انتهيت من عملى وانطلقت سريعاً لأطبع لك الكتابين فرحاً مسروراً، يحدونى الشوق لأن أذهب إلى «بين السرايات»؛ لأشتم عبق الجامعة العريقة جامعة القاهرة، فنزلت من المترو، وفجأة توقفت أمام مطبعة عريقة لها فى المجد أُولايات، وقد طبعت فيها قبل ذلك رسائل علمية لو حملت على ظهر بعير لأبركته. فجأة وقفت أمام فتى سمين رث تظهر عليه من علامات البؤس والشقاء الكثير، مهموماً حزيناً واقفاً وحده. فقلت له: مرحباً، أين عم أحمد؟ قال (غير مكترث): مات. قلت له: وهل أنت ولده؟ قال: لا. قلت: فمن أنت؟ قال: أنا أُجرى فى المكتبة. قلت: قد غيرتم العنوان وزدتم بعض الأمور!! قال: قد اشترينا المطبعة والمكتبة، وفتحناهما على بعضهما حتى صارا بهذا الحجم. قلت: رحم الله عم أحمد؛ فقد كنت أجلس عنده والخارج والداخل لا بد له من ضرب إحدى زوايا كتفى. قال: سبحان مغير الأحوال يا أستاذ. قلت له: أريد أن أطبع هذين الكتابين (وش وضهر) على هيئة كتاب. فسبقنى وقال: على هيئة المصحف؟ قلت: نعم. قال: معاك الفلاشة؟ أحسن هطبعهم فى المكتبة التانية. قلت: نعم، معى فلاشتى، خذها. ثم سألته: من يقف مكانك؟! قال: أنت. قلت: أنا!! كيف؟ قال: لن أتأخر عليك، سريعاً. قلت له: هل انتهيت؟ قال: فورة يا أستاذ، تأخرت عليك؟ قلت: أبداً، لا عليك. ثم قلت له: الورق كثير جداً، وهو وش فقط. وفجأة ظهرت عليه علامات الخوف والفزع وكأنك سكبت عليه كوب ماء مثلج فى ليلة من ليالى أمشير، ثم قال: نسيت أنك طلبت وش وضهر، حرام عليك يا أستاذ أنا مقدرش على تمنهم. فكم من فتيان أسرتهم أجرتهم، وصاروا عبيداً لقوم لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة، حتى إذا أخطأ الواحد منهم استُعْبِده وحُرِمَ من رزقه، متناسين بذلك حديث النبى -صلى الله عليه وسلم-: «من لا يَرحم لا يُرحم».