- «باختصار لم ينتبه العرب..»، عبارة جاءت فى مقدمة بحث يصف حالة الغفلة التى تعانيها شعوبنا العربية عند مواجهة المخاطر المحيطة بها والتى تهدد بقاءها استراتيجياً، حيث ورد فى هذا البحث ما يلى: «باختصار لم ينتبه العرب إلى الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطانى فى فلسطين إلا بعد البداية الرسمية للحركة بأكثر من عشر سنوات. وحينما تم السجال حولها فإن من بيدهم الأمر لم يتحركوا للتعامل مع هذا الحدث بعقلانية وحسم، ونقصد أنه كانت هناك دائماً فجوة زمنية بين الحدث الموضوعى الذى يهدد الأمن القومى العربى وتنبُّه العرب لهذا الحدث.. ولكن حتى حينما يتم هذا الوعى بالحدث فإنه كانت هناك دائماً فجوة زمنية أخرى بين الوعى والحركة المضادة أو رد الفعل المناسب، لذلك كان رد الفعل العربى دائماً متأخراً وباهتاً وغير فعال بالمرة». - وحتى لا تتكرر هذه العبارة مرة أخرى فى الأحداث الآنية التى تعيشها أمتنا المصرية بل ومنطقتنا العربية والإسلامية، يجب علينا، شعوباً وحكاماً، قراءة ما ورد فى وثيقة «استراتيجية الدفاع الوطنى»، التى أصدرها رئيس الولاياتالمتحدة فى مارس 2006 والتى تعد استراتيجية لرؤية وطريقة تعامل القوى الغربية مع دول ومجتمعات وقيادات ومؤسسات وشعوب العالم الإسلامى والعربى، وقد ورد فى هذه الوثيقة ما يلى: «إن المُثل التى استلهمها تاريخنا -الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية- تلهم الآن بشكل متزايد الأفراد والدول فى شتى أنحاء العالم.. ونحن نختار القيادة لا الانعزالية، والسعى إلى التجارة الحرة والأسواق المفتوحة لا الحمائية (سياسة حماية الإنتاج الوطنى). إننا نختار معالجة أمر التحديات الآن لا تركها للأجيال المقبلة. ونحن نقاتل أعداءنا فى الخارج بدل انتظارهم ليصلوا إلى بلدنا. إننا نسعى إلى توجيه العالم، وليس فقط إلى التوجه بتسيير من العالم، إلى التأثير على الأحداث نحو ما هو أفضل بدل القبوع تحت رحمة الأحداث.. على المدى القصير تتضمن المعركة استخدام القوة العسكرية وأدوات القوة القومية الأخرى لقتل أو أسر الإرهابيين وحرمانهم من الملاذ الآمن أو من السيطرة على أى بلد والحيلولة دون حصولهم على أسلحة الدمار الشامل وقطع مصادر دعمهم. وعلى المدى الطويل فإن الانتصار فى الحرب على الإرهاب يعنى الانتصار فى معركة الأفكار، ذلك أن الأفكار هى التى تستطيع تحويل من خابت آمالهم وتبددت أحلامهم إلى قتلة مستعدين لقتل الضحايا الأبرياء».. انتهى. وجاءت وثيقة الأمن القومى الأمريكى فى عام 2010 ولم تغير التوجه الاستراتيجى للغرب تجاه شعوبنا العربية والإسلامية، وإنما ركزت أكثر على مبدأ المفكر الصينى: سون تزو، وهو إخضاع العدو بدون قتال، أو ما يسمى التحول من «العسْكرة» إلى اتجاه «مَدْينة» الأمن القومى الأمريكى، خاصة بعد الخسائر الفادحة التى تكبدتها أمريكا فى حربها على أفغانستان والعراق. - هذه العبارات فى الحقيقة تعبر عن استراتيجية الحرب الحضارية التى حددها المفكر الاستراتيجى: صامويل هنتنجتون بصراحة عام 1993 أن المقبل إنما هو «صراع الحضارات» الذى سيتوجه فيه الغرب لمحاربة دائرتين تمثلان الخطر الصاعد وهما دائرة الحضارة الصينية ودوائر الحضارة العربية والإسلامية وقد بدأت فعلياً الحرب ضد الدائرة العربية والإسلامية. - ولا يمكن مواجهة هذه الحرب الحضارية إلا بتكوين جبهة وطنية موحدة والتى يبدأ تكوينها استراتيجياً بآلية واحدة جاءت على لسان الرئيس الصينى زيانج زيمين سنة 1997 فى جريدة الشعب اليومية، كبرى صحف الصين، حيث قال: «يجب أن يكون التركيز على تقوية الروح الوطنية».. «الروح الوطنية» هذا المصطلح الذى يعتبره الغرب قديماً ورجعياً فى زمن الترويج لعصر سيادة السوق، ومنطق وصف العالم بالقرية الواحدة، التركيز على تقوية الروح الوطنية هو الاستراتيجية التى واجهت بها مصر جميع المِحن التى مرت بها ومنها مواجهة نكسة 67 وإعادة بناء القوات المسلحة، وحقق بها الشعب المصرى جميع انتصاراته ومنها حرب الاستنزاف وعبور 73 وملحمة 30 يونيو 2013، تلك الروح الوطنية التى تحقق ما ورد فى كلمة الرئيس المشير عبدالفتاح السيسى فى قصر الاتحادية بعد استقبال الوفود المهنئة له، حيث قال: «ولنجعل اختلافنا من أجل الوطن وليس على الوطن»، هذه الروح التى على أساسها يتم ترتيب البيت المصرى من الداخل مرة أخرى، والتى تجعل كافة