واصل محمد يونس مؤسس بنك الفقراء جرامين في بنجلاديش زياراته لمنازل الفقراء في قرية تسمي جوبرا, يقول: كنت أبحث عن أنسب الطرق لمساعدة البائسين بشكل مباشر. صدمته الحقيقة المذهلة حيث كانت أسر بكاملها تعمل لتحصل علي سنتين فقط ربحا في اليوم وهو الذي يقوم بتدريس نظريات بملايين الدولارات في الجامعة بينما رأي أمامه مشكلة تكمن في مجرد الحصول علي بضعة قروش زهيدة, وهو الأمر الذي يفرق بين الحياة والموت, وأن ما يقوم بتدريسه في الجامعة لايعكس واقع حياة هؤلاء الفقراء المعدمين, وغضب غضبا شديدا من نفسه ومن قسم الاقتصاد بجامعته ومن الأساتذة اللامعين الذين لايحاولون تحديد المشاكل الحقيقية والبحث عن حلول لها. حلل محمد يونس المشكلة تحليلا دقيقا هو وتلاميذه, ووصل إلي أن أناسا يعيشون في فقر ليس بسبب غبائهم أو كسلهم فهم يعملون طيلة اليوم ولكن المؤسسات المالية في الدولة لاتقدم لهم يد المساعدة لمحاولة رفع مستوي معيشتهم, كما لاتوجد جهة مالية رسمية تمدهم باحتياجاتهم المالية, وقرر إقراض فقراء جوبرا المبالغ التي يحتاجونها لبيع منتجاتهم في ظل سوق حر للحصول علي أعلي عائد مقابل عملهم, ولن يقعوا تحت رحمة ممارسات الربا, كما أنه لم يكتف بذلك, بل فكر فيإيجاد مؤسسة رسمية تتولي إقراض المال لمن يحتاجه من هؤلاء الفقراء العاملين الذين لايملكون أية ضمانات. نجحت التجربة بعد معاناة مع البنوك في بنجلاديش وصدق حدسه في الفقراء الشرفاء الذين سددوا98% من القروض إيمانا منهم بأن هذه القروض هي أملهم الوحيد في النجاة من الفقر. ولأن الرجل أخلص وسما بالفكرة فقد اهتدي لإنشاء بنك جرامين في يناير1977, وتعلم كيف يدير الآخرون عمليات القروض,وتعلم من أخطائهم, وأدرك أن نظام تسديد المبالغ المدفوعة علي فترات زمنية طويلة يقضي علي المشاكل التي يمكن أن تنشأ بين المقرضين والمقترضين. قرر يونس تصميم نظام ائتماني خاص لبنك جرامين يقوم علي سداد الدين بشكل يومي ومتناه في الصغر لتسهيل عملية السداد, وهكذا فقد وصل تسديد القرض بمايساوي20 سنتا أي اقل من ربع دولار يوميا,. وقد يثير هذا الكلام الضحك ولكن العملية ببساطة كانت تعبر عن الثبات والتدرج والإستقرار. إن القوة الكامنة في المبلغ الزهيد كما يقول تذكرنا بقصة السجين الذكي المحكوم عليه بالإعدام, عندما أحضره الحرس أمام الملك في يوم إعدامه منحه الملك الحق في أمنية أخيرة, فطلب السجين من الملك أن يتم وضع حبة أرز واحدة علي أحد مربعات لوحة الشطرنج التي أمام الملك علي أن يتم مضاعفتها لكل مربع من المربعات المتتالية, فوافق الملك وهو لايعي قوة هذه المتتالية الهندسية التي حددها السجين الذكي, لأن الأمر لم يستغرق كثيرا حتي أصبح السجين ملكا علي كل المملكة. وللحديث بقية. المزيد من أعمدة سهيلة نظمى