حدثتكم الأسبوع الماضى عن عالم الاقتصاد البنجلاديشى «محمد يونس» الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006، وكيف أنه اصطدم بفقراء من بلاده، أثناء المجاعة، تعوزهم مبالغ جد زهيدة تصل إلى أقل من دولار واحد، لعمل مشاريع صغيرة تكفيهم السؤال والمذلة أو الموت جوعاً. وحين واجهته تلك الحالات، شعر بهول الفجوة بين النظريات الاقتصادية التى تملأ قاعات المحاضرات والمؤتمرات الدولية فى كل الدنيا، وبين الواقع الأليم الذى لم يستطع توفير تلك القروش القليلة لامرأة تودُّ إطعام أطفالها، أو لهيكل عظمى لرجل بائس لا يجد قوت يومه إلا بمشروع متناهى الصغر لا يجد بضعة دولارات لتحقيقه. ما جدوى كل تلك النظريات المحترمة إن كان هناك بشر فوق الأرض ينتظرون الموت جوعاً ولا يجدون تمويلاً قليلاً لمشاريع بسيطة تسد رمقهم؟ دار «يونس» دورة واسعة على بنوك بنجلاديش لكى يقنعهم بإقراض الفقراء مبالغ ضئيلة جداً (20 دولاراً مثلاً) لتمويل مشاريع صغيرة، فرفضت البنوك إقراضهم بحجة أن الفقراء لا يمكن الوثوق بهم (!) ولن يعيدوا المبالغ للبنك. فقال لنفسه: «لماذا أحاول إقناعهم ما دمتُ مقتنعاً بنزاهة الفقراء؟! لماذا لا ننشئ مصرفاً مستقلا؟» وبالفعل، أنشأ عام 1983 بنك «جرامين» الذى يخدم الآن 46 ألف قرية فى بنجلاديش من خلال 1267 فرعاً، و12 ألف موظف. أقرض هذا البنك أكثر من خمسة مليارات دولار على شكل قروض صغيرة تتراوح بين 12 و15 دولاراً. بل يقوم بإقراض المتسولين لمساعدتهم على التوقف عن التسول والبدء فى العمل. كما يقدم قروضاً لشراء منزل تبلغ 300 دولار. قد ترون هذه المبالغ زهيدة ولكن دعونا نفكر فى كيف تغير تلك القروش حياة بعض الناس. «500 مليون دولار كل عام تُقرض لما يقارب أربعة ملايين إنسان، معظمهم الساحق (96٪) من النساء». حدث كل هذا التغيير الضخم فى حياة ملايين الناس بسبب مشهد عابر شاهده البروفيسور محمد يونس لامرأة تصنع كراسى الخيزران بإتقان وجمال وفن. فبدأ فى الدردشة معها، ليكتشف أنها تكسب 2 سِنت أمريكى كل يوم فقط (حوالى 15 قرشاً). اندهش أن يكون ذلك المبلغ التافه مقابلاً مقبولاً لامرأة تكد وتتقن عملها وتُنتج هذا المنتج الجميل من الخيزران، لكنه أدرك السبب حين اكتشف أن المرأة لا تملك المال الكافى لشراء الخيزران فتقترضه من تاجر (شاطر) يشترط عليها أن يشترى الكراسى منها بالسعر الذى يحدده هو، وهو الفتات، ليبيعه هو بعد ذلك بأرقام هائلة. فكأنه يشترى جهدها الثمين طوال اليوم بحفنة من قروش الطمع. ولما سألها كم يكلِّف شراء الخيزران؟ ذهل حين عرف الإجابة: عشرون سنتاً (جنيه ونصف). بعد ثورتى مصر الهائلتين، هل آن الأوان لأن تنظر حكوماتُ مصر وحاكمُ مصر المنتخب بمحبة المصريين، إلى المعدمين والفقراء وأطفال الشوارع والعاطلين الذين يملأون دروب مصر وأزقتها؟! هل تقوم الحكومة المصرية بما قام به العظيم «محمد يونس» فتنقذ أسراً لا حصر لها من الموت جوعاً، أو الانحراف والخروج عن القانون، أو التسوُّل؟ السؤال الثانى: كم رجل أعمال مصرياً، يجب أن يكون «محمد يونس»؟