القوى والتيارات السياسية والفكرية تعود إلى الخط العام لحركتنا الوطنية المصرية وهى مجموعة مبادئ تحكمنا جميعاً ولا خلاف حولها: أولاً: التأكيد على أن الحفاظ على الوطن ومقدساته وحماية الشعب هو الأولوية العظمى التى تسبق أى شىء وتعلو عليه، فلا خطر يساوى ضياع الوطن أو الاعتداء على الشعب. ثانياً: حماية السيادة الوطنية وتحقيق الاستقلال الوطنى الكامل من كافة أشكال وصور التبعية للغير وبناء جميع العلاقات الخارجية الاستراتيجية بناء على هذا الأساس وبما يحفظ لمصر مكانتها الدولية. ثالثاً: تحديد مفهوم الديمقراطية على أنه سيادة جماهير الشعب والمشاركة الفاعلة فى اتخاذ القرار، ومراقبة تنفيذ القرار، والإفادة من ثمار تنفيذ القرار، وذلك بالانتقال من مجرد التعددية الحزبية الواجبة إلى اشتراك كافة القوى والاتجاهات الشعبية والسياسية والفكرية، وكافة مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها عمود الوطن القوات المسلحة المصرية، الأحزاب، النقابات، الاجتماعية، الثقافية، الشبابية، فى جبهة وطنية موحدة واسعة تؤمن مسار الوطن واستقراره وتحقق وفاقاً وطنياً حوله. رابعاً: تحديد الثقافة على أنها أولاً وقبل كل شىء «الثقافة الوطنية»، وأن هذه الثقافة تعنى: تعبئة كافة طاقات حضارتنا على اختلاف عصورها الفرعونية والقبطية والإسلامية العربية والمعاصرة فى المقام الأول، مع الأخذ بكافة المعطيات الإيجابية للحضارات والثقافات الأخرى، بما فى ذلك الحضارة الغربية وذلك فى عملية انتقائية تهدف إلى دعم تحركنا نحو نهضتنا الحضارية الشاملة مع احترام خصوصيتنا والحفاظ على شخصيتنا المصرية. خامساً: إننا نهدف إلى تحقيق نهضة لمصر الحضارية تشمل الإنسان المصرى ذاته وليس مجرد تنمية مادية، تلك النهضة التى دعا لها رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده والتى سعت لها ثورات مصر 1881، 1919، 1935، التى نحت رمزها محمود مختار فى عمله الرائع «نهضة مصر»، والتى نرجو أن تحققها ثورتا 25 يناير و30 يونيو. وغير ذلك من مبادئ الخط العام لحركتنا الوطنية والذى يعد الأساس الأيديولوجى لتكوين جبهة وطنية موحدة تشمل الكل شعباً ورئيساً وحكومة ومعارضة. - ولا يخرج عن هذه الجبهة الوطنية إلا حفنة العملاء والخونة الذين باعوا أوطانهم وشعوبهم وأنفسهم لقوى الظلام، وفى مقدمتهم جماعة الإخوان الإرهابية، ليس فقط لأنها ارتكبت جرائم قتل وترويع ضد الشعب والجيش والشرطة، وإنما لكونها جماعة تنطوى على معتقدات وأفكار ومبادئ معادية لكل ما هو مقدس ووطنى، ولذلك تم استخدامهم من قِبل القوى الغربية فى سرقة وتحطيم الوطن والتآمر على الشعب، وعبّر عن هذه المعتقدات مفكرهم الأبرز سيد قطب، عندما قال: «إن الوطن عفن»، وكذلك مرشدهم مهدى عاكف عندما قال ملخصاً لأفكارهم تجاه مصر وشعبها ثلاث كلمات: (طز فى مصر)، هذه المعتقدات تجعلنا نفهم السبب وراء سلوكيات الإخوان المعادية لكل مقومات وأركان الدولة المصرية، ولذلك فإن التعامل مع الإخوان، من وجهة نظرى، يجب أن يكون كما يلى: - تفكيك الجماعة بكامل تنظيماتها وقواعدها الشعبية بداية من مكتب إرشادها وامتداداً إلى أصغر وحدة تنظيمية فيها «ما يسمى بالأسرة»، بالإضافة إلى حل جميع الجمعيات والمؤسسات والشركات والأحزاب والمدارس ومعاهد إعداد الدعاة ومراكز تحفيظ القرآن التابعة لهم، وتجريم محاولة إعادة تكوينها وعدم السماح لأعضائها بالتجمع معاً فى تنظيمات سياسية أو اجتماعية أخرى، وإنما الانتشار بصورة فردية وغير تنظيمية. - محاكمة من تورط منهم فى جرائم إرهابية بتحريض أو تمويل أو تنفيذ أو تستر أو ترويج ومعاقبتهم بما يناسب هذه الجرائم. - تصميم برامج دينية وسياسية واجتماعية ونفسية تعمل على مواجهة الأفكار والمعتقدات التى يروجها أعضاء الجماعة فى المجتمع وتساعد على تجفيف منابعهم الفكرية حتى لا يستقطبوا المزيد من الشباب. - وضع أعضاء الجماعة الذين لم يرتكبوا جرائم تحت الملاحظة لمدة لا تقل عن عشر سنوات قبل أن يسمح لهم بمزاولة العمل العام، وذلك للتأكد من تخليهم عن المعتقدات والأفكار التكفيرية والمناهضة للدولة، وهذه الفترة يبررها تجربة السنوات السابقة مع من ادعوا كذباً أنهم قاموا بمراجعات فكرية أمثال عاصم عبدالماجد وطارق الزمر ثم وجدناهم يرجعون إلى ما كانوا عليه من أفكار ومعتقدات متطرفة بمجرد أن استشعروا أن هناك مجالاً لذلك.