كانت ليلتا 9 و10 يونيو 1967 من الليالى العصيبة فى تاريخ مصر، فقبلها بأربعة أيام -أى يوم 5 يونيو- كان الجيش المصرى قد انتهى على أيدى الصهاينة وتم احتلال سيناء. لم تكن الحرب مفاجئة، بل لقد توقعها عبدالناصر باليوم والساعة والدقيقة فى اجتماعه الأخير -قبل الحرب بساعات- مع قادة الجيش قبل هجوم الطيران الإسرائيلى، وقرر أن يمتصّ الهجوم ليثبت للعالم أن إسرائيل هى المعتدية، ليتحرك بعد ذلك طبقاً لظروف اللحظة!، ولأن القدر لا يرحم بالبداهة من يفكرون بهذه الطريقة كانت الهزيمة!. خرج عبدالناصر على الشعب وقتها ليقرر أنه يتحمل المسئولية كاملة، ويعلن من وحى اللحظة تنحيه عن الحكم ليضع السلطة فى يد «زكريا محيى الدين». كان المصريون يجلسون أمام شاشات التليفزيون، وإلى جوار أجهزة الراديو، يشاهدون ويستمعون إلى خطاب «ناصر»، وكأن على رؤوسهم الطير، إذ عقدت الدهشة ألسنتهم. نظر بعضهم إلى بعض نظر المغشى عليه، كل واحد منهم يحاول أن يقرأ وجه الآخر، أو يستمع إلى صوت يهمس، أو لسان يصرخ بالإجابة عن السؤال اللغز وقتها: ماذا نفعل؟، لم يمكث المصريون على هذه الحال كثيراً، وما كان منهم إلا أن تحركوا جميعاً بوحى من هذه اللحظة، لينسالوا إلى الشوارع طالبين من «عبدالناصر» الاستمرار فى الحكم، تدفقت الجموع من كل نجع وقرية ومحافظة. وبصراخ يشبه «الصوات» فى المآتم ناشد الجميع الرئيس ألا يتخلى عنهم فى هذه اللحظة، ليتركهم أسرى الحزن والتخبط. وأغلب الظن أن ما شهدته مصر يومى 9 و10 يونيو 1967 جاء من وحى اللحظة، بصورة عفوية وتلقائية، وليس بتخطيط قيادات الاتحاد الاشتراكى حينذاك، كما يزعم البعض. لم يكن أحد وقتها يتوقع الوصول إلى هذه النتيجة، فقد كان الجميع يفهم جيداً أننا بصدد الدخول فى حرب مع إسرائيل، لكن أحداً لم يضع فى حسبانه هذه النهاية، وبالتالى كان من الطبيعى أن يتحرك من وحى اللحظة. وأمام العواء الهادر للجماهير، أذعن جمال عبدالناصر لهم، وعاد لرئاسة البلاد مرة ثانية، ليقود الشعب المصرى إلى النصر، بعد أن ذاق على يديه مرارة الهزيمة. وخرج السيد «أنور السادات» -رئيس مجلس الأمة آنذاك- يتلو «خطاب العودة» على الأمة. ومن وحى اللحظة قفز أحد أعضاء مجلس الأمة، واعتلى إحدى المناضد، ورقص «عشرة بلدى»، تعبيراً عن فرحته بعودة الرئيس!. هدأت ثائرة الشعب، وبدأ جمال عبدالناصر يعد العدة لاسترداد الأرض المحتلة، والثأر للكرامة الجريحة، وقد شاء الله فى الساعة التى بدأ عبدالناصر يفكر فيها بمنطق الخطة أن تحين لحظة لقائه بربه!.