على أمل صدور ترخيص بناء يسمح لهم بإقامة عمارات سكنية تضم الشقق التى حلموا بها على قطعة الأرض الكبيرة التى اشتروها، عاش أكثر من ألف فرد من أعضاء «جمعية بداية لتنمية المجتمع» طوال عامين. راحت أعينهم تتابع بشغف سيل المكاتبات الذى لا ينقطع بين رئيس مجلس إدارة جمعيتهم وحى الدقى الذى يقع فيه شارع مقار، حيث تشغل قطعة الأرض رقم «1» منه. يطلب الحى من الجمعية أوراقاً ومستندات لازمة لإصدار الترخيص، ولا تقصر الجمعية. يغيب الترخيص لأسباب مختلفة، تلجأ الجمعية للجهات المختصة لتشكو ما تسميه «تعنت الحى» فى إصدار الترخيص، تُصدر إحدى الجهات المختصة قراراً يُلزم الحى بإصدار الرخصة طالما استوفت الجمعية مستنداتها، ينصاع الحى أخيراً ويُصدر الترخيص، فيُصدر محافظ الجيزة من فوره قراراً بإيقاف الترخيص وإيقاف المهندسة التى أصدرته عن العمل وإحالتها للنيابة العامة، يبقى الوضع على ما هو عليه، فيما المتضررون يلجأون للقضاء. الحكاية يرويها محمد عيسى محمد، المحامى، أحد أعضاء جمعية بداية، فيقول إن علاقتهم كأعضاء بقطعة الأرض رقم «1» شارع مقار بحى الدقى بدأت قبل عامين، حين قامت الجمعية بشراء قطعة الأرض التى تبلغ حوالى 19 ألف متر من شركة كوكاكولا لإقامة 16 عمارة سكنية لأعضاء الجمعية البالغ عددهم أكثر من ألف عضو، وبعد أن تم الشراء تقدمت الجمعية للحصول على الترخيص من الحى، وبعد استيفاء كل الأوراق والمستندات فوجئ الأعضاء بمماطلة الحى فى إصدار الترخيص بدعوى أن الأرض المزمع إقامة مشروع سكنى عليها هى فى الأصل مصنع لتعبئة زجاجات كوكاكولا، ولا يجوز طبقاً للقانون تغيير النشاط من صناعى إلى سكنى إلا بعد دفع «مقابل تحسين»، أى مقابل تغيير نشاط. وافقت الجمعية وعرضت دفع أى مبلغ يطلبه الحى أو محافظة الجيزة التى يتبعها حى الدقى، إلا أن أحداً لم يحدد لهم قيمة المقابل، رغم أن الجمعية اشترت قطعة الأرض خالية من أى مبان صناعية، حيث حصلت الشركة على ترخيص من حى الدقى فى عام 2007 بهدم مبانى المصنع، ورغم أن الحى سبق أن قام بإصدار ترخيص لسفارة فلسطين بإقامة مبنى إدارى، بدلاً من سكنى، وأرجأ الحصول على مقابل التحسين أو تغيير النشاط بعد أن قام الممثل القانونى لسفارة فلسطين بالتعهد والإقرار بالاستعداد التام لسداد مقابل التحسين، وفى نفس الوقت جاء رد وزارة الاستثمار على محافظ الجيزة الذى أرسل يسأل عن مدى جواز إقامة مشروعات سكنية فوق قطعة الأرض المملوكة لشركة كوكاكولا لينص على «العقد المحرر لبيع جميع الأسهم التى تمثل رأس مال شركة النصر لتعبئة الزجاجات (كوكاكولا) لم يتضمن ثمة إلزاماً على المشترى بالاحتفاظ بأراضى الشركة لمزاولة النشاط عليها، وبالتالى فإن رغبة الشركة فى التصرف فى بعض الأراضى المقام عليها المصنع تستتبع إلزام شركة كوكاكولا بسداد مقابل تغيير النشاط بعد موافقة كل من المحافظة المختصة وهيئة التخطيط العمرانى». وقبل أن تفيق الجمعية من معركة «مقابل التحسين» واجهت مشكلة جديدة، ألا وهى نزاع مع المحافظة على قطعة أرض داخل ممتلكات الجمعية تبلغ مساحتها 5 آلاف متر قالت المحافظة إنها «أملاك دولة». وقتها وقّع الدكتور على عبدالرحمن، محافظ الجيزة، بالموافقة على رأى للمستشار محمد مصطفى ماضى، المستشار القانونى للمحافظة، جاء فيه: «فى حالة تعديل المساحة المطلوب الترخيص للبناء عليها، واستبعاد المساحة المتنازع عليها -أملاك دولة- يتم السير فى إجراءات منح الترخيص وفقاً للاشتراطات والإجراءات المنصوص عليها فى القانون رقم 119 لسنة 2008، بما فيها تحصيل مقابل التحسين». وبالفعل جرى الفصل بين قطعة الأرض المملوكة للجمعية البالغة مساحتها حوالى 19 ألف متر، وبين قطعة الأرض المتنازع عليها وهى 5 آلاف متر، تبع ذلك إصدار حى الدقى بياناً بصلاحية قطعة الأرض المملوكة للجمعية، 19 ألف متر، من الناحية التخطيطية والبنائية. انتعش الأمل فى قلوب أعضاء الجمعية، شعروا بدنوّ حل مشكلاتهم، راحوا يجهزون أوراقهم للحصول على الترخيص، إلا أن مشكلة جديدة قفزت فى وجوههم، تمثلت فى اعتراض محافظة الجيزة