(1) حرص عبده في صلاة فجر أول أيام رمضان أن يبدأ الشهر بأسلوب جديد و يتقرب من الله قدر المستطاع فقرر بداية أن يقف في الصف الأول خلف الإمام مباشرة ثم رفع يديه مكبرا ً و خشع في صلاته و لكن بدأ أستاذ فرغلي المصلي الذي بجواره في ممارسة عادته الغريبة و التي يتلذذ بها و هي دهس أصبع من بجواره ساعيا ً بذلك لسد أي فراغ بينه و بين المصلي الذي بجانبه فأخرج عبده عن خشوعه و تركيزه فلم يستمع إلي الفاتحة بل حرص كل الحرص أن يهرب بأصبعه المسكين من تحت رحمة أصبع فرغلي و لكن بائت محاولات هروبه بأصبعه الجريح بالفشل و لكنه أفاق علي المصلين و هم يرددون بصوت عالي " أمين " فتذكر أنه في الصلاة و عليه أن يخشع فقرر أن يركز في صلاته (2) بدأ الإمام يقرأ سورة الناس و عندما وصل إلي الأية التي تقول بسم الله الرحمن الرحيم " من شر الوسواس الخناس " صدق الله العظيم فشرد بذهنه متسائلا ً عن معني الوسواس الخناس و أخذ يفكر مليا ً في كم الأيات التي يقرأها في صلاته و لا يدري لها معني بالرغم من أن لغته الأولي هي اللغة العربية أو هكذا يكتب في سيرته الذاتية التي يتقدم بها للوظائف التي غالبا ً تهتم باللغات الأجنبية أكثر من اللغة الأم و عندما تذكر اللغة الأجنبية تذكر قراره بالإلتحاق بأحد الكورسات التي تعلم اللغة الأنجليزية حتي يحسن مستواه بها و لكن قطع تفكيره الصمت حيث أن صوت الإمام الذي كان يغلف خلفية صوت عقله قد توقف فأكتشف أن كل من بالمسجد قد ركعوا بينما هو شاردا ً في كورسات اللغة فقام بالتكبير في سرعة شديدة و ركع (3) ظل متوترا ً للحظات و هو لا يدري كم ظل واقفا ً في شروده و هم راكعين بدونه فقد يلحظ أحد المصلين تأخره عنهم في الركوع و يلومه بعد الصلاة فقرر أن يترك أفكاره لبعد الصلاة و يركز مع الإمام ليكون أول القائمين من الركوع حتي لا يشرد مرة أخري و يتأخر و بمجرد أن قال الإمام سمع الله لمن حمده تذكر في نفس اللحظة عبده أنه لم يقل سبحن ربي العظيم منذ أن ركع فأخذ يسبح بسرعة شديدة فتخالطت الحروف و خرجت الكلمات لا معني لها ثم أعتدل قائما ً ليتمتم في سره ربنا و لك الحمد و دون قصد منه تقابلت عينه مع مبرد المياه الذي أمامه فكبر الإمام و سجد الساجدون و معهم عبده و صورة مبرد المياه لا تفارق خياله (4) أثناء السجود حاول عبده طرد صورة مبرد المياه من رأسه فأغمض عينيه لكن الصورة أصبحت أوضح و أخذ يحاول أن يشغل تفكيره عن هذا بأن بدأ يتمتم في همس سبحن ربي الأعلي و لكن خطر في رأسه سؤال تري كم يتبقي من الساعات علي موعد أذان المغرب و من ثم موعد الإفطار فأكتشف أن المتبقي حوالي خمسة عشر ساعة فصعقه الرقم و أخذ يعيد حساباته و يعد الساعات علي أصابعه فهل سيظل يشعر بهذا الظمأ حتي الساعة السابعة و في هذا الجو الحار كيف هذا .. بالتأكيد لن أستطيع فأنا قد أستطيع الإمتناع عن الطعام لأيام لكن الماء و في هذا الجو الحار مستحيل ثم تسائل لماذا فرض الله الصيام نهارا ً و لم يفرضه ليلا ً حيث تكون الشمس غابت و الجو ألطف إلي حد ما ثم طرد الفكرة مستغفرا ً الله عن هذا العبث الذي يفكر فيه و قطع تفكيره صوت الإمام مكبرا ً فرفع رأسه (5) وجد عبده الجميع يقفون بينما أندهش من أنهم لم يجلسوا الجلسة التي بين السجدتين و لكنه أستدرك سريعا ً أنه من الواضح أن شروده جعله ظل ساجدا ً طوال السجدتين و لم يسمع تكبير الإمام و قرر أن يتوقف عن التفكير ليخشع في الركعة التي تبقت من الصلاة بدأ الإمام يقرأ الفاتحة بينما عبده قد أستقر علي إستراتيجية جديدة في التعامل مع الأستاذ فرغلي فقرر أن الهجوم خير وسيلة للدفاع و بدأ يدهس أصبعه هو فهرب أستاذ فرغلي بقدمه بعيدا ً بعد أن أكتشف أن عبده خصم عنيد و للمرة الثانية يقول المصلين " أمين " و يلحق بهم عبده مستدركا ً بعد أن أنشغل بمعركة الأصابع مع الأستاذ فرغلي ثم يغمض عينيه و يتنهد في غيظ أنه حتي الأن لم يستطيع التركيز لحظة في الصلاة (6) قبل أن يبدأ الإمام في قراءة السورة القصيرة الأخري قرر عبده أن يستعيذ بالله من الشيطن الرجيم حتي يطرد الشيطن الذي يشتت تركيزه عن الصلاة فهذه الأفكار و الأفعال لا تخرج إلا من الشياطين و لكن لحظة واحدة كيف يكون هذا شيطان و قد سلسلت الشيطين مع بداية رمضان هل معني ذلك أن كل ما يحدث لعبده من شرود و عدم تركيز هو بمجهوده الفردي دون مساعدة أي شيطان أم أن رمضان لم يبدأ بعد فقد سمع عبده بالأمس أن هناك بعض الدول سيبدأ فيها رمضان اليوم بينما سيبدأ في دول أخري غدا هل شيطان عبده إذا يسير علي توقيت دولة أخري لم يستطيع عبده أن يغالب إبتسامته من تصور شيطانه و هو يجلس أمام التليفزيون ليستمع إلي مراسم رؤية هلال رمضان ليعرف موعد سلسلته أرتفع صوت الإمام مكبرا ً ليركع عبده وهو لا يستطيع التوقف عن الإبتسام و الإستغفار كلما تصور شكل شيطانه هذا فيغمض عينيه و يكتم أنفاسه حتي لا تخرج منه ضحكة تخرجه عن صلاته و تحرجه أمام المصلين (7) أثناء الركوع قرر عبده أن يتوقف عن الإبتسام فهذا لا يليق بشخص قرر أن يبدأ رمضان بأسلوب جديد في حياته و يفتح عينيه بعد أن أسترخي و توقف عن الإبتسام لكنه وجد شيئا ً غريبا ً فالجميع ساجدين و لكن هذه المرة هو متأكد أنه لم يشرد إلي هذا الحد فعدل من وضعه و سجد و هو يفكر بينما يتمتم بالتسبيح و عندما قام الإمام واقفا ً و أكمل تلاوة فهم عبده أنها كانت سجدة تلاوة و أنه لا يعرف الأيات التي بها مواقع سجدات و لم يدرك سجود المصلين حيث كان يغمض عينيه مانعا ً نفسه من الضحك (8) ثم قرر عبده أن يترك كل شئ و يركز حتي لا يتكرر هذا الموقف المحرج فلا يسجد أو يركع مرة أخري إلا بعد أن يتأكد أن الجميع قد ركعوا أو سجدوا و بالفعل ركع معهم و سجد معهم سجدته الأولي ثم أعتدل ثم سجد سجدته الثانية و التي كان الإمام يطيل فيها قليلا ً ليتمكن المصلين من الدعاء فظل عبده يدعو الله أن يسامحه علي هذه الصلاة التي سهي فيها كثيرا ً و أخذ يفكر كيف يكفر عن سهوه فقرر أن يقرأ كل يوم جزئين من القرأن ليختم القرأن مرتان في نهاية رمضان لا بل سيقرأ ثلاثة أجزاء فيختم القرأن مرة كل عشرة أيام و سيصلي التراويح و التي تستمر أحيانا ً إلي العاشرة مساء و سيعتكف في المسجد في أخر عشرة أيام في رمضان و ينقطع عن كل الدنيا و ظلت سين التسويف تسبق كل أعماله حتي شعر بالتعب من كثرة ما سيقوم به في رمضان و بدأ يشعر ببعض الخمول و أخذ يتثائب (9) أستيقظ عبده علي يد تهزه لينتفض مفزوعا ً فيجد إمام الجامع ينظر له بدهشة بينما الجامع خاليا ً لا يوجد فيه إلا عبده و إمام الجامع فنظر عبده حوله متوترا ً و هو يسأل " هو صلاة الفجر خلصت و لا أيه " فضحك الإمام وهو يقول " فجر أيه يا أبني أحنا بقينا الظهر " ففتح عبده عينيه بعد أن فركهما بيديه بقوة ليتأكد أنه مستيقظا ً فتسائل "أمال أيه اللي حصل أنا أخر حاجة فاكرها أني كنت بصلي الفجر و كنا في الركعة التانية تقريبا " فأبتسم الإمام و قد فهم ما حدث و هو يقول لعبده في الركعة التانية النور قطع و بعد ما خلصنا الصلاة خرجنا كلنا من الجامع " " و قعدت أنده و أتأكد إن مفيش حد لسه جوه عشان مكنتش شايف في الضلمة هنا أستدرك عبده قائلا "يعني أنا نمت و أنا ساجد " فهز الإمام رأسه و هو يقول له "تقريبا ً كده قوم بقي عشان تتوضي و تصلي الظهر معانا " ثم أتجه الإمام نحو الميكرفون و بدأ في ترديد الأذان بينما أتجه عبده متثاقلا ً نحو المكان المخصص للوضوء (10) و عندما قام بفتح صنبور المياه حتي بدأ يشرب ليروي عطشه الشديد فأستوقفه أحد المتوضئين قائلا ً "أنت مش صايم و لا أيه " فألقي عبده سريعا ً بكل ما في فمه من ماء و قد تذكر أنه صائم فقال له الرجل معلش محصلش حاجه أستغفر ربنا و كمل صيام عادي .. طالما نسيت يبقي محصلش حاجه " "و عشان متنساش تاني أستعيذ بالله من شر الوسواس الخناس فسأله عبده بلهفة "أيوه يعني أيه بقي الوسواس الخناس " فتوقف الرجل المتوضئ لحظة ليفكر في معني الكلمة و عندما أكتشف أنه لا يدري معني دقيق لها فربت علي كتف عبده و قال له "أستعيذ أنت بس و مالكش دعوة "