فى مقال اليوم نعرض جانباً آخر من إشكاليات مشروع الدستور الجديد واحتمالات تصاعد الخلاف حوله، خاصة بعد إصدار الجبهة المشكلة من دكتور محمد البرادعى والسيد/حمدين صباحى والتحالف الاشتراكى الشعبى وعدد من الشخصيات الوطنية بيانا يدعو إلى الانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور. واستكمالاً لعرض بعض المواد الخلافية ورد فى مشروع الدستور فى باب الحريات والحقوق مادة برقم 18 تنص على أن «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار(ما دامت تحترم السيادة الوطنية)، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى». وقد وجه انتقاد إلى هذا النص باعتباره أغفل المؤسسات الأهلية وهى تؤدى دوراً مهماً فى إطار منظومات العمل المدنى، كما افتقد النص المقترح شرطاً أساسياً للترخيص بإنشاء التنظيمات المذكورة ويقضى «بحظر إنشاء جمعيات أو مؤسسات أهلية أو أحزاب يكون نشاطها سريا أو ذا طابع عسكرى أو على أساس دينى أو جغرافى أو استنادا لأى مرجعية تتعارض مع المقومات الأساسية والحقوق والحريات الواردة فى هذا الدستور»، والحكمة من هذا الشرط واضحة! ونصت المادة 29 على أن «يحظر (الرق)، (والعمل القسرى)، (وانتهاك حقوق النساء والأطفال)، وتجارة الجنس. ويجرم القانون ذلك» وأغفلت المادة ذكر «الاتجار بالبشر» رغم شيوع حالات تزويج المصريات من مواطنى بعض الدول العربية مستغلين فقر هؤلاء النسوة ثم يجبرونهن على التسول والعمل فى مهن غير شريفة فى خارج مصر. وجاءت المادة رقم 35 وتنص على أن «لكل طفل، فور ولادته، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية وجدانية ومعرفية ودينية. وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند حرمانه من البيئة الأسرية، وتكفل حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع. ويحظر تشغيل الأطفال قبل تجاوزهم سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب أعمارهم. ولا يجوز احتجازهم إلا لمدة محددة، وبعد استنفاد كافة التدابير الأخرى، وتوفير المساعدة القانونية؛ ويكون ذلك فى مكان منفصل يراعى فيه الجنس وتفاوت الأعمار والبعد عن أماكن احتجاز البالغين». ويبدى ممثلو القوى المدنية ومنظمات حقوق الإنسان اعتراضهم على تلك المادة ويطرحون صياغة بديلة أكثر دقة والتزاماً باتفاقية حماية حقوق الطفل التى صدّقت عليها مصر ثم رفعت التحفظات السابق إبداؤها عليها، كما ضمنتها قانون الطفل، والصياغة المقترحة تنص على أن «لكل طفل وطفلة فور الولادة، الحق فى اسم لا يسىء لحامله، وجنسية، وأوراق ثبوتية مجانية، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية وجدانية ومعرفية ودينية وأخلاقية. تكفل الدولة إعمال مبادئ عدم التمييز بين جميع الأطفال، ومشاركة الطفل ورعاية مصلحته الفضلى فى كل أمر يخصه، وتزويده بالمعرفة اللازمة لممارسة حقوقه وواجباته. وتلتزم الدولة برعاية الأطفال وحمايتهم من كافة أشكال العنف والإساءة والاستغلال وخاصة الأطفال ذوى الإعاقة والأطفال المعرضين للخطر. كما ترعى الأطفال المحرومين من البيئة الأسرية وتوفر لهم رعاية بديلة آمنة وصحية. ويحظر تشغيل الأطفال قبل الانتهاء من مرحلة التعليم الأساسى أو قبل بلوغ سن 15 سنة، ويحظر تشغيل الأطفال بعد هذه السن فى أعمال خطرة. ولا يجوز احتجاز الأطفال إلا لمدة محددة، وبعد استنفاد كافة التدابير الأخرى، وبعد توفير المساعدة القانونية؛ ويكون ذلك فى مكان منفصل يراعى فيه جنس الطفل وتفاوت الأعمار والبعد عن أماكن احتجاز الراشدين». وحكمة النص على حظر تشغيل الأطفال أن ذلك يمثل أهم التزامات المجتمع