لعلها بداية يعتبرها البعض قوية لتيار سياسى وليد يسعى لاستعادة التوازن السياسى، وتغيير الخريطة الحزبية التى تتسم بالجمود والتكلّس رغم وجود أكثر من 60 حزباً على الساحة السياسية. ففى الوقت الذى اكتفى فيه تحالف الأمة المصرية بإعلان تأسيسه فى حزب الوفد فى مؤتمر صحفى متواضع، آثر تحالف التيار الشعبى المصرى على تدشين نفسه فى مظاهرة حاشدة بميدان عابدين، تعيد للأذهان ذكرى وقفة عرابى، على الرغم من أن هذا التيار يقدم نفسه كبديل ثالث للسلطة والعسكر. وتبرز فى هذا الإطار خمس ملاحظات أساسية على مولد التيار الشعبى توجز ما يكتنف مسيرته من صعوبات وتحديات فى التنظيم والحركة والاستمرارية: - تتمثل أولى الملاحظات فى اختيار هذا التيار مسمى التيار الشعبى، وهو مسمى يحمل مجموعة من الدلالات منها أنه يمثل الأهالى فى مواجهة السلطة، ويجسد طموحات الشعب التى تتجاوز سفسطة النخبة، ويشكل أكثر تحديداً الطرف الثالث فى معادلة الإخوان والعسكر والشعب، وتصاعد المخاوف من فزاعة «أخونة الدولة»، فهل تنجح محاولات تسييس غير الحزبيين فى تصحيح اختلالات التوازن السياسى المصرى فى غياب رؤية واضحة وبرنامج متميز وتنظيم متماسك؟ - على الرغم من تأكيد حمدين صباحى أنه ليس زعيماً للتيار الشعبى المصرى، وأنه مجرد جندى ضمن حشوده، فإن صباحى الشخص والرمز يبقى مركز هذا التيار ومحوره ووقود استمراريته، وهذه نقطة ضعف رئيسية لا ينبغى تغافلها، فضلاً عن أن الباعث الرئيسى لقيام هذا التيار هو استثمار 4 ملايين و800 ألف صوت انتخابى فى كيان شعبى كرصيد يرجح كفة زعيم التيار عندما تحين لحظة المفاضلة بين أكثر من مرشح رئاسى يمثلون ما يسمى بالقوى المدنية. - أما الملاحظة الثالثة، فتتمثل فى الاعتذار الذى قدمه صباحى عما حدث من اختلاف بشأن اختيار مرشح ممثل لثورة 25 يناير فى الانتخابات الرئاسية، الأمر الذى يستوجب اعتذاراً جديداً ونحن بإزاء تشرذم جديد لتلك القوى، تمثله ثلاثة تحالفات جديدة هى: تحالف الأمة المصرية، وتحالف التيار الشعبى، والتحالف الديمقراطى الثورى، وبافتراض نجاح التحالفات الثلاثة فى الاندماج فى تحالف انتخابى يشمل كذلك حزبى الدستور ومصر، يتزايد المأزق تعقيداً ونحن نفاضل بين صباحى والبرادعى وعمرو موسى وعمرو خالد، ويومها ستكون الكلمة الفصل للحزب أو التيار الأكثر حضوراً وانتشاراً جغرافياً وارتباطاً بهموم الجماهير اليومية. - استوحى صباحى تجربة الإخوان عنقودية التنظيم وخدمية الحركة فى بناء قواعد التيار فى القرى والأحياء والعشوائيات، حيث قدم برنامجاً خماسياً يتضمن بناء شعب قاعدية، واختيار نصف قادتها من الشباب، وتكوين شراكة تعاونية لمعالجة مشكلات البطالة والأسعار وتدنى الخدمات، وتقديم نشاط ثقافى يستقطب الأعضاء، وتبنى فكر دينى مستنير لتأتى السياسة فى ذيل القائمة، وهذا الاقتداء بنموذج ثم تقديمه فى المؤتمر، ووصفه بجماعة صغيرة ومنظمة لا يحق لها الفوز بالأغلبية، يثير الدهشة عندما تصبح القدوة نموذجاً للاستهجان، وهدفاً للهجوم والترصد، فى حين أن الشعار المرفوع «التوازن السياسى لا المكايدة»!! - الملاحظة الخامسة والأخيرة تتعلق بتدشين هذا التيار القومى اليسارى، فى الوقت الذى تجمعت فيه القوى الاشتراكية والماركسية فى التحالف الديمقراطى الثورى بزعامة كمال خليل، بينما تجاهد القوى الناصرية ممثلة فى أحزاب الناصرى والكرامة والوفاق من أجل الاندماج فى حزب ناصرى جديد بزعامة سامح عاشور، الأمر الذى يخصم من رصيد التيار الشعبى باعتباره الوعاء الأوسع للفصائل القومية واليسارية، ومن ثم تنسحب صراعات النخب التى مزقت من قبل الحزب العربى الناصرى لتهدد كيان التيار الوليد رغم حرص زعيمه على نفى الطابع الأيديولوجى للتيار الشعبى. لقد تفاءل الكثيرون بصعود تيارات سياسية جديدة، وميلاد تحالفات انتخابية واعدة، ولكن يبقى هذا التفاؤل مرهوناً بمدى قدرة الداعين لتلك التيارات والتحالفات على الارتباط بنبض الشارع، والانخراط فى حركته اليومية، بغض النظر عن اسم وهوية المرشح الرئاسى المحتمل والممثل للفصائل الثورية.