الحادث جلل يدعو إلى الألم والحزن العميق، وربما تكشف التحقيقات فى وقائعه عن بعض الثغرات التى ينفذ منها المخربون ليحققوا ضربتهم المؤلمة ولكنها الحرب على الإرهاب، يوم لك ويوم عليك، والمهم من يكسب الحرب أخيراً، والأمر المؤكد أن كل الشواهد والمؤشرات على الجبهات الثلاث التى تخوض فيها مصر حربها المقدسة على الإرهاب وأولها سيناء تقول بوضوح قاطع، إن الإرهاب ينحسر رغم ضربته الأخيرة المؤلمة، وإن مصر، الجيش والأمن وكافة قوى الشعب ومعظم مؤسسات المجتمع المدنى، سوف تكبد الإرهاب هزيمة قاسية كما كبدته هزيمة سابقة فى حربها على الجماعة الإسلامية خلال ثمانينات القرن الماضى، وسوف ينكسر الإرهاب ويتم اجتثاث جذوره وربما يلقى مصرعه على صخرة مصر العتيدة، دليلى على ذلك هذه الحشود الهائلة التى خرجت تودع الشهداء مسلمين وأقباطاً فى عدد غير قليل من محافظات مصر، وتحول جميعها إلى مظاهرات غاضبة تطالب بالثأر والانتقام، بما يؤكد أن قلب مصر لا يزال قوياً ينبض عزماً وإصراراً على النصر رغم الضربة الموجعة الأخيرة! الإرهاب ينحسر فى سيناء، ومن لا يصدق هذه الحقيقة عليه أن يعود بالذاكرة عامين إلى الوراء، ويتذكر كيف سلبت الأنفاق سيادة مصر على أخطر مواقعها الاستراتيجية لتحيل سيناء إلى فوضى عارمة، تمرح فيها جماعات الإرهاب مدعومة بحكم جماعة الإخوان المسلمين وتحالفها المشين مع حماس، تبعث من سيناء السيارات المفخخة إلى داخل الوادى، تتعقب وزير الداخلية محمد إبراهيم حتى باب بيته فى مدينة نصر! وتحول سيناء إلى منطقة جذب يأتى إليها التكفيريون من كل فج، لكن شجاعة الرجال تمكنت خلال العامين الماضيين من تقويض تنظيم أنصار بيت المقدس الذى تحول الآن إلى مجرد فلول، بعد أن تم اصطياد معظم كوادره وقياداته العسكرية، وآخرهم وليد واكد عطاالله قائد التنظيم الذى ألقت قوات الأمن القبض عليه فى مخبأه داخل مدينة العريش، فى عملية ناجحة تكشف القدرة المتزايدة للأمن المصرى على اختراق التنظيم وكشف خريطته التنظيمية وعناصره النشيطة التى لا تزال تعمل فى سيناء، ولا يقل أهمية عن ذلك نجاح الأمن فى تجفيف منابع تمويل التنظيم، عندما اكتشف أخيراً الدعم المالى الضخم الذى كان يصل إلى التنظيم عبر أحد البنوك المصرية فى العريش، من خلال أفراد عاديين فوق الشبهات ثبتت علاقاتهم الوثيقة بجماعات الإرهاب! والواضح من مجمل الموقف فى سيناء، أن ما تبقى من فلول جماعات الإرهاب هناك تركز كل جهودها الآن على المنطقة الواقعة بين العريش ورفح، بعمق لا يتجاوز 20 كيلومتراً على امتداد 15 كيلومتراً تشكل حدود مصر مع قطاع غزة، يسكنها ما يقرب من 30 ألفاً ينتمون إلى قبائل السواركة والرميلات، يتركزون فى مدينتى الشيخ زويد ورفح وعدد آخر من البقع السكانية المتناثرة تشكل دروعاً بشرية يحتمى بها الإرهابيون، وتقيد حركة قوات الجيش حفاظاً على حياة المدنيين، وتلزمها موقف الدفاع من خلف كمائن ثابتة أو متحركة، وما من شك أن تطبيق حالة الطوارئ على شمال سيناء يعنى باختصار فك القيود التى تلزم القوات المسلحة موقف الدفاع الثابت، وتمكينها من الانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم النشيط الذى يتعقب هذه الجماعات ويطاردها وصولاً إلى أوكارها، ويمنع ظهورها المفاجئ على الطرق، ويخضعها للمراقبة المباشرة التى تمنعها من