المصرى حرصا على حصولهم على الحد الأدنى للتعليم والرعاية، كما ينص قانون الطفل على إمكانية عمل الأطفال فى الإجازات الصيفية فى أعمال مناسبة وغير خطرة بشرط تجاوزهم سن الثالثة عشرة. إشكالية المواد الملغاة استحدث مشروع الدستور عدداً من المواد فجرت موجات هائلة من الرفض والانتقاد من جانب القوى الوطنية المساندة للدولة المدنية معارضة لتوجهات تحمل بدايات لدولة دينية. وترتب على الرفض المجتمعى أن تراجعت الجمعية التأسيسية عن تبنى تلك المواد وظهرت تحت عنوان [مواد مستحدثة ملغاة] فى المسودة الأولى للدستور المنشورة على الموقع الإلكترونى للجمعية التأسيسية www.dostour.eg]، منها فى باب المقومات الأساسية للدولة المادة رقم 3 وكانت تنص على أن «لأتباع المسيحية واليهودية الحق فى الاحتكام إلى شرائعهم الخاصة فى أحوالهم الشخصية، وممارسة (شئونهم) أو (شعائرهم) الدينية واختيار قياداتهم الروحية»، والمادة رقم 4 التى كانت تنص على أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة، مقرها القاهرة، ومجالها العالم الإسلامى، والعالم كله، تختص بالقيام على كافة شئونها، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضها ويكفل القانون ذلك. ويكون رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف المرجعية (النهائية) أو (الأساسية) للدولة فى كافة الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية (ومبادئها)، طبقا لمذاهب أهل السنة والجماعة»، والمادة رقم 9 التى كانت تنص على أن «الذات الإلهية مصونة يحظر المساس أو التعريض بها، وكذا ذوات أنبياء الله ورسله جميعا، وكذلك أمهات المؤمنين، والخلفاء الراشدين»، والمادة 45 التى كانت تنص على أن «تعمل الدولة على إيجاد مؤسسة عامة تقوم على تحصيل الزكاة من المكلفين بها، وفق أحكام الشريعة الإسلامية، مع مراعاة ترك نسبة محددة منها ليتولى الملتزمون بها التصرف فيها لصالح المستحقين من ذويهم. كما تتولى تحصيل زكاة الركاز من المؤسسات العاملة عليها وتتولى إنفاق كل ما يصل إليها فى مصارفها الشرعية»، والمادة رقم 46 التى كانت تنص على أن «الرموز الوطنية المعنوية واجبة التوقير والاحترام، ويحظر ازدراؤها وفقا للقانون». والمادة رقم 47 التى كانت تنص على أن «تعمل الدولة والمجتمع على حماية الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى». وما تمثله إشكاليات المواد الملغاة من خطر هو احتمال إعادتها فى المسودة النهائية لمشروع الدستور ومفاجأة الرافضين بالتصويت عليها اعتماداً على الأغلبية التى يتمتع بها ممثلو حزب الحرية والعدالة وحزب النور وهم الذين سبق لهم تقديم هذه المقترحات وذلك برغم تصريح رئيس الجمعية التأسيسية بأنه متمسك بالتوافق على جميع مواد الدستور حيث تجيز اللائحة الداخلية للجمعية الالتجاء إلى التصويت حين لا يتم التوافق على أى مادة! وفى النهاية تطالب القوى المدنية باستحداث مادة جديدة تنص على أن «المبادئ والحقوق والحريات الواردة فى هذا الدستور لصيقة بشخص المواطن ولا تقبل تعطيلا أو انتقاصا أو إيقافا. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحق أو الحرية أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها»، باعتبار أن هذا الضمان لازم لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم حتى لا يتكرر استغلال التشريعات لإخلاء النص الدستورى من مضمونه، كما أنه يتسق مع ما جاء فى دستور 1954. والأمل أن تواصل القوى الشعبية والأحزاب الوطنية الجهاد للوصول إلى دستور يعبر عن ثورة الشعب ولا ينفرد بصياغته أو محاولة تمريره فصيل واحد.