على عقد بيع قطعة الأرض المحرر من شركة الكوكاكولا لجمعية بداية، وهكذا وجد الأعضاء أنفسهم مرة أخرى، كما يقول المحامى محمد عيسى، أحد الأعضاء، يدورون فى دائرة مغلقة، ما بين قطعة الأرض المتنازع عليها ومقابل التحسين وعقد الملكية. راح شعور خفى يتسلل إليهم مؤداه أن هناك مماطلة متعمدة فى إصدار الترخيص، وعليه توجهوا بالشكوى لجهاز التفتيش الفنى على أعمال البناء التابع لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، الذى أصدر قراراً لحى الدقى بالسير فى إجراءات الترخيص طبقاً لأحكام القانون ولائحته التنفيذية، إلا أن أعضاء الجمعية فوجئوا برفض محافظ الجيزة تنفيذ القرار، وعُرض الأمر مرتين على إدارة الفتوى بمجلس الدولة التى جاء ردها برفض منح الترخيص ببناء عمارات سكنية على قطعة الأرض، مستندة إلى أن ملكية شركة كوكاكولا للأرض مقيدة بقيد هو ضرورة الحفاظ على النشاط الرئيسى لها. مرة أخرى وجد الأعضاء أنفسهم فى نفس الدائرة المغلقة، راحوا يرسلون بالاستغاثات إلى كل المسئولين فى الدولة، ولا من مجيب. طرقوا أبواب الجهات المختصة، وانتهى بهم المطاف من جديد فى جهاز التفتيش الفنى على أعمال البناء، الذى أصدر قراره الثانى لحى الدقى بالسير فى إجراءات الترخيص. وعليه قامت مديرة الإدارة الهندسية بحى الدقى بإرسال خطاب لمحافظ الجيزة تعلمه فيه بأنه «جار السير فى صرف الترخيص»، وهو الخطاب الذى أشّر عليه المحافظ بالعبارة «السيدة رئيس حى الدقى، لتأكيد استيفاء الملف الخاص بمستندات الترخيص من حيث الملكية ونوع النشاط وقيوده والأثر المرورى والإفادة بالعلم»، وهو ما يقول أعضاء الجمعية إنهم استوفوه بالفعل. وعليه صدرت الرخصة فى 13 أغسطس الماضى، غير أنه بمجرد صدور الترخيص، قام المحافظ بإيقافه وبإحالة المهندسة المختصة للنيابة العامة، وأعلن أنه فى سبيل إعادة عرض المشكلة مرة ثالثة على إدارة الفتوى. يقول اللواء محمد الشيخ، سكرتير عام محافظة الجيزة، إنه عند وصول تقرير جهاز التفتيش الفنى لحى الدقى قامت المحافظة بإرسال خطاب للحى بإرجاء إصدار الترخيص، لحين العرض على إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة، نظراً لصدور فتويين منها بعدم منح الترخيص، وكذا توصية لجنة فض منازعات الاستثمار بمجلس الوزراء الذى رفض طلب الترخيص بالبناء على قطعة الأرض، إلا أن مديرة الإدارة الهندسية قامت بإصدار الترخيص رغم عدم استيفاء شروط الترخيص، الأمر الذى دفع المحافظ لإصدار قرار بإيقافها عن العمل وإحالتها للنيابة العامة، مشيراً إلى أن المحافظة قامت بإرسال الموضوع إلى إدارة الفتوى والسيد رئيس الوزراء والسيد وزير الإسكان للإفادة بالتوجيه بما تتخذه المحافظة بشأن تنفيذ أى الرأيين، رأى إدارة الفتوى أو رأى جهاز التفتيش الفنى على أعمال البناء، مؤكداً أن المحافظة ستلتزم بالرأى الذى سيصدر فى هذا الموضوع. على أن أعضاء الجمعية لم يصمتوا، قاموا بإرسال شكوى للجنة متابعة تطبيق قانون البناء المشكلة بوزارة الإسكان، يتضررون فيها من التعنت فى التوقف عن إصدار الرخصة، وجاء رد اللجنة بتاريخ 8 أغسطس لينص على أنه «تبين للجنة من خلال دراسة الأوراق المقدمة ما قد يتوافر معه شبهة سوء نية بخصوص العقد المبرم بين شركة كوكاكولا وجمعية بداية»، الأمر الذى رفضه أعضاء الجمعية، متسائلين عن موقع عبارة «شبهة سوء نية» من القانون العام. ولهذا فقد واصلوا طريقهم بأن قاموا بإرسال إنذارات على يد محضرين إلى محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة والمستشار القانونى للمحافظة، ورئيس حى الدقى ووزير الإسكان والمجتمعات العمرانية. الأخير رد عليهم على لسان مدير عام الشئون القانونية والتشريعية بالوزارة مسانداً قرار المحافظ باعتباره «ممثل السلطة التنفيذية للمحافظة، والرئيس الإدارى الأعلى للجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم المنوط بها إصدار التراخيص قانوناً»، ما دفع أعضاء الجمعية إلى مواصلة السير فى الطريق القانونى بحثاً عن حقوق لهم يحلمون بالحصول عليها.
