النزاع الآخر الذى يثور الآن على الساحة السياسية يتزعمه القضاة أيضاً، وهو نزاع على موقع المحكمة الدستورية العليا فى الدستور الجديد. نزاع لا أساس له. النزاع الأول مفتعل وخاص بالنائب العام، وثبت للقاصى والدانى أن الرئاسة بريئة منه كل البراءة، بعد أن ثبت للجميع أن النائب العام كان يتفاوض على الدولة التى سيذهب لها سفيراً هل الفاتيكان أم دولة عربية يجيد لغتها. السادة الأفاضل صدقوا أنفسهم، وجيشوا جيوشهم، واحتفلوا بالنصر فى منتدياتهم، نصر على وهم أو سراب، ملكهم من هذا الوهم سوء إدارة الرئيس محمد مرسى، الذى نصحه مستشاروه بعدم أخذ ورقة على النائب العام تفيد برغبته فى الذهاب من منصبه. اليوم موقعة أخرى لا أساس لها، هى مواد الدستور، مطالب للقضاة وصراخ من ظلم فى الاختصاصات وفى التشكيل، وفى القائم بتعيين قضاة الدستورية. من يطلع على دستور 1971، وعلى قانون المحكمة 48 لسنة 1979 يجد كل الإنصاف فى المشروع الحالى، وغبنا بينا فى الدستور السابق، لم يستطع القضاة أن ينطقوا ببنت شفة كى يعدلوا هذا الوضع إبان تعديلات مبارك للدستور عامى 2005 و2007. خذ المادة 175 من دستور مبارك، تقول: «تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص التشريعية، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون..». والمادة 176 تقول: «ينظم القانون كيفية تشكيل المحكمة الدستورية العليا..». وفى هذا الشأن يقول القانون: يكون اختيار أعضاء المحكمة من بين أعضاء المحكمة العليا الحاليين - أعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين ممن أمضوا فى وظيفة مستشار أو ما يعادلها خمس سنوات - أساتذة القانون الحاليين والسابقين بالجامعات ممن أمضوا فى وظيفة أستاذ ثمانى سنوات - المحامين الذين اشتغلوا أمام محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا عشر سنوات. ويعين رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية. ويعين عضو المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وذلك من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الآخر رئيس المحكمة. ويجب أن يكون ثلثا عدد أعضاء المحكمة على الأقل من بين أعضاء الهيئات القضائية. والسؤال: ماذا عن مشروع الدستور الحالى؟ وُضعت بمشروع الدستور اختصاصات المحكمة، وهى تفسير القوانين والفصل فى دستوريتها والفصل فى تنازع الاختصاصات بين المحاكم، بل وزيد على ذلك إفتاء المحكمة فى قوانين الانتخاب. وبالنسبة لتشكيل المحكمة، جعل مشروع الدستور التشكيل خاضعا لترشيح الجمعيات العمومية للمحكمة الدستورية ومجلس الدولة ومحكمة النقض ومحاكم الاستئناف. أما دور رئيس الجمهورية فهو قاصر على التوقيع على تلك الترشيحات. ما سطر سطر كما يقول د. جمال جبريل للخشية من المحاباة فى اختيار أعضاء المحكمة. أما وظيفة الإفتاء فقد وُضعت للحفاظ على استقرار المؤسسة التشريعية التى أصبحت على المحك بعد سقوطها مرات عديدة من قبل المحكمة. الآن المحكمة ترفض تلك الوظيفة حتى تكون لها الذراع الطولى فى سقوط البرلمان كل مرة. أبعد هذا كله يقال إن هناك تغولا للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية؟! ماذا جرى؟! إن أولى مهام البرلمان الجديد يجب أن تكون وضع قانون جديد للسلطة القضائية، بعد أخذ رأى القضاة فيه، قانون يعيد التوازن بين السلطات، بعد أن اختلت تلك السلطات، ليس فقط بحكم القانون بل بحكم الأمر الواقع. لا أحد يريد تغول أى سلطة على أخرى، خاصة السلطة التنفيذية، لكن ينبغى ألا تميز فئة على أخرى، أو أن تستصرخ جماعة فى المجتمع حتى تصبح أكثر تميزاً من غيرها. الفصل بين السلطات هو من أهم أسس وقواعد النظم المتمدينة، لكن تغول سلطة على أخرى، أو إعادة التوازن حتى يصاب بخلل على الجانب الآخر سيجعل النظام الجديد الذى نبغيه جميعاً فى حالة احتضار مع بداية مولده. وعلى الله قصد السبيل.