كنت أكتب المقال حينما ظهر لي عفريت ملأ فراغ الغرفة، انخلع قلبي وداخلتني الرهبة بسهولة فائقة حملني العفريت من قدمي.. قُلت وأنا أطير في الهواء: "الرحمة يا سيد عفريت". لكنّ غضبته كانت هائلة، عيناه كانتا تشعان نارا، ومنخراه ينفثان الهواء الساخن، لكنني بغريزة غامضة شعرتُ بالطمأنينة، إحساس خالطني بأن هذا الكائن المخيف غاضب لأسباب نبيلة. كان يؤرجحني كدُمية، ممسكا بي من قدمي، قال لي بصوت مُزمجر: "ماذا كنت تفعل؟"، قلت ورأسي يدور: "كنت أكتب المقال الذي سأرسله للنشر"، صاح وهو يصر أسنانه من الغيظ: "اسمه إيه؟"، قلت مبتسما ورأسي إلى أسفل: "مها صبري"، قال وهو يدور بي أكثر فأكثر: "مها صبري يا وغد ومصر تحترق!"، صُعقت من الرد، إذن فهذا العفريت ليس مجرد عابر سبيل، بل هو يعرف أحوال مصر ويعرفني، قلت متوددا: "يا أستاذ عفركوش صدّقني، مها صبري دي زي العسل، ولها أغنية حلوة آخر حاجة، حتى اسمع: (ثم رافعا صوتي مدندنا) ما تزوّقيني يا ماما قوام يا ماما! ده عريسي هياخدني بالسلامة يا ماما". قال العفريت مزمجرا: "خَدِتك داهية يا بعيد! قاعد تغنّي وتتمسخر وأمناء الشرطة معتصمين، والبلطجية احتلّوا 6 أكتوبر، بالذمة أنت عندك دم؟!!". قلت في غيظ: "يا عم عفركوش ليه الغلط؟ أنت شايف في إيدي حاجة! أنا حيالله كاتب"؛ قال بغيظ أشد: "طب ما تكتب.. انتقد، خلّي الناس تفتح عينيها وتفهم". قلت في صبر: "من قبل الثورة وإحنا بنكتب والمسئولين اللي في إيديهم القرار مش سائلين فينا، لما قامت الثورة افتكرنا الحال هيتغيّر، لكن مافيش حاجة أتغيّرت، بل صارت الأمور أسوأ، بذمتك يا عفريت هو القبض على البلطجية محتاج حد يكتب؟! يا عم بلاش كلام فارغ! دي حاجة تجيب الضغط وتحرق الدم.. أنا لما لقيت الكلام مافيهوش فايدة، قلت أسلّي القراء بدل الغمّ وأكتب لهم قصص وحاجات كده! غلطتش أنا يا عم عفركوش؟". قال عفركوش في تصميم: "أنا هاتصرّف"، وفجأة وجدته قد طار في الهواء ثم عاد بكل المسئولين، بعضهم كان مفزوعا، والبعض مذهولا، والبعض منهارا، الوحيد الذي كان هادئا غير مكترث هو دكتور شرف، نظر إليهم عفركوش متوعّدا بعينين حمراوين تطقان شرارا، ثم قال وهو يجزّ على أسنانه: "لمّا أنتم مش أد الأمانة بتحملوها ليه؟ أنا هاخرب بيوتكم، بس استنوا عليّ". ثم طار عفركوش وعاد وهو يحمل كل المعارضة والنخب التي تظهر في التليفزيون كل ليلة، ارتفع صراخهم وصياحهم: "هو إحنا عملنا حاجة؟ ده إحنا المعارضة!"، زمجر فيهم زمجرة هائلة، وقال متوعدا: "اخرسوا.. أنتم أسوأ منهم". بعدها طار عفركوش وعاد بالقضاة والأطباء والمعلمين وأمناء الشرطة وأساتذة الجامعات، وفي كل مرة كان يشير إليهم متوعدا قائلا: "يا ويلكم مني!!"، بعدها استند على جدار الغرفة وراح يلهث، قلت مبتسما لأذكره: "والفلول يا عفركوش هتسيبهم؟". شاهدت على وجهه الهمّ وكأنه يُدرك صعوبة المهمة، سألني هامسا بصوت مُتعب: "هو لازم موضوع الفلول ده؟"، قلت مُصمما: "دول أهم حاجة!"، تنهد عفركوش مغلوبا على أمره، ثم قال: "استعنّا على الشقا بالله"، ثم طار ورجع، وطار ورجع، وطار ورجع، وفي كل مرة يلقي بملايين البشر في فضاء الغرفة (لا أدري كيف اتسعت الغرفة لكل هذه الأعداد)، امتلأت الغرفة على الأقل بثمانين مليونا، فصحت قائلا: "هو أنت علّقت ولا إيه يا عم عفركوش؟ ده أنت جبت الشعب المصري كله!". نظر إلينا في قرف، ثم قال: "أعمل إيه؟ إذا كنتم كلكم فلول.. الله يخرب بيوتكم". نُشرَ بالمصري اليوم بتاريخ: 30/ 10/ 2011