مفاجأة أى موقع عسكرى أو أمنى. الإرهاب ينحسر أيضاً على الجبهة الغربية، حيث تمكنت جماعاته التى وجدت فى ليبيا ملاذاً آمناً من شن هجوم مفاجئ على إحدى نقاط التفتيش فى منطقة الفرافرة، أدى إلى استشهاد 22 مقاتلاً فى يوليو الماضى، لكن الموقف اختلف الآن بصورة جذرية بعد أن تمكنت قوات الجيش الليبى مدعومة بقوات اللواء خليفة حفتر من استعادة مدينة بنغازى، والوصول إلى عمق أحياء بنينة وخليفة الكثيفة السكان والسيطرة على مطار بنغازى، وطرد جماعات الإرهاب من وسط المدينة، كما تتعرض طرابلس العاصمة لهجمات متواصلة من قوات الجيش الليبى، فككت قبضة الجماعات المسلحة على المدينة، بما يزيد من فرص تثبيت الجبهة الغربية للحدود المصرية والحيلولة دون اختراقها. ولا أظن أن أحداً يمكن أن يختلف على انحسار عمليات جماعة الإخوان المسلمين فى الداخل التى تكاد تقتصر الآن على محاولة الجماعة إفساد العام الدراسى الجامعى الجديد، وتعكير صفو الأمن العام من خلال عمليات زرع القنابل اليدوية الصنع فى أكثر المناطق ازدحاما لإثارة ذعر الأهلين، بعد أن فقدت جماعة الإخوان القدرة على الحشد وتنظيم المظاهرات فى أحياء المطرية والطالبية، آخر موقعين جماهيريين للجماعة! وبرغم محاولة جماعة الإخوان التنصل من عمليات سيناء، والادعاء بأنها جماعة معتدلة تنبذ العنف، فإن غالبية المصريين يعتقدون بحق أن جماعة الإخوان هى «أُس» الفساد والإرهاب ويرفضون هذا الادعاء، خاصة أن أصداء صيحات القبضاى الأكبر محمد البلتاجى فى اعتصام رابعة العدوية لا تزال ترن فى آذان المصريين، وهو يدعو إلى الإفراج عن الرئيس المحتجز محمد مرسى وبعدها بساعة واحدة سوف تتوقف عمليات الإرهاب فى سيناء! فضلاً عن وقائع ووثائق عديدة تتضمنها قضايا تنظرها المحاكم المصرية، تثبت العلاقة العضوية بين جماعة الإخوان وأنصار بيت المقدس وحماس غزة، وتؤكد لكل مصرى أن الإرهاب كل واحد، وأن التنسيق كامل ومستمر بين ما يجرى فى سيناء وما يجرى داخل مصر وما يجرى على حدود مصر الغربية مع ليبيا، يقوم على ترتيباته التنظيم الدولى لجماعة الإخوان متعاوناً مع أجهزة مخابرات قطر وتركيا وربما إسرائيل. وما ينبغى أن يعرفه كل مصرى، أن الهدف الأول والأساسى لعمليات الإرهاب على هذه المحاور الثلاثة ليس تقويض سلطة الحكم، لأن أياً من عمليات الإرهاب فى سيناء أو على حدود الجبهة الغربية أو داخل مصر لا تقدر على تغيير موازين القوى لصالح جماعة الإخوان المسلمين، فى ظل هذا التوحد الذى يجمع الجيش والأمن والشعب والقضاء والإعلام وكافة مؤسسات المجتمع المدنى فى تحالف واحد يرفض الإرهاب ويرفض الجماعة، وأن الهدف الحقيقى من هذه العمليات على المحاور الثلاثة هو إحباط الجبهة الداخلية، وتقويض ثقتها فى قدرة القوات المسلحة المصرية على حماية أمن مصر، ولهذه الأسباب يصبح الرد الطبيعى على هذه المؤامرة المزيد من التلاحم والتعاون والثقة المشتركة بين الشعب وقواته المسلحة، وتحفيز المجتمع المدنى على أن يقدم للأمن والقوات المسلحة كل العون الذى يمكنهما من تضييق الخناق على أنشطة المخربين، خاصة أن ما يقرب من مليون نسمة يشكلون أعضاء جماعة الإخوان وأسرهم وأنصارهم والمتحالفين معهم يعيشون بين ظهرانينا طلقاء يمارسون أنشطتهم العادية، بينما تسعى الجماعة إلى تجنيد بعضهم للمعاونة فى أعمال الإرهاب.