيحسدنا عليه العالم كله، دلوقتى الراقصات بيرقصوا على أغانى أم كلثوم، احنا ليه بنعمل فى تاريخنا كده؟ وفين المسئولين عن هذا التاريخ؟.
يروق للجدة أحياناً الخروج مع حفيداتها فى أوقات فراغها، خاصة بعد أن توقفت أعمالها فى صناعة الورود من خامات مستوردة من اليابان، تذهب معهن أحياناً إلى النادى لكنها لا تكون معهن، يشغلها عنهن رواية فرنسية، أو كتاب للإمام محمد عبده، كذلك ابنتها «دينا» تذهب إلى النادى جسداً لكن تظل روحها معلقة بالكتب التى تملأ حقيبتها، قرأت «دينا» معظم أعمال الأدب الفرنسى وهى فى السادسة عشرة من عمرها، وقرأت الأدب الإنجليزى أيضاً، وفى مرحلة متقدمة من عمرها قرأت من الأدب المصرى روايات نجيب محفوظ وندمت على أنها لم تقرأها من قبل، فالأديب العالمى صاحب جائزة نوبل أصبح أديبها المفضل، تقرأ رواياته فتتذكر أيام دراستها فى كلية الفنون الجميلة، فنجيب أروع من كتب عن القاهرة القديمة، شارع المعز وخان الخليلى والجمالية، بحكم كونه واحداً من سكان هذه المنطقة.
«منى» مهتمة أكثر بالكتب الثقافية والدينية، قرأت فى مجالات شتى ونهمت المعرفة من مصادر مختلفة، قرأت فى كتب الأزهر ولها رأى مغاير لما جاء فى بعضها، ترفض موقف الأزهر فى أحداث كثيرة بل تهاجمه بعنف بسبب هذه المواقف:
موقف الأزهر مش عاجبنى، الإمام محمد عبده واحد من أبرز المجددين فى الفقه الإسلامى فى العصر الحديث كان معترض على الأزهر وسعى كثيراً لإصلاح جموده الفكرى، يعنى إيه الأزهر مايكونش له رأى واضح تجاه الجماعات الدينية المتشددة؟ وإزاى رفض يكفر داعش فى البداية وبعدين أدان التنظيم الإرهابى فى كل جرائمه التى لا تمت للإسلام بصلة؟ فيه شخصيات فى الأزهر جديرة بالاحترام زى الدكتور أحمد كريمة لكن الشيخ أحمد الطيب عليه علامات استفهام كبيرة.
قرأت «منى» أيضاً فى التاريخ والجغرافيا وقرأت الإنجيل وكتب الإخوان وقطبها سيد قطب وتوصلت إلى أن حسن البنا صنيعة المخابرات البريطانية وأنه السبب فى البلاء الذى تعيشه مصر حالياً لكن مصر قادرة على تجاوز كل المحن بفضل الله والسيسى:
قفوا مع السيسى لإنقاذ مصر، هو مش هيعمل كل حاجة لوحده، كلنا محتاجين نقف معاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.