كل «أضحى» وأنت «مذبوح». كل «ثورة» وأنت «مبارك». كل الذين أدانتهم «شرعيتك الثورية» فى «موقعة الجمل» خرجوا أبرياء ب«نص القانون»، لأن القانون لا يعرف الجمل من النملة. كل جبروت «مبارك» ونظامه لم يجرؤ على إقالة «النائب العام» أو الإطاحة برئيس تحرير صحيفة قومية أو حزبية أو مستقلة. كل المتهمين فى كل الجرائم والمذابح «طرف ثالث»، وكل طرف ثالث «ضلالة»، وكل ضلالة فى النار، ونار الثورات لا تحرق إلا أصحابها.. «وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة». كل الذين سميتهم «شهداء» ذهبوا سدى، لأنك اعتبرتهم «حقك»، وغيرك يرى أنك تريد بهم باطلاً، أما حقوقهم وقصاصك فقد أصبحا «شخابيط» على جدران الأنفاق وأسوار المنشآت العامة وثكنات الجيش وأعلام الألتراس.. أصبحا ك«علم ثورتك المباركة» تلك: مجرد خطوط حمراء وسوداء رديئة، باهتة، تحتضن جيفة «نسر» بائس، مات على أكفان هؤلاء الشهداء. كل الوعود والمشاريع وأنهار اللبن والعسل التى أجراها تيارك الدينى تحت قدميك تبخرت.. أصبحت غيوماً داكنة، تثير فى النفس خوفاً وتشاؤماً وإحباطاً وكآبة. كل أيامك أصبحت «جمعة»، وكل عشرة أمتار مربعة فى مصر -من «أسوانها» إلى «مطروحها»- أصبحت «ميدان تحرير»، وكل خصمين -حتى إذا كانا رجلاً وزوجته- تتوسطهما «مليونية»، أما أحلامك التى اندلعت فى رأسك منذ «جمعة التنحى» فقد أصبحت قوسين خانقين: «شروق من اليفط.. وغروب فى اللحى». كل الرايات «خضراء» كذباب القبور: سيفان يتقاطعان فى شعار مستحيل: ال«عيش» أصبح تراباً فى الأفواه، وال«حرية» فوضى وقلة أدب، وال«عدالة» نص مهجور.. «عدلت فأمنت فنمت يا عمر». القانون أصبح «سوستة» فى يد الرئيس، والشعب «زرار مقطوع» فى قميصه الواقى، والدولة غرفتين وصالة: واحدة للمرشد والثانية للرئيس، والصالة «سقيفة» لتوزيع الغنائم. النخبة التى ضحكت عليك وأوهمتك أنها «مشروبك الثورى».. أصبحت خمراً مغشوشة، وحديثها عن الديمقراطية «بيزنس» مشكوك فى شرعيته ودوافعه: «قليله يُسكر.. فكثيره حرام». الدين أصبح صلاة من أجل «طاغية»، وكل طاغية «مشتق ثورة»، وكل ثورة فى عين «ثورها» أحد احتمالين: إما «كوكب دُرّى يوقد من شجرة مباركة»، وإما «أبغض الحلال»، أى خراب البيوت العمرانة، لكن ثمة احتمالاً ثالثاً. لماذا لا تقول إن ما جرى ويجرى منذ 25 يناير 2011 لم يكن «ثورة» بالأساس، بل مجرد «حمل كاذب»، أو «كدبة بيضا حلوة»، صدقتها بمزاجك عندما كانت «بيضا حلوة»، أى فى الأيام الثمانية عشر الأولى، ثم غصباً عنك منذ استفتاء 19 مارس المشئوم، أى بعد أن ركبها وركبك «الإخوان والذين معهم» ودلدلوا أقدامهم فى أحشائك؟. لماذا لا تقول إنك صدقتها -فى الحالتين- لأنك فقط تكره «مبارك ونظامه»، وكنت تعتقد أنك -بسقوطهما- تحررت من «احتلال» ثلاثين عاماً، وأن مصر أصبحت أخيراً ملك يمينك؟. الآن.. أسمعك وأنت توسوس فى أعماقك: «ولا يوم من أيامك يا مبارك». أسمعك توسوس بها وأنت تربط حجراً حول وسطك، وتهرول ك«عبيط القرية» من طابور «عيش» إلى طابور «حرية» إلى طابور «عدالة اجتماعية». أسمعك توسوس بها وأنت حزين، قابع مثل «قمقم تحت بحر الضياع»: كهرباؤك مقطوعة، وطريقك مسدود، و«سيناؤك» منتهكة، و«طماطمك منجة»، وتليفزيونك «عبدالمقصود»، وفضاؤك «وجدى غنيم»، وزبالتك تحت سريرك، والبلطجية فوقه.. بينما رئيسك وحكومتك و«حريتك وعدالتك» و«نور» سلفييك مشغولون عنك بتغيير هويتك: من الجهاد فى سبيل «المادة الثانية» إلى فبركة صور إلهام شاهين؟ أسمعك توسوس بها، لكنك لا تريد أن تقولها صريحة، مدوية، لأن كلمة «ثورة» فى حد ذاتها أصبحت سيفاً على رقبتك، حتى أنك لا تريد أن تسأل نفسك من الذى سماها «ثورة»: شباب ال«فيس بوك» الذين نزلوا إلى الميدان ب«ثأر خالد سعيد»، أم نخبتك التى تأكل على كل الموائد ولحم أكتافها من فساد نظام مبارك، أم قناة «الجزيرة» وعاصمتها «قطر»، أم «الإخوان» الذين يجلسون على ضفة النهر منذ ثمانية عقود فى انتظار الجثة؟. من الذى سماها، ولماذا سميت «ثورة»: مجازاً أم نفاقاً أم انسياقاً أم حفاظاً على مكاسب قديمة أم قفزاً على مغانم جديدة.. أم لأننا فى الحقيقة شعب «فقرى» لا تعيش له «ثورة»، وإذا عاشت سرقها منه مترفوه (بورجوازية 1919، وضباط 1952، وإخوان 2011)؟