يقع فى باب الشعرية ويجمع أبناء المهنة الواحدة الباحثين عن عمل إذا أردت أحداً من «طائفة المعمار» لإصلاح حائط أو ترميم عقار أو حتى نقل مواد بناء إلى طابق مرتفع، فليس عليك سوى التوجه إلى مقهى «حسن حسين» فى ميدان باب الشعرية. هناك ستجد «سوق الرجالة» منعقدة على كراسى المقهى، الكل على أهبة الاستعداد للقيام بأى عمل يُطلب منهم لحاجتهم الشديدة إلى المال. فى مقهى «الفواعلية» الذى أطلق عليه هذا الاسم طبقاً لنوعية رواده، يجلس «أحمد غانم» بزيه الصعيدى الذى لم تغيره المدينة، مفضلاً الجلوس فى المقهى عن الشارع: «بدل ما نقعد فى الشارع، القهوة مصدر رزق شيك ومحترم وعشان صاحب المصلحة مايقوليش أنا جايبك من على الرصيف». يبدأ الرجل الأربعينى يومه فى السابعة صباحاً كما اعتاد منذ حوالى 21 عاماً، يجلس فى الركن الأيسر من مقهى «الأقدمين»، كما كان يفعل فى إجازة الدراسة حتى انتهى منها، مُتعشماً فى الله أن يجود عليه ب«زبون» ليحصل على أجرة يومه 80 جنيهاً، يذهب بها إلى زوجته وأطفاله الأربعة فى شقتهم الصغيرة، معوضاً إياهم عن ترك نصف قيراط فى بلدتهم «العياط» بمحافظة الجيزة: «الزباين بتكون من الأماكن اللى حولينا، ميدان الجيش أو العتبة أو الموسكى»، وإن لم يأته أحد حتى الواحدة ظهراً، يترك المقهى ويعمل «بواب» فى أحد العقارات. يحتاج «غانم» إلى العمل لعلاج ابنيه المعاقين ب«الصم» اللذين يحتاجان إلى 4 سماعات تتكلف الواحدة منها 3200 جنيه. العزوة فى وجود أولاد الأعمام والأخوال، كانت خير سند ل«صباحى محمد جمعة» فى الالتحاق بمهنة «طائفة المعمار»، معتبراً أن «القهوة باب رزق، بنقعد عليها من 7 الصبح لحد ما تيجى اليومية، وبنصرف فى أقل اصطباحة من شاى وفطار 15 جنيه». ترك الشاب العشرينى دراسته فى أول عام من دبلوم الزراعة، وعمل «مكوجى»، و«ميكانيكى»، وأخيراً «فاعل». صاحب المقهى لا يترك مقهاه أمام «الفواعلية» الباحثين عن فرصة عمل دون أن يستفيد: «بيستفيد بالمشاريب اللى بنشربها، شاى وقهوة لينا وللى قاعدين معانا، ده كوباية الشاى بجنيه ونص واليوم اللى مابنشتغلش فيه بندفع 50 جنيه».. حسب «صباحى وغانم». ابتسامة الرضا رغم ضيق الحال لم تفارق وجه «صباحى»، الذى لم يشعر بالشقاء إلا بعد بلوغه عامه الثلاثين، داعياً المولى أن يسترها عليه وعلى أولاده وأكل العيش بالحلال، منتظراً «المقاول» أو «الزبون» حتى يُرزق بعمل يذهب بثماره إلى أسرته فى «العياط» ويدبر عيشته فى الشقة التى استأجرها مع ثلاثة آخرين ب500 جنيه فى الشهر، وإلا كان السلف حليفه إذا ضاقت جدران المقهى عن خيراتها.