فى تاريخ حسن البنا أمور تبعث إليك من بعيد إشارات ودلالات عن اهتزاز الفكرة الإخوانية بل وسقوطها أيضاً عند المقارنة بما هو حادث حالياً من الجماعة فى ساحة السياسة، فالماضى الذى يأتى بك إلى الحاضر ومن ثم يعبر بك إلى المستقبل، كيان واحد ينقسم إلى أجزاء كل منها يرسم الصورة الكاملة عن الجماعة المغلقة التى انتقلت من كراسى المعارضة إلى رحابة الحكم، فالتناقض الذى يضرب أى فكرة إنسانية يبعث إليها سريعاً بعوامل التداعى ثم الانهيار. ولنبدأ من قضية القرض الدولى الذى تراوحت فيه مواقف الجماعة بين الكذب والكذب المفضوح، وبعدها انتهت إلى الموافقة مع تبرير خزعبلى ساذج عن حلالية القرض ونفى الربا عنه، فى حين أن مرشدهم الأول قال: «اليد التى تمتد لا تستطيع أن ترتد، واليد التى تأخذ العطاء لا تستطيع أن تضرب. إننا مجاهدون بأموالنا لا بأموال غيرنا وبأنفسنا لا بأرواح غيرنا»، ومن ثم زالت فكرة الاستقلالية عن حكمهم الذى بدأ أمريكياً غربياً، بل لازمته أفعال تماثل فضائحيات حسنى مبارك فيما يخص السيادة الوطنية. وفى شأن إسرائيل، نسيت الجماعة، بمجرد وصول مرسى إلى القصر الرئاسى، الحديث عن الاستفتاء الشعبى الذى تحدثت عنه طوال السنوات الماضية للتعامل مع اتفاقية السلام مع إسرائيل، بل وزاد رئيسهم مرسى برسالته الفضيحة إلى صديقه بيريز، والتى أعتبرها إسقاطاً لأصل الفكرة التى قامت عليها الجماعة بالجهاد ضد المستعمر وتحرير فلسطين، وتداعى معها إرث كبير من أدبيات مثلث الرأس فى جسدها، بل ونالت من صميم دعوتها للأنصار المنتمين كما فعلت قبلها فى صيغ أخرى نظم العرب القومية الاستبدادية. وفيما يخص الديمقراطية أنهى الإخوان باقتدار المصلحة تراث البنا فى رفض الحزبية بتأسيس حزب الحرية والعدالة فأصبحت الجماعة برأس فيل وذيل فأر، الفيل التنظيم والفأر حزبها السياسى، فالأخير يضر ولا ينفع، يبصر ولا يرى، فالخلل رفيقه والإخفاق صديقه، ولكنه الواجب الذى يحتمه الالتزام الديمقراطى. دعوة البنا تنص على «إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات» فى حين أن الجماعة عودتنا منذ لحظة وصولها إلى الحكم أن الدعاية والإعلانات مسبوقة على كل شىء، ولتقرأ معى خطاب رئيسهم مرسى فى استاد القاهرة عن حل الأزمات الخمس لمصر وفق وعده الانتخابى رغم أننا غارقون فى الأزمات المعيشية والاقتصادية. الإخوان سقطت فى مستنقع الحكم بأحكامه وضروراته وقوانينه، ولذا صادفت التراجع دائماً فى حكمها، وتجلى ذلك فى موقفين هما عودة مجلس الشعب ثم إلغاء قرار إقالة النائب العام، وإذا أضيف التراجع إلى التنازل عن خصائص وأهداف الدعوة الإخوانية فإننا أمام تعبير عن الفشل النادر لأنه جاء بعد أكثر من مائة يوم فى القصر الرئاسى وبعد شهور من برلمان سمعنا منه الضجيج ولم نر الطحن. الجماعة فى استحقاق السلطة.. ضعيفة رغم الأتباع، الجماعة فى استحقاق السلطة.. رعناء رغم الخيلاء، الجماعة فى إدارة الدولة.. خرساء رغم الكلام، الجماعة مكبلة بالسعى التاريخى للحفاظ على رصيدها الاجتماعى فى الداخل دونما النظر إلى أن الكراسى فى المعارضة غير الكراسى فى السلطة. إذن الفكرة الإخوانية فى مرحلة التداعى وصولاً إلى سقوطها وفق مقتضيات الزمن واعتبارات السياسة وتعقد الظروف وسيطرة التيار القطبى المتشدد على التنظيم، وتمنح طريقة تفكير الجماعة رسوخاً وقوة لهذه الأطروحة؛ فحركة الإخوان المسلمين -كما يقول الراحل النابه حسام تمام «رحمة الله عليه»- لديها اعتبار عام بأن أى فشل تُمنى به الحركة فى مرحلة تاريخية ما يعد فشلاً للحركة بأكملها، فما بالك وهى تحكم للمرة الأولى! كلمة أخيرة: حسابات السلطة عسيرة لأنها تفرض تقديم الحلول وتسهيل الحياة للبشر دون دغدغة المشاعر وخطب المنابر، «ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين».. !