حجر ضخم من البازلت الأسود، يصل طوله إلى 118 سم، وعرضه 77 سم، وسُمكه 30 سم، منقوش عليه ثلاثة نصوص مختلفة. أبكم لم يبح عن رموزه التي حيرت الجميع وخاصة العلماء لسنوات، إلا أنه في عامه الثالث والعشرون حلّت كلماته، وأنهار الغموض الكامن عليه، مقدمًا لعلماء المصريات مفتاحًا ثمينًا لفك رموز اللغة الهيروغليفية القديمة، إحدى النقوش التي كتبت على "حجر رشيد". ففي أغسطس سنة 1799، عثر أحد ضباط الحملة الفرنسية ويدعى بيير بوشار، وكان ضابطًا مهندسًا، أثناء قيامه بأعمال هندسية عند "قلعة جوليان" قرب مدينة رشيد، على الحجر تحت أنقاض هذه القلعة، لذلك سمي بحجر رشيد نسبة إلى اكتشافه بالقرب منها، منقوشًا عليه نص بثلاثة لغات وهم، الهيروغليفية والديموطيقية (اللغة العامة المصرية) واليونانية، وكان عند اكتشافه لغزًا لغويًا لا يفسر منذ مئات السنين، لأن اللغات الثلاثة كانت وقتها من اللغات الميتة. وكانت أولى المحاولات لفك شفرته التي قام بها الدبلوماسي السويدي، العالم توماس أكربال، في سنة 1920، الذى تعرف على اسم الملك بطليموس الخامس، وبعض الحروف الأخرى. فيما اكتشف العالم البريطاني، توماس ينج، أن الكتابة الهيروغليفية هي حروف لأصوات، وأن الأسماء الملكية مكتوبة داخل أشكال بيضاوية يُطلق علها علماء المصريات اسم "خراطيش"، ولكنه أخطأ في الخصائص الصوتية لهذه الرموز. وتمكن العالم الفرنسي، جون فرانسوا شامبليون شامبليون، في عام 1822 من فك رموز اللغة المصرية القديم الهيروغليفية، ومعرفة معنى ما كتب على الحجر. وساعد شامبليون على فك رموزه أنه كان يعرف اللغة القبطية "الديموطيقية"، وهو في عمر مبكر، حيث كان سكرتيرًا للبعثة العلمية التي رافقت حملة نابليون بونابرت لمصر، فطابقها باللغة اليونانية الموجودة على الحجر ثم ميز أسماء الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية "الديموطيقية"، واستطاع أن يحصل على عدة حروف وعن طريق مضاهاتها ببعض أسماء أخرى تكرر اسم الملك "بطليموس الخامس"، ومن ثم وصل إلى أبجدية الحروف القبطية، وبالتالي أبجدية الحروف الهيروغليفية التي كان يستخدمها فراعنة مصر، وما أن أطلع علماء الآثار والتاريخ حتى انطلقوا في نهم شديد للكشف عن الحضارة المصرية القديمة التي عُرفت بأنها أعظم الحضارات البشرية. وتوصل شامبليون إلى أن الحروف الساكنة في الهيروغليفية وحدها هي التي تكتب مع إغفال الحروف المتحركة فلا يتبقى من الكلمة سوى هيكلها مما يعني أن الكتابة المصرية القديمة كانت تصويرية وصوتية، كما تضم علامات تقرأ وأخرى لا تقرأ. أظهر ذلك الاكتشاف أن محتوى الكتابة كان تمجيدًا لفرعون مصر الجديد بطليموس الخامس من البطالمة، وتسجيل إنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة بالديموطيقية، والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة بالهيروغليفية، والإغريق بلغتهم اليونانية. وجاءت أولى فقراته "من بطليموس الخامس فليعيش محبوب بتاح والإله إپي فانس أوخاريستوس الذي خلف والده، اجتمعوا في هذا اليوم في معبد منف وشهدوا أن الملك بطليموس محسن للمعبد وللعاملين فيه وكذلك لجميع الشعب وأنه إله ابن إله ويقدس الآلهة، قدّم للمعبد دخل من الثروة والحبوب وصرف الكثير من أجل رخاء مصر وزوّد المعابد بالإمدادات، وهو سخي بثروته الخاصة وقام بإلغاء العوائد والضرائب التي كانت واجبة في مصر كما خفّض أخرى حتى يتمكن الشعب من العيش في رفاهية أثناء حكمه وألغي الديون المستحقة للقصر، وكذلك حرر هؤلاء القابعين في السجن وآخرين الواقعين في قضايا منذ زمن طويل". ويعتقد أن هذا الحجر كان ضمن نصب تذكاري ضخم أو من إحدى المعابد، وعندما كان العرب المسلمين يحتاجون للأحجار كانوا يهدمون المعابد والكنائس ليأخذوا أحجارها لعمل آلات حربية أو بناء المساجد. وعلى الرغم من أن الحملة الفرنسية هي من عثرت على الحجر، وأنه مصري الأصل، إلا أنه نُقل إلى لندن بالمتحف البريطاني بموجب معاهدة الإسكندرية "1801" التي أبرموها مع الفرنسيين إثر هزيمة نابليون، وهو الآن يعد واحدًا من أهم القطع الأثرية المعروضة بالمتحف البريطاني بلندن، لم يصيب الحجر فيها سوى بكسر واحد، وهناك محاولات مصرية تجرى لاسترداده ولكنها لم تنجح بعد.