فى الوقت الذى كانت القوى المصرية، تحتشد فى مسيرات إلى ميدان التحرير، لإعلان الرفض القاطع للجمعية الإخوانية للدستور، كان محمد مرسى حاكم مصر، فى مطروح، فيما كانت جماعة الإخوان المسلمين تنصب مسرحاً كبيراً لتمثيلية انتخاب رئيس حزبها التابع المسمى «الحرية والعدالة»، تطبيقاً لمقولة مبارك الشهيرة «خليهم يتسلوا». وطافت المسيرات شوارع العاصمة، وهتف مصريون حتى تحشرجت أصواتهم، وتعبت أقدامهم من السير والوقوف طويلاً. ومثلما بدأت المليونية تحت شعار «مصر مش عزبة»، انتهت قبل منتصف الليل، لكن مصر ظلت عزبة، حاكمها فى مطروح، وحزبها الحاكم يجرى تمثيلية الانتخابات فى المدينة التعليمية، وبالمناسبة فهذه المدينة هى منشأة حكومية تابعة لوزارة التربية والتعليم التى يقودها وزير إخوانى، ولم نعرف حتى الآن بأية صفة تستضيف منشأة حكومية انتخابات داخلية، لحزب ليس حاكماً بقوة القانون ولا صاحب أغلبية ولا أكثرية نيابية بقوة القانون أيضاً. كان مطلوباً منا نحن المتفرجين السذج على انتخابات رئيس «مكتب إرشاد الحرية والعدالة»، أن نصدق تقسيمة النخبة الجاهلة التى تصنف الدكتور عصام العريان باعتباره إصلاحياً والدكتور سعد الكتاتنى باعتباره محافظاً، مثلما كان مطلوباً منا أن نصدق أن الدكتور رفيق حبيب هو قبطى فى حزب الإخوان، والحقيقة فى زعمى أنه لا رفيق حبيب ممثل للأقباط، ولا الكتاتنى محافظ ولا العريان إصلاحى. مثلما تم الترويج أن الدكتور محمد حبيب منشق إصلاحى عن الجماعة رغم علاقته الوطيدة بالجماعة الإسلامية فى أسيوط خلال الثمانينات والتسعينات، ومثلما تم الترويج أن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح منشق إصلاحى بلحية «نابتة حديثاً ولا تطول ولا تقصر»، يبدو كل شىء معكوساً، كما لو كنا فى مرآة، وقاعدة المرآة أن كل ما تراه صحيح، لكنه ليس حقيقياً، إلا إذا تذكرت أنه مقلوب. يمثل الدكتور عصام العريان، فى تقديرى، مع كل من الدكتور محمود عزت والدكتور محمد البلتاجى رأس حربة صقور الجماعة، وكل تصريحاته الشرسة والعدائية، تؤيد وجهة النظر تلك، فيما يمثل الدكتور الكتاتنى، دور الصقر الطيب حليق اللحية، ويمكن فى ذلك سؤال طلاب جامعة المنيا فى فترة التسعينات عن الوجه الآخر للدكتور سعد، وكان مطلوباً منا أن نصدق أن هناك انتخابات ليست محسومة النتيجة مسبقاً فى مكتب الإرشاد الأصلى، كما كان مطلوباً أن نصدق وننفعل بذلك التصفيق الذى أداه الحاضرون فى «القاعة الحكومية سابقاً»، ولأن الأداء لم يكن محكماً، لم يصدق كثيرون العناق الحار الذى أداه الكتاتنى أمام الكاميرات بعد إعلان النتيجة. أما الحاكم، فقد ترك محكوميه، وغادر بعيدا إلى مطروح، التى يذكرها بالخير بعد أن منحته أصواتها باكتساح، وهناك تحدث الحاكم فى كل شىء، إلا عن الغاضبين مما يحدث فى البلاد، وإلا عن الخائفين على مصر.. لك الله يا